الأبناء يأكلون الحصرم والآباء يضرسون!

الأبناء يأكلون الحصرم والآباء يضرسون!
لم يبق للسوري سوى الريح..هي الأخرى لم تدّخر جهداً في خذلانه، خلال مسيرة الرحيل نحو الضفة الأخرى من العالم، لاختبار صنف جديد من البشر، علّه يسرّي عنه، جرّاء ما يعتلج في داخله من ألم، قاساه خلال سلسلة الخيبات التي لاتنتهي..

فاللاجئ في البحر يصل إلى الضفة الأخرى مجرّداً إلا من بقايا ذاكرة، والكثير من الصدمات..بالحياة التي كان يظنها ستبتسم له يوماً ما، فإذا بها تجبره على اختيار الشكل الأمثل للموت بالنسبة له..خيبته بمن كان يظنهم يوماً أهلاً وجيراناً، وشركاء في الهم الإنساني، فإذا به يكتشف ان عقود الشراكة كانت وهمية، وأن العقود المبرمة كانت محض هراء..

وكما كل الخيبات، تأتي  خيبته بمن كان يعتبرهم رموزاً في كافة الميادين، بل وكان يراهم فرساناً في بعض الأحيان، ليكتشف أنهم كانوا دمى في مسرح للعرائس، يتحكم بهم أصحاب القرار، ذوي الضمير الميت سريرياً!

كوليت خوري، أدونيس، دريد لحام ليسوا الوحيدون، ولكن صدمة الشارع بهم ، كانت الأشدّ فداحة، حيث أنه جرى تكريسهم على أنهم المتصدرين للمشهد الثقافي والفني للبلد، ليكتشف الناس فيما بعد أنهم ليسوا إلا أبواقاً للسلطة، وأنهم أبطال من ورق!

ولأن  الأمر على هذه الشاكلة، فليس مستغرباً من كوليت الخوري، التي أمضت عمرها وهي تجتر تاريخ جدها، رئيس الوزراء الأسبق فارس بك الخوري، الذي كان بحق رجلاً من رجالات الدولة في سوريا، حيث حظي بهذه المكانة لأنه كان أبعد ما يكون عن الطائفية، ولأنه كان ممثلاً لكل أطياف السوريين في خمسينيات القرن الماضي، غير أن حفيدته أبت إلا أن تكون شاة تثغو في قطيع خرفان الأسد!

تخرج كوليت خوري على الشاشات لتبدي شماتتها بموت اللاجئين، متسائلة حول مصدر الأموال التي يدفعونها لقاء الهجرة من البلد، مؤكدة على هويتها المسيحية في مواطن عدة، وهي التي أرسلت رسائل تعدد فيها مناقب البطريرك بشارة الراعي، الذي كان حتى الأمس القريب العدو الأكبر للنظام السوري، واصفة إياه بالكبير، كما دأبها مع كلّ من تتملّقهم، في وقت خرج جدها منذ قرابة السبعين عاماً محمولاً على الأكتاف انطلاقاً من المسجد الأموي، ناسفاً لأي محاولة من أجل تطييف هويته.

ليس من الصعب على أي شخص يتذوق الأدب، أن يكتشف مقدار استثمار السيدة خوري لتراث جدها، أو لعلاقتها بالشاعر الراحل نزار قباني من أجل استقطاب الأضواء، فالقيمة الأدبية لأعمالها أقل بكثير من أن تخطف الأبصار ممن عاصرنها من النساء الأديبات كغادة السمان على سبيل المثال، فكانت تلتجئ إلى تاريخ الراحل فارس الخوري لترمم هذا الشحّ الإبداعي، ولكن السؤال الأكبر: "هل يقبل من (أديبة) نشأت على أفكار زعيم حقيقي كفارس بك الخوري، وهو من أوائل من آمنوا بالمواطنة في سوريا، وعملوا من أجلها، ان تشمت بأبناء وطنها لمجرّد كونهم اختاروا الولاء للوطن، بدلاً من الولاء لديكتاتور!..

لم يكن فارس الخوري هو الضحية الوحيدة للاستثمار باسمه، فالسيدة فيروز هي الأخرى كانت مادة للاستثمار من ابنها زياد (المثقف اليساري)، الذي لطالما ردّد الناس أغنيته "أنا مش كافر بس الجوع كافر"، والذي آلى على نفسه يوماً ما ألا يخلع بذلته العسكرية حتى يخرج الجيش السوري من لبنان؛ فيروز هي الأخرى بكل تاريخها، لم تنج من مطب الاستثمار بشهرتها من قبل ولدها زياد الذي نقل عن لسانها أنها معجبة  بحسن نصر الله والقذافي، وانها تؤيد سياسة النظام التي ينتهجها مع معارضيه، الأمر الذي دفع ابنتها ريما إلى تكذيب ما ذكره زياد حول هذا الموضوع واعتبارها واحدة من شطحات زياد الكثيرة، طبعاً ما ساعد زياد هو إحجام السيدة فيروز عن الإدلاء بأي تصريحات إعلامية، وندرة هذا الظهور أصلاً، ما يجعل الغموض يكتنف مواقفها السياسية، ويجعل من الصعوبة بمكان التحقق من صحة هذه التصريحات، إلا أن هذا لا ينفي أن زياد استغل اسم فيروز "للتشبيح" لنظام الأسد وحزب الله، ناسفاً بعرض الحائط مصداقية والدته.

لا تكمن  الكارثة في مواقف كوليت خوري وزياد الرحباني، من سوقا نفسيهما على أنهما ينتميان للوطن والإنسان –بحسب تعبير الإعلام الممانع والمقاوم- من شعب يقتل بكل أنواع الأسلحة الفتاكة وغير الفتاكة، مباحة أم محظورة دولياً، ليتضح أن ما يعنيهما هو الحذاء العسكري فقط، والطغاة الذين يدوسون رقاب الناس باسمه، من "سيد الوطن" إلى "سماحة السيد"!

بل أن المأساة الحقيقية هو أنهما يتمترسان خلف الطائفة وبشكل فاضح ، ضاربين بعرض الحائط تاريخ سلفيهما الذين كانا رمزاً للإنسانية وليسا حكراً على طائفتيهما، إذ قوّض كل من خوري والرحباني هذا التاريخ بتصريحات عابثة، ألهمهما إياها من سوقهما على أنهما من الوجوه الثقافية والفنية، وهو نهج الأنظمة الشمولية التي تورث كرسي الرئاسة لغير مستحقيه، أفلا تورث الثقافة، والفكر، والفن، والإبداع، لغير مستحقيهم!

غير أن هذه المعادلة لم تنجح مع الكثيرين ممن كانوا أمناء على تراث أسلافهم، الثورة وحدها من ستفرز من الذي ورث الإبداع  والفكر بحق، ومن امتطى شهرة سلفه ليصنع من نفسه بطلاً من ورق التواليت، غير القابل للاستخدام أكثر من مرة واحدة، في ردهات القصور الرئاسية!

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات