يعتبر (حسن) أذكى أطفال حيه، أو الآلة الحاسبة كما يحب أصدقاؤه وربُّ عمله أن يطلقوا عليه. فلدى الطفل قدرة كبيرة على حل المسائل الرياضية مهما بلغت صعوبتها خلال وقت قصير.
حسن طفل في التاسعة من عمره، اضطر إلى ترك المقاعد الدراسية، والالتحاق بأخوته "محمد" 13 عام و"علي" 11 عام، للعمل داخل ورشة لتصنيع اللاصق الزجاجي في حي الميسر بمدينة حلب، من أجل تأمين قوت يومهم، الذي أصبح جهاداً بالنسبة للكثيرين من أبناء المدينة، بعد وفاة والدهم نتيجة سقوط قذيفة مدفعية على عربته الجوالة في حي الشعار قبل ثلاثة أعوام.
يعمل حسن مع إخوته ساعات طويلة في اليوم، من أجل الحصول على ملبغ لايتجاوز الخمسين دولاراً شهرياً، مصارعين الموت الذي يتربص بهم في كل لحظة.
فمنذ أيام سقط برميل متفجر على المبنى المجاور لورشتهم فحوله إلى كومة من الركام، وعلى الرغم من صغر سنهم، إلا أن السيدة "رهف" والدة الأطفال الثلاثة، تجد عملهم أفضل بكثير من الإلتحاق بالمدارس، التي أصبحت هدفاً أساسياً ودائماً بالنسبة لطائرات النظام.
تقول أم محمد: بعد وفاة زوجي لم يعد لدي خيار سوى إرسال علي ومحمد إلى العمل من أجل اقتناء المال، بينما استمر شقيقهم الأصغر حسن بالذهاب إلى المدرسة من أجل التعلم، فأنا أشاهد فيه طبيباً أو مهندساً لما يمتلكه من مهارة حسابية وذكاء وفطنة، ولكن القصف الذي يستهدف المدارس، وما أشاهده من أشلاء الأطفال الذين كانوا يتلقون التعليم فيها، قبل أن تغير الطائات عليهم، دفعني إلى العدول عن فكرة مواصلته التعليم، وقررت أن أرسله مع اخوته إلى العمل، فعلى الأقل مكان العمل هناك في قبو تحت الأرض يساعد على حمايته من براميل النظام وصواريخه التي تمطرنا ليل نهار.
ولم يكن حال حسن وإخوته بأفضل من واقع (جميل) ابن الثلاثة عشرة عاماً، والذي اضطر هو الآخر إلى ترك مدرسته والإلتفات لمساعدة والده في العمل داخل مغسلة للسيارت، رغم ماتحمله هذه المهنة من تعب، إلا أن قساوة الحياة هنا، والقصف المركز على المدارس والمعاهد التعليمية، دفعت معظم العائلات إلى التخلي عن أحلام تدريس أطفالهم.
وأثناء سؤال "أورينت نت" لوالد جميل عن السبب المباشر الذي دفعه إلى تعليق حق ابنه بالتعلم قال: هذا ابني، وأنا غير مستعد للتفريط به من أجل ساعتين من التدريس .. مجازر طيران النظام بحق الأطفال في مدارس (عين جالوت وسعد الأنصاري، ومعهد سيف الدولة) وغيرها من المدارس التي دمرت، كفيلة بجعلي أنهي دراسة الطفل حتى يتوفر الآمان لهم داخل مدارسهم.
حسب الإحصائيات التي خرجت من منظمة اليونيسف الدولية المهتمة بشؤون الطفل، فإن أكثر من مليونين ونصف المليون طفل سوري فقدوا حقهم في التعلم نتيجة الحرب التي أشعلها النظام في سوريا، وحذرت المنظمة من تحول هؤولاء الأطفال إلى سلعة للإستغلال في سوق العمل، دون أن توجد حلولاً لإيقاف القصف الذي يستهدف هذه للمدارس.
المرشدة الإجتماعية (عبير فارس) مديرة قسم التنمية في المؤسسة السورية لرعاية الإنسانية (مسرات) تتحدث عن الأسباب الرئيسية التي دعت العائلات الحلبية إلى ارسال أطفالها إلى العمل دون المدارس، والحلول التي أوجدتها بعض المؤسسات التروبوية من أجل محاربة ظاهرة عمالة الأطفال، فتقول: العام الماضي قمت بإجراء عملية احصائية للأطفال المتواجدين في حلب، وقد كانت النتائج محبطة ومأساوية. أكثر من سبعين بالمئة من أطفال حلب خارج مقاعد الدراسة، إما خوفاً من القصف بعد أن أصبحت المدارس هدفاً اعتيادياً لطائرات النظام وبراميله المتفجرة، أو من أجل العمل لتأمين احتياجات الأسرة بعد فقدان المعيل، نتيجة الحرب الدائرة في البلاد.
وتضيف الآنسة عبير: إن هذين السببين يعتبران من أهم الأسباب التي جعلت المراكز التربوية والمؤسسات التعليمية شبه مهجورة، ويضاف إليها أيضاً، قلة المعلمين المختصين وحالة عدم الإلتزام بمنهاج موحد في مناطق حلب المحررة، فكل مدرسة تقدم منهاجها وفكرها بعيداً عن أي رقابة علمية.
تتابع الآنسة عبير الفارس: تتمثل الحلول التي نعمل عليها الآن في، إحداث مدارس أرضية أو في الأقبية كإجراء احترازي من عمليات القصف، كما أننا نعمل على خفض عدد طلاب هذه المراكز بحيث لايتجاوز عددهم في كل مدرسة المئة طالب، بعد أن تأكدنا أن النظام يستهدف المدارس التي تحتوي على أعداد كبيرة من التلاميذ ويعتبرها هدفاً أساسياً لايقاع أكبر عدد من الضحايا.
أما بالنسبة إلى ظاهرة عمالة الأطفال التي انتشرت بشكل مكثف جداً خلال فترة مابين 2013 و2015 فتقول: إننا ندرس اصدار قانون يجرم كل مصنع أو مؤسسة تجعل من الأطفال عمال ومستخدمين لديها، وسنحاول تأميين رواتب أو حوافز شهرية للأطفال الذين يلتزمون بالدراسة أو تقديم مساعدات إغاثية لأسرهم وهذا هو الحل المنطقي في هذه الظروف.
التعليقات (0)