تقوم روسيا حالياً بالتهيئة لعملياتها العسكرية والسياسية في سورية على عدة مستويات، سواء المستوى العسكري والمستوى السياسي والمستوى الإعلامي .
قد يكون أولها وأكثرها علنية التجهيز العسكري الجاري على قدم وساق في عدد من المناطق في سوريا وأكثرها وضوحاً هو القاعدة العسكرية التي تنشئها روسيا في اللاذقية على أساس مطار حميميم اضافة لميناء اللاذقية وطرطوس .
عدا عن مجموعة القواعد التي تنتشر فيها القوات الروسية والتي يبدو أنها ما تزال في مراحل إنشاء وتجهيز أولية مقارنة بمطار حميميم، والتي ستستغرق فترة معتبرة حتى تصبح البنية الأساسية فيها لأي عمل عسكري روسي في سوريا جاهزة .
قواعد وخطوط إمداد:
تسعى روسيا قبل الدخول في (المعركة المفترضة) في سوريا إلى إنشاء مجموعة من القواعد العسكرية إضافة لنقطة الإمداد اللوجستي الأولى لها في سوريا .
فمقارنة بوضع القوات الروسية خلال معارك أفغانستان والشيشان وداغستان وجورجيا كانت لدى هذه القوات خطوط إمداد متصلة مع روسيا بشكل مباشر، وكانت قوافل الشاحنات والطائرات لا تكاد تتوقف لنقل الإمدادات لهذه القوات التي كان تعدادها يتجاوز نحو 100 ألف جندي سوفييتي خلال غزو افغانستان مثلاً .
حيث يعول الروس كثيراً على الكم في خططهم وعقيدتهم العسكرية ويحتاجون دائماً لتفوق عددي ضمن معاركهم اضافة لكثافة نارية هائلة تشرحها بوضوح أثار الدمار في المدن الشيشانية .
فمدينة غروزني مثلاً دمرت بشكل شبه كامل ولم يبقَ بناء فيها لم يتعرض لإصابات مباشرة جراء القصف الذي شنته القوات الروسية خلال فترة المعركة للاستيلاء على هذه المدينة .
مصطلح سيطرة (بالمفهوم الشرقي) يعني أحياناً تدمير المنطقة تماماً وإخلائها من أشكال الحياة أو المدنية كافة .
فالترسانة العسكرية الروسية متخلفة نوعاً ما مقارنة بالترسانة الامريكية وما يزال الروس يعتمدون كثيراً على القصف المساحي والأسلحة غير الموجهة بشكل أساسي في عقيدتهم العسكرية والتي تتطلب استخدام كم كبير من الذخيرة لتحقيق غاياتها واهدافها.
نموذج الأسلحة هذا يفرض عليهم ثقلاً لوجستياً كبيراً قد يكون ظهر قسم منه خلال دعمهم لنظام الأسد خلال السنوات الماضية، فشحنات الأسلحة شبه اليومية من روسيا وإيران لم تتوقف إطلاقاً .
دخول روسيا إلى هذه المعركة سيتطلب كماً كبيراً من الذخائر بالدرجة الأولى اضافة لكافة أنواع وأشكال الدعم اللوجستي وحجم قوات كبير. إضافة إلى حاجة الجنود الروس لملاذ آمن بعيداً عن خطوط القتال، حيث كانت قاعدة طرطوس البحرية وما تحتويه المنطقة الساحلية بمثابة هذا الملاذ الأمن للخبراء والعسكريين الروس منذ بداية الحرب .
لذلك سيسعى الروس أولا ًإلى تهيئة هذه القاعدة وتجهيزها لتكون المدخل الأساسي لمختلف أشكال الإمداد لقواتهم براً وبحراً وجواً .
ثم توسيع المنطقة الأمنة حولها في الساحل أولاً مستفيدين من العمق الديموغرافي لقرى الساحل العلوية .
حيث سيمتد النطاق الأمن الذي سيسعون لتشكيله حول قواعدهم العسكرية في الساحل ليمنع أي محاولات قصف بصواريخ الغراد أو أي عمليات عسكرية ضد هذه القواعد، ما يعني أنهم قد يوسعون منطقة سيطرتهم حتى تشمل أجزاء من ريف إدلب الغربي إضافة لجبال الساحل كافة .
إذاً المرحلة الأولى من الانتشار الروسي في سوريا تشمل تأمين النطاق الأمن حول القاعدة البحرية والجوية في الساحل، وربما في عدد من القواعد في المناطق الأخرى في المنطقة الوسطى والجنوبية، وعدد من المواقع المختارة في دمشق ومحيطها وجبال الساحل. حيث يميل الروس لاختيار مواقع يسهل تحصينها والدفاع عنها تكون محاطة بكثافة سكانية موالية لنظام الأسد من العلويين .
قوات محدودة:
جميع ما سرب لحد الأن من أخبار حول القوات الروسية في سوريا لا يزال يتحدث في أقصى التقديرات عن ألفين إلى ثلاثة ألاف من الجنود الروس وعدد محدود من الدبابات وربما عشرات العربات المدرعة فقط و عدد من قطع المدفعية.هذه القوة حسب المفهوم الشرقي لا تعتبر فعلياً مؤهلة لخوض حرب حقيقية أو احتلال دولة والتاريخ الروسي يشهد، فمن حرب جورجيا الأخيرة إلى حرب الشيشان بحملتيها وصولاً الى حرب افغانستان، شاركت القوات الروسية بعشرات ألاف الجنود والمئات من الطائرات وألاف الدبابات والعربات المدرعة بالإضافة لعشرات ألاف المرتزقة من الموالين لها في تلك البلدان .
هذه يعني أن روسيا بكم قواتها الموجود حالياً في سوريا ليست مؤهلة أو مستعدة بعد للدخول في عمليات عسكرية كبرى خصوصاً أن معظم ما ستواجهه هو معارك في المدن والبلدات التي يسيطر عليها الجيش الحر والفصائل الاسلامية، والذي امتلك عناصرها خلال السنوات الثلاثة الماضية خبرة كبيرة في المعارك غير المتكافئة ضد قوات تفوقهم عدداً وتسليحاً . فتعتبر داريا وجوبر مثالاً على ما ستواجهه القوات الروسية من مقاومة في حال بدأت الهجمات ضد الجيش الحر .
وحتى تحشد روسيا كماً كافياً من القوات لدخول عمليات كبرى والذي يجب أن لا يقل عن عشرين إلى ثلاثين ألف جندي وعدة مئات من الدبابات والعشرات من الطائرات فهي تحتاج لفترة طويلة نسبياً تمتد من عدة أسابيع إلى عدة أشهر، بناء على سرعة نقلها الحالية للقوات إلى سوريا .
أسلحة متشابهة:
خلال الخمس سنوات الماضية استخدم النظام جزءاً كبيراً من مخزون الأسلحة والذخائر الموجود لديه وكذلك وصلته كميات هائلة من الأسلحة والذخائر سواء الايرانية والروسية والصينية، فعلياً لم يبقى لدى الروس الكثير من أنواع الأسلحة التي لم يحصل عليها نظام الأسد ليستخدموها. ما يعني أن القوات الروسية ليس لديها فعلياً أي سلاح لم يستخدمه النظام قبلاً ضد الثوار، الفرق الوحيد في المعارك التي ستخوضها القوات الروسية ليس في الأسلحة بقدر ما يكون في تكتيكات المعارك وكثافة استخدام النيران وبخاصة القصف المدفعي والصاروخي .
(يقصد هنا بالأسلحة الذخائر تحديداً سواء القنابل أو الصواريخ وأنواع قذائف المدفعية وغيرها) .
قد يكون الفرق الأكبر هو في دقة الضربات الجوية التي ستشنها القوات الروسية ضد المراكز الهامة للجيش الحر التي عجز طياروا النظام عن قصفها خلال السنوات الخمس الماضية. إضافة إلى وجود بعض المنظومات العسكرية الإلكترونية للسطع والمراقبة والاتصالات، لم تستخدم بشكل حقيقي من قبل قوات الأسد ومن ساندها، تعتبر عاملاً أخر في الفرق بين قوات الأسد والقوات الروسية .
حل سياسي:
لا يمكن تجاهل القسم السياسي من الغزو الروسي لسوريا أو ما تبقى منها على الأقل .
فروسيا مهتمة أولاً وأخيراً بمصالحها وتأمينها وتركز اهتمامها على المنطقة الغربية من سوريا المطلة على حوض المتوسط والملاصقة لجارتها (العدو القديم) تركيا الناهضة بقوة، وهي ليست متلهفة حقيقة للدخول بقوة في مواجهة مفتوحة مع الثوار لا تعرف مدى قدرتها على إنهائها ومنعها من الانتشار لتصل الى الجمهوريات السوفيتية التي تحكمها بالحديد والنار .
قد لا تسعى روسيا فعلياً لمواجهة عسكرية كبرى على الأرض السورية لمعرفتها الحقيقية أن كم خسائرها في هذا النموذج من المعارك الهجومية سيكون مكلفاً لدرجة لا تحتملها على عدة مستويات بشرية وعسكرية ومادية .
بل ستسعى إلى تثبيت النظام في الرقعة التي لايزال يسيطر عليها ودعم وجوده فيها و منع خروج أي من أجزائها من يده.
لذلك قد لا تخرج كثيراً خارج المناطق المسيطر عليها من قبل قوات النظام حالياً كمحاولة إعادة السيطرة على عدد من المناطق والمدن الكبرى التي حررها الثوار كإدلب أو جسر الشغور، (على الأقل خلال المرحلة الأولى من العملية العسكرية في سوريا والتي ستستمر عدة أشهر على أقل تقدير) .
بل ستكتفي بالضربات الجوية والصاروخية وعمليات عسكرية محدودة والسيطرة النارية لتوسيع النطاق الذي تسيطر عليه قوات النظام وتأمين نطاق سيطرتها ضمنه وفتح طرق لبعض المناطق المطوقة أو المحاصرة. لذلك فهي تعمل على محورين يتمثلان بسيطرة عسكرية ظاهرية على الأرض مدعومة بضخ إعلامي هائل كجزء من الحرب النفسية .
إضافة إلى تشكيل بنية سياسية وتهيئتها لتستطيع التوصل معها إلى حل سياسي تبعاً للمقاييس الروسية تمهيداً لتثبيت نظام حكم ذي شكل ملائم للسيطرة الروسية عليه وربما يكون هو نفسه النظام الحالي أو نظام مشابه له مبني على أساسه، تمهيداً للتقسيم وتشكيل الدويلة العلوية المرتقبة .
التعليقات (1)