مدينة إدلب تتحدى الموت والمجازر بالرياضة

مدينة إدلب تتحدى الموت والمجازر بالرياضة
عندما تبدأ إرادة الحياة بالتمرد على الموت، وآثار الدمار التي يخلّفها القصف اليومي لطيران نظام الأسد منذ تحرير المدينة في نهاية شهر آذار الماضي، تحاول إرادة الحياة أن تنجح في إعادة المدينة إلى يوميات اعتيادية تعيش فيها بعض الطقوس اليومية، التي اعتاد عليها أهالي المدينة، وإن كانت في السابق تبعث على الروتين والملل في كثير من الأحيان، لكن الناس بدأت تفتقد هذا الملل الروتيني، مع بداية دخول جيش النظام الى المدينة في آذار 2012.

يحاول المتطوعون من الأهالي إعادة الوجه المشرق للمدينة، من خلال إزالة آثار الدمار، وإعادة تاهيل الحدائق، والعمل على إعادة الخدمات اليومية للمدينة، إلا أن الأمل في إعادة الحياة الطبيعية للمدينة، تعدّى هذه الطموحات البسيطة، إلى تنظيم دورة رياضية لكرة القدم، داخل الصالات المغلقة، بسبب عدم جهوزية الملعب البلدي لكرة القدم، وهو الوحيد في المدينة، بعد أن حوّله جيش النظام، خلال احتلاله المدينة إلى ثكنة عسكرية، ومستودع لآلياته الثقيلة، ما أتلف البساط الأخضر العشبي للملعب.

رغم القصف..نلعب كرة القدم

منذ عام 1988، وفي أيام شهر رمضان المبارك، كانت تقام، بعد صلاة التراويح، بطولة لكرة القدم للأحياء في مدينة ادلب، كان ينظمها نادي أمية الرياضي، الذي يعتبر النادي الأكبر، من حيث الإمكانيات المادية على مستوى المحافظة، وكانت تسمى شعبياً بـ "السداسيات" لأن عدد اللاعبين للفريق الواحد هو ستة لاعبين، وكانت هنالك ثلاث فئات عمرية: أشبال، وناشئين، في بطولة صباحية، وباقي الفئات العمرية في بطولة مسائية، كانت تستقطب جماهيراً بأعداد كبيرة، وتقام في الصالة المغلقة، استمرت هذه المباريات لعدة سنوات، وتم ايقافها لأسباب عديدة.

في إعادة لهذه البطولة، التي يرجح أنّ أكثر المشاركين فيها لم يكونوا جمهوراً في تلك البطولات الأهلية، تم تنظيم بطولة لكرة القدم في مدينة إدلب، في الصالات المغلقة، ضمن أصول التنظيم الدولية؛ هذه الألعاب التي باتت من الألعاب العالمية "كرة القدم في الصالات المغلقة"، وكانت من تنظيم نادي أمية الحر، الذي استلم بعض الرياضيين الذين تمت ملاحقتهم أثناء تواجد جيش النظام في المدينة، ما اضطرهم للهروب خارج المدينة، مهمة تنظيمها.

يقول الاستاذ "أحمد ربيع" رئيس نادي أمية الحر "لأورينت نت" عن الهدف من إقامة البطولة الرياضية: " هدفنا من إقامة هذه البطولات هو إخراج سكان المدينة من الوضع النفسي السيئ، بسبب القصف شبة اليومي على المدينة، فالرياضة تبعث على الفرح والأمل -على ما أعتقد -وتنسيهم قليلاً المآسي" ويضيف رئيس النادي "تم تنظيم هذه البطولة بالتنسيق بين نادي أمية الحر، والاتحاد الرياضي الحر، دون دعم من أي جهة، أو منظمة، باستثناء تكريم الفريق الفائز، والفريق الثاني، من قبل منظمة بنفسج" مشيراً إلى أن "أي عمل يحاول إعادة المدينة للحياة الطبيعية، يدفعنا لأن نساهم به بكل جوارحنا، وأعتقد أن الرياضة من عوامل عودة الحياة الطبيعية للمدينة، من خلال مشاركة كل الفئات العمرية قي النشاطات الرياضية؛ الأمر الذي يساهم بشكل فعلي في عودة الثقة بالنفس والتوازن النفسي، بعد كل هذه المجازر".

أما عن مستوى التنظيم ونجاح هذه البطولة، يؤكد السيد "ابراهيم شبلي" المشرف العام على البطولة "لأورينت نت" أن البطولة كانت ناجحة وجيدة حيث يقول: " كانت البطولة ناجحة على المستويين الفني والتنظيمي، على الرغم من عدم جهوزية الصالات التي أقيمت فيها البطولة، وعلى الرغم من القصف اليومي، إلا ان التفاعل الاجتماعي معها كان جيداً" ويشير إلى أنهم اعتمدوا على "آليات محددة لتنظيم هذه البطولة"، والاعتماد على "العنصر البشري المدرّب"، الذي هو أساس نجاح أي دورة رياضي. يقول السيد شبلي: "كانت آليات اختيار المشاركين تعتمد على الخبرة في العمل الرياضي، والتخصص من قبل مدرسي االتربية الرياضية في المدارس، والمدرّبين السابقين في نادي أمية، ونادي العمال، وأخيار الحكام من أصحاب الخبرة الطويلة في التحكيم، ممن كانوا يشاركون في تحكيم الدوري السوري قبل اندلاع الثورة".

كما أشار ألى أن ثلاثة حكام قادوا المبارايات في هذه البطولة وهم: ( جميل عنداني - محمد مرعي شيخ الحدادين - أحمد غجر)

العمل على إقامة عدة بطولات

يشير السيد "ابراهيم شبلي" المشرف على البطولة إلى أنه على الرغم من القصف شبه اليومي، والوضع السيء الذي تعيشه المدينة، بسبب الرعب من براميل الإجرام لطيران النظام، إلا أنه هناك ثمانية فرق شاركت في البطولة، وهي: (الأنصار - النجمة - السلام - النصرة - إدلب العز - أمية الحر - الإخاء - أشبال كفرجالس ) مؤكداً أن هذه البطولة هي الخطوة الأولى في دوران عجلة إقامة العديدة من الدورات الرياضية، في عدة ألعاب، حيث كشف السيد شبلي "لأورينت نت" عن العمل على إقامة بطولات أخرى، قائلاً: "نعمل على إقامة بطولة كرة الطاولة، والريشة، الطائرة، والشطرنج، في الصالات المتواجدة لدينا، أما بالنسبة لكرة القدم، فنعمل في الحقيقة على التنسيق لتنظيم بطولة محافظة إدلب، لتشارك بها جميع المناطق المحررة من المحافظة" وهذا ما أكد عليه أيضاً السيد "أحمد ربيع" رئيس نادي أمية الحر، بقوله " نحن جادون في إقامة بطولات للألعاب الفردية، بسبب وجود الصالات والمدربين والحكام، والذين هم أساس عمل البطولة التي نحاول أن تكون فيها المشاركة واسعة بين كل الفئات العمرية".

البطولة ناجحة

من الطبيعي أن يخيّم الوضع العام على البطولة، بسبب القصف شبه اليومي، وخوف السكان المحليين من حضور أي تجمع، خوفاً من قصفه من قبل طيران النظام المجرم، إلا أن الحضور الشعبي كان مقبولاً إلى حد كبير، بحسب ما أفاد "لأورينت نت" اللاعب القديم في نادي أمية الرياضي السيد "غسان الذنب"، حيث أشار إلى أنه " كان المستوى الفني للفرق يتراوح بين الوسط والجيد، وهذا طبيعي، لأن اللاعبين من الهواة هدفهم إعادة اللعبة للمدينة"، وأضاف موضحاً: "أما ما يتعلّق بالتنظيم، من حيث مواعيد المباريات، فقد كان مناسباً والجهد من قبل المنظمين جيد، وبعيد عن العشوائية، من حيث أن الحضور كان محدوداً" وأكد السيد غسان: "أما التحكيم كان جيداً، ولم أشاهد أخطاء كبيرة، ما فاجأني في الحقيقة هو تقبل اللاعبين لقرارات الحكام، كما أن الخطوة بالمجمل، كانت جريئة، وإيجابياتها أكتر من سلبياتها في هذه الظروف، كما أنها تحمل تعباً واضحاً للمنظمين".

التحكيم ضمن الأنظمة الدولية

يقول الحكم الدولي، السيد "محمد مرعي شيخ الحدادين" "لأورينت نت"، حيث كان أحد الحكام الذين قادوا مباريات بطولة مدينة إدلب لكرة القدم في الصالات المغلقة: "الأنظمة والقوانين التي عملنا عليها في التحكيم ضمن البطولة، هي الأنظمة الدولية التي درسناها في دورات التحكيم، وهي قوانين لا تختلف عن القوانين في الملاعب الكبيرة، إلا أنه هنالك بعض التفاصيل الخاصة بهذا النوع من البطولات، وسنلتزم بهذه القوانين في الدورات والبطولات القادمة" وأشار السيد مرعي إلى أن "الروح الرياضية كانت عالية جداً ضمن البطولة، حيث لم تشهد احتكاكاً عنيفاً بين اللاعبين، وفي نهاية كل مباراة كان الخاسر يهنئ الفائز، ويتبادلون التحيات، دليل محبتهم واحترامهم للدورة والمنظمين".

في معرض حديثه "لأورينت نت" يقول اللاعب "عبدالقهار زكور"، لاعب فريق "إدلب العز"، الذي فاز بكأس بطولة مدينة إدلب الرياضية: " كانت هذه البطولة بمثابة جهاز الصدمات الكهربائية، التي أعادت الحياة للرياضة في المدينة، حيث شعرنا بأن هذه المدينة لن تموت، وستبقى حية بجميع تفاعلاتها، وكانت رسالة قوية تدل بأن رياضات مدينتي تبقى حية بإصرار شبابها وشعبها، ولابد أن نعلم من خلال هذه البطولة، بأن الشباب لهم دورهم الفعال، وعليهم المشاركة بجميع الفعاليات الرياضية" وأضاف عبد القهار قائلاً: "الإصرار والتحدي في عيون لاعبي الفرق المشاركة ، كان هو العنوان الأساسي للبطولة، إذ لم يكن همهم الفوز بالبطولة، بقدر ماكان همهم إنجاح هذه البطولة، والأروع كان هو الروح الرياضية العالية، التي سادت البطولة، والانسجام الكبير بين اللاعبين، والمنظمين، والإدارة" مؤكداً " وما أسعدني أيضاً، هو وجود كافة مكونات المجتمع داخل الفرق، فكان الطبيب، والمهندس، والأستاذ، والعامل، وهو دلالة على ترابطهم في السعي لإنجاح أي حدث يخص مدينة إدلب"

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات