سورية أرض الهجرات

سورية أرض الهجرات
استطاعت سوريا أن تحظى بمكانة خاصة، من خلال وجودها الجغرافي، في منطقة تعتبر الجسر الرئيسي الواصل بين شمال البحر الأبيض المتوسط، والشواطئ الجنوبية لهذا البحر، بالإضافة إلى ربط أوربا المتدينة آنذاك، ومنطقة جنوب آسيا.

لعل أهمية سوريا تنطلق من كونها منطقة العبور الرئيسية للحروب، والتوسعات، والتجارة بأنواعها، فمن حروب إسكندر الأكبر، إلى الفتوحات الإسلامية، والحملات الصليبية، والحروب المغولية، مروراً بالعثمانيين والأوربيين، بالمقابل كانت طريقاً للتجارة بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب؛ حيث كان طريق الحرير الشهير، الذي يعتبر أهم طرق التجارة، والتجارة البينية بين الشام (سوريا وجوارها) واليمن، والتي ذكرت في القرأن الكريم على أنها من الأحداث الهامة التي ساقت الرسول الكريم محمد (ص) إلى سوريا. بالمقابل، كانت رسالة السيد المسيح، التي نقلها عنه أحد حوارييه بولص، والذي يعرف بطريق بولص الرسول..

اذاً، سوريا لم تكن منطقة معزولة عن محيطها، او بلداً راكداً آسناً، لا تتبدل فيه الحياة، لا بل كانت بحيرة ذات مياه متحركة ومتجددة؛ عبر مئات السنين، كانت هناك شعوب جديدة تأتي إلى سوريا، لتستوطن الأرض الجديدة، وآخرون يرحلون عنها بحثاً عن مكان جديد، لقد جعلت حركة الحلّ والترحال من سوريا بلداً معقداً جداً، من النواحي القومية، والإثنية، والدينية؛ الكل دافع عنها، والكل حارب فيها والكل اقتتل على أراضيها، وكلّ هؤلاء وجدوا فيها أرض الأمان، وأرض الخير والثروة..

سوريا بكل تعقيداتها، هي أرض الهجرات بلا منازع، فقد استقبلت على مدى مئات السنين الوافدين الغرباء، من تجار، مقاتلين، وباحثين عن الرزق والأمان، هؤلاء الغرباء الذين ذابوا في المجتمع السوري، عبر التزاوج، والتجارة، والاستقرار في هذه الأرض. لكنها أيضا بلد تصدير المهاجرين، على مدى مئات السنين، بسبب الحروب، والفقر، والبحث عن حياة جديدة أيضاً. أولئك اوجدوا حياة أخرى، وذابوا في تلك المجتمعات، لينتشر السوري في كل مكان من أنحاء العالم.

المحور الأول: الهجرات إلى سوريا

• الفتح الإسلامي وهجرات النفوذ

استطاعت الدولة الإسلامية، التي تأسست في المدينة المنورة، في الحجاز، بعد هجرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إليها، أن تخوض عدّة فتوحات، بعد أن قويت شوكتها، وفرضت سيطرتها على منطقة الحجاز، حيث تؤكد بعض المصادر أن النبي (ص) هو من بشّر بفتح بلاد الشام، التي تعتبر سوريا الجزء الأهم والأكبر فيها، فقد استطاع الجيش الإسلامي أن يبدأ هذه الفتوحات زمن الخليفة الأول "ابو بكر الصديق"، في عام (633 م) الذي يوافق العام (12 للهجرة)، وتمّت السيطرة على هذه المنطقة، بعد سبع سنوات في العام (640م) أي (19 للهجرة)، واستقرّ معظم من كان في هذا الجيش، من خلال الزواج من فتيات الشام، أو بحكم نشر الإسلام، فكان لابدّ من الدعاة والقضاة، ومن يسيّر شؤون المسلمين، خاصةً وأنه دين جديد على المنطقة، فكانت أكبر الهجرات إلى سوريا، هي تلك التي استقر بها الجيش الإسلامي ،الذي أنشأ حياة اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، ما جعلها منطقة نفوذ كبرى، حيث انتقلت عاصمة دولة المسلمين بعد الفتنة الشهيرة إلى دمشق، على يد الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان عام (662م)، يقابلها (41للهجرة)، حيث اعتبرت من أهم الهجرات إليها، خاصة وأن الخلاف داخل الدولة الجديدة قد تفاقم، وبدأ كل طرف يحشد أنصاره في منطقة نفوذه، حيث كانت دمشق أهم تلك المعاقل، لكن العام (750م) الموافق للعام (132للهجرة) شهد انهيار الدولة الأموية، وبناء الدولة العباسية، التي انتقلت إلى العراق، وانتقمت من أبناء الدولة الأموية، حيث قتلوا عدداً كبيراً منهم، وهرب بعضهم إلى الأندلس الأموية آنذاك، وكان من بينهم "عبد الرحمن الداخل" الذي استقل بالدولة الأموية هناك، أما "ادريس بن عبد الله بن الحسن" الذي هرب من يد الخليفة الهادي، واستطاع أن يؤسس دولة الإدريسية في المغرب العربي عاصمتها فاس، وهي أول هجرة واضحةا، سببتها الحروب في الدولة الإسلامية بين المسلمين أنفسهم، وتذكر مصادر عديدة التدخلات الكبيرة من غير العرب، الذين استوطنوا ممالك الدولة العباسية، وخاصة في سوريا، بعد توضّح معالم ضعف الدولة المركزية في بغداد، وتأسيس الممالك السلجوقية، تركية الأصول، في حلب ودمشق، والتي لم تستمر طويلاً أمام الحملات الصليبية التي دامت قرابة مائتي عام، حيث استقر عدد كبير من القادة الأوربيين في هذه المناطق، وأسسوا إمارات لهم، منها أنطاكيا التي كانت مدينة سورية الى عام ،1939 والرها بالقرب من مدينة الرقة، وطرابلس.

بعد خروج الصليبين من سوريا، غزاها المغول ودخلوا مدنها، ودمّروا القسم الأكبر منها، إلى أن خرجوا، وحكمها المماليك الذين هزموا على يد العثمانيين، وفي كل هذه الحروب والدويلات، وما رافقها من فترات سلم، وهدوء، وانتعاش اقتصادي، وحرية اجتماعية، كانت تتبدل الوجوه في سوريا، نتيجةً لدخول شعوب جديدة، سواء عن طريق السيطرة العسكرية، أو التجارة، اإلا أن الثابت في الموضوع، هو حالة الهجرات إليها، والاستقرار فيها، على مدى مئات من السنين.

الهجرة الشركسية (أديغة) القسرية

يعتبر الشعب الشركسي، الذي بنحدر من مناطق شمال القفقاس، والذي يضمّ عدداً من القبائل القفقاسية، والتي عرفت فيما بعد بالشركسية، إلا أن المؤتمر العلمي الذي عقد عام 1991، اعتمد بشكل نهائي مرادف أديغا للشركسية، على الرغم من أن الأديغا هي قبيلة من عدة قبائل شركسية تمّ تهجيرها بشكل قسري، بعد خسارة الحرب مع روسيا القصيرية، في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، حيث سيطرة القوات الروسية آنذاك على مناطق الأديغا، وتم تهجيرهم بشكل قسري، تحت تهديد الإبادة التامة، فكانت الهجرة على مرحلتين، على الرغم من أن الفارق الزمني ليس كبيراً، فالهجرة الأولى التي استوطن خلالها جزء منهم في منطقة تابعة لولاية حلب حوالي العام 1870، أما التهجير الثاني فكان بنقلهم قسريا إلى مناطق الجنوب في الدولة العثمانية، حيث انتشروا في منطقة واسعة، ومنها سوريا، وقدّرت أعدادهم آنذاك وفق إحصائية غير رسمية، بنحو 70 ألف مهاجر، فيما أصبح عددهم الأن قرابة 250 ألف شركسي، متوزعين في مناطق عدة من سورية، منها الجولان السوري، وحمص، وحماه، وريف حلب، واستطاعوا أن يذوبوا في المجتمع السوري، ومع مرور الزمن أصبحوا جزءاً أساسياً من النسيج السوري، إلا انهم مازالوا محافظين على لغتهم الام (اللغة الأديغية)، وتقدر نسبتهم في بعض الإحصائيات بـ (1.5%).

ويذكر أن من بين الأحياء الدمشقية التي سكنها الشركس، حيان هما ( حي الشراكشة - حي المهاجرين) إلا أن معظم الشراكس هم في مناطق الجولان المحتل الآن، ويقال، وبحسب الموروث الشركسي أن معظم الشراكس لا يأكلون السمك الذي مصدره البحر الأسو،د بسبب غرق آلاف الشراكس في البحر أثناء نقلهم في السفن من شمال البحر الأسود إلى جنوبه، في أراضي السلطنة العثمانية.

• الهجرة الأرمنية

صدر في 27 آيار 1915 قانون التهجير وإعادة التوطين، الخاص بالأرمن أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث طال هذا القانون مئات الآف من الأرمن، الذين تم تهجيرهم من أرمينيا، على يد الدولة العثمانية، في آخر أيامها، إذ تمّ نقل الأرمن بطريقة قسرية، حيث استقر معظمهم في ولاية حلب، والبعض الآخر انتشر في عدة مدن سورية، فيما توجّه البعض الآخر إلى مناطق جبل لبنان، وانتهى قانون التهجير بشكل فعلي في 16 شباط عام 1916، أي مع بداية الحرب العربية ضد الدولة العثمانية، حيث احتضن السوريون المهاجرين الأرمن، وعملوا على التزاوج معهم، من أجل حمايتهم من العثمانيين، وبذلك تمت إذابة معظم الارمن في المجتمع السوري، إلا أن الاختلاف في الدين – ذلك أن معظم الأرمن يتبعون الكنسية الارمنية الارذوكسية وهناك عدد قليل من الكاثوليك والبروتستانت - هو ما جعل كتلتهم السكانية واضحة أكثر من الشراكس، إلا أنهم ذابوا في المجتمع السوري، وأكبرشاهد على ذلك هو الفعاليات الاقتصادية في حلب بشكل خاص، وأصبحوا جزءاً من المجتمع السوري، إلا أن وخلال خروج العديد من مسيحيي سوريا، عاد عدد محدود من أرمن سوريا إلى موطنه الأصلي في أرمينيا.

الخلاف التركي - الكردي وهروبهم إلى سوريا

هرب إلى سوريا مئات الآلاف من الأكراد، بالاضافة إلى بعض الآشوريين، والعرب، والشركس، الذي ساندوا انتفاضة الأكراد في عام 8 آذار 1925، بقيادة الشيخ "سعيد بيران"، والتي قيل عنها في عدة مصادر انها ثورة إسلامية ضد سياسة العلمنة والتتريك التي انتهجتها الدولة التركية الحديثة بقيادة "مصطفى كمال"، الذي حمل لقب "أتاتورك"، حيث استطاع الأكراد آنذاك السيطرة على مدينة ديار بكر، ثم الانسحاب منها، بسبب القوة العسكرية للجيش التركي، وألقي القبض على قادة الثورة، وأعدم الشيخ سعيد مع 47 من قادة الكرد، بحسب المصادر التاريخية، في نهاية آيار عام 1925، ما تسبب بالهجرة الجماعية غلى مناطق الشريط الحدودي السوري - التركي الجديد، الذي تم رسمه بعد اتفاق 1921، والذي تم الاستيلاء من قبل الأتراك بموجبه على مناطق واسعة من شمال سورية، مع بداية الانتداب الفرنسي، إلا أن المشكلة الكردية ظلت بارزة في سورية لسنوات طويلة وإلى الآن، فهناك عدد من الأكراد حصل على الجنسية السورية؛ وعدد كبير تم تجريدهم من الجنسية، والآخرون منعوا من الحصول عليها، وبقية القضية الكردية فيها الكثير من الإشكاليات، منها مشكلة الحزام العربي، وتوطين مناطق الغمر، ورغم كل هذه الإشكاليات بقي الأكراد يدافعون عن حالتهم السورية.

• حروب المنطقة والهجرات منذ عام 1948

في الحقيقة أن التهجير الذي بدأ في فلسطين، كان مع انتهاء ثورة 1936، التي جعلت اليهود الذين بدأوا هجراتهم نحو فلسطين، منذ نهاية العشرينيات يشكّلون عصابات مسلحة من أجل الترويع، والقتل، والتهجير، وكانت ذروتها عندما تم إعلان حرب التحرير، كما تسميها إسرائيل، وأعلنت قيام دولة اسرائيل عام ،1948 حيث شهدت المنطقىة حالة من التهجير القسري، قامت بها العصابات الإسرائيلية، مع ما يسمى جيش الدفاع الإسرائيلي حيث تسجل الإحصائيات تهجير قرابة 750 ألف فلسطيني، وهدم مئات القرى الفلسطينية، حيث تم اعتماد "خطة ترانسفير"، التي تعمل على طرد الفلسطينيين من أرضهم عبر المجازر وشراء الأراضي زمن الانتداب البريطاني؛ ووصل إلى سوريا قرابة 90 ألف لاجئ فلسطيني، سكنوا في مخيم قرب دمشق، يسمى اليرموك، أما في عام 1967، بعد الحرب التي ضمّت الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يقدر عددهم حتى عام 2011 بنحو ستمائة ألف فلسطيني، وقد استطاعوا الاندماج بالمجتمع السوري، من خلال قرارات حكومية تتيح لفسطينيي 48 الدخول إلى الوظائف الحكومية والتدرج فيها، أما فلسطينيو الـ 67 فيحصلون على وثائق سفر كما فلسطينيي 48، الا أنه لا يحق لهم الدخول في الوظائف الحكومية، وإنما سوق عملهم محصور في القطاع الخاص، أو بعقود مؤقتة مع المؤسسات الحكومية، وقد أصبحوا بشكل أو آخر، مكوّناً أساسياً من مكونات المجتمع السوري.

• هجرات مؤقتة من دول الجوار

عملت الحروب في المنطقة على تهجير مؤقت للسكان المحليين، دامت عدداً من السنين، إلى انتهاء الحرب، أو أنها استمرت بشكل دائم، بسبب الاستقرار، والعامل الاقتصادي، ولعل أشهر هذه الحروب، هي الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت في 13 نيسان 1975 ،وانتهت بشكل فعلي في 13 تشرين الثاني 1990؛ً خلال الخمسة عشر عاماً من الحرب هرب كثير من اللبنانين إلى دول الجوار، أو اإلى أوربا وأمريكا، وكانت سوريا هي النقطة الأولى التي يمكن ان يهربوا إليها من أتون الحرب، التي كانت ذروتها خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام ،1982 أما في عام 2006 ، أثناء الحرب التي دارت بين إسرائيل ومليشيات حزب الله اللبناني، والتي دامت نحو 36 يوماً، فقد هرب آلاف اللبنانين من الجنوب اللبناني إلى مناطق الحدود السورية – اللبنانية، أو ربما إلى المدن الداخلية، هرباً من القصف الاسرائيلي لمناطقهم...

من جهة أخرى، في عام 1990 ،عندما دخل الجيش العراقي إلى الكويت في 2 آب، هرب عدد كبير من أبناء الشعب الكويتي ليستقروا في دول الجوار، ومنها سوريا، حيث مكثوا حتى انتهاء عاصفة الصحراء عام 1991، التي أنهت احتلال الكويت، وبدأت هجرة أخرى من العراق إلى سوريا، كان جلّها للتجارة بالمنتجات المحلية الزراعية ،إلا أن احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية - البريطانية المتحالفة عام ،2003 دفع قرابة مليون عراقي إلى دخول سوريا، والالتجاء إليها، ثم عادوا مرغمين إلى العراق بعد قيام الثورة في سوريا والقصف الهمجي للمناطق السورية من قبل النظام.

هذه الهجرات المؤقتة لم تكن للاندماج بالمجتمع السوري، بأي حال من الأحوال، وإنما كان هدفها البحث عن مكان آمن يحميهم من سعير الحرب..

المحور الثاني: الهجرات التي خرجت من سوريا

• هجرات بداية القرن التاسع عشر

بدأت الهجرة إلى خارج سوريا، بشكل فعلي، وبأعداد كبيرة منذ بداية العام 1820، حيث بدأت السلطنة العثمانية تشهد تدهوراً اقتصادياً كبيراً، ومنها الولايات العثمانية ،التي تتشكل منها سوريا الحالية ،حيث بدأ الفقر ينتشر بشكل واسع، خاصة وأن المنطقة كانت تعيش حالة اللااستقرار، نتيجة الحرب بين الدولة العثمانية، واليونان، التي كانت تطالب بالاستقلال، والهزيمة العثمانية بتدمير الأسطول البحري العثماني في معركة النقارين عام 1827؛ كلّ هذه الأسباب شكّلت حافزاً كبيراً للسوريين، من أجل لهجرة باتجاه الأرض الجديدة؛ الولايات المتحدة الامريكية، وأمريكا الجنوبية.

عامل الحرب زاد في الرغبة بالهجرة، والتي دامت عشر سنوات بين العثمانيين ووالي مصر "محمد علي"، الذي تمرّد على السلطنة وأرسل ابنه "ابراهيم باشا"لقيادة الحرب، فأحرقت البشر والحجر، وخرج السوريين هاربين في أصقاع الارض.

وتقدّر بعض الإحصائيات عدد السوريين (ومن له أصول سورية) المقيمين في الدول العربية، بما يقارب 2مليون و 750 ألف سوري، كما يقدّر عدد السوريين (ومن له أصول سورية)، المقيمين في الدول الأوروبية، بما يقارب 5 مليون سوري. أما في أمريكا الشمالية فينقسم السوريون لقسمين : الأول، ممن تجنسوا بالجنسيات الأمريكية وانصهروا في المجتمع الأمريكي، وفقدوا الهوية السورية، وهؤلاء يقدر عددهم بـ 8 مليون شخص، كما يقدّر عدد السوريين الذيم ما زالوا متمسكين بجنسيتهم ومحافظين على أصولهم 4 مليون سوري.

في أمريكا الجنوبية يقدّر عدد السوريين الفاقدين لهويتهم وجنسيتهم، والذين ذابوا في المجتمع الأمريكي وتجنسوا بجنسيته بنحو 12 مليون سوري، بينما يبلغ عدد الذين ما زالوا محتفظين بأصولهم السورية وجنسيتهم 11 مليون سوري، تقريباً، وقد تمكن المنصهرون من الوصول إلى أرفع المناصب وأعلاها كالرئيس الأرجنتيني الأسبق "كارلوس منعم" الذي تعود أصوله لسوريا، ومنطقة يبرود في ريف دمشق، تحديداً، وبحسب الإحصائيات شبه الرسمية تعد أن أكبر جالية سورية في العالم، هي تلك التي تقيم في البرازيل، وعددها سبعة ملايين سوري (من غير المنصهرين)، وتعود أصول غالبيتهم لمدينتي حمص واللاذقية، تليها الجالية المتواجدة في الأرجنتين والولايات المتحدة.

الهجرة المسيحية في أعقاب الحرب الأهلية اللبنانية الأولى

امتدت ذيول الحرب الأهلية بين الموارنة والدروز في عام 1860، اإلى دمشق، حيث بدأت بعض الأيادي الخفية بإشعال فتنة، عن طريق بعض الفتية الذين تمّت معاقبتهم على رسم الصلبان على الأراضي والابواب في الحي المسيحي كي يدوسوا على الرسوم، هذه العقوبة أثارت المسلمين، فبدأ الهجوم على الحي المسيحي ظهر 9 تموز عام 1860 وشارك في هذا الهجوم الدروز في جرمانا، والأكراد، وقدّر عدد المهاجمين بحسب عدة مصادر بين 20 ألف إلى 50 ألف، حيث احرقت ودمّرت أعداد كبيرة من البيوت، وسرقت المحلات، وقتل عدد كبير من سكان الحي المسيحي. وتقول ذات المصادر أن عدد القتلى قدّر آنذاك بين 5 إلى 11 ألف مسيحي، خلال ثلاثة أيام للفتنة، حيث تدخل الأمير عبد القادر الجزائري، وبعض وجهاء المدينة لإنهاء الفتنة، وتمّ نقل عدد كبير من المسيحيين اإلى بيروت، ليهاجروا إلى أوروبا حيث بقي بضعة مئات من المسيحيين، بعد أن كانوا قرابة 30 ألف في دمشق؛ هذه الهجرة تعتبر الأولى التي تحدث بسبب اقتتال طائفي في سوريا، إلا أنها لم تستمر إلا عدة أيام ولكنها أدّت إلى تدمير عدد من الأديرة والكنائس، ونهب محتوياتها.

الهجرة العلمية

هذا النوع من الهجرة، في الحقيقة يعتبر مؤقتاً في بعض الأحيان، ولكنه على الأغلب يكون بمثابة الهجرة الدائمة، خاصة إذا أخذنا بالاعتبارالفرق بين المجتمعات، حيث حاولت فرنسا منذ بداية الانتداب التشجيع على الدراسة في جامعاتها في باريس، وليون، وتولوز. كان الهدف آنذاك تفريغ سوريا من المثقفين والمتعلمين، خوفاً من تفعيل حركات التحرر، حيث نجحت في كثير من الأحيان بذلك، وعاد إلى سوريا عدد قليل ممن ذهبوا لإكمال دراستهم فيها.

الهجرة العكسية لما بعد نكبة 48

شكّلت نكبة فلسطين عام 1948 مفصلاً محورياً في الهجرة ذات الاتجاهين، فكما هاجر الفلسطينيون قسراً إلى سوريا ودول الجوار، بسبب أعمال الانتقام والإجرام الذي مورس عليهم من قبل العصابات الصهيونية، أيضا شكّلت هذه النكبة، وما قبلها، أثراً كبيراً على هجرة وهروب اليهود السوريين إلى فلسطين أو "أرض الميعاد"، بحسب المعتقدات الصهيونية، حيث قدّر عددهم بحوالي 4500 يهودي سوري، ممن دخلوا فلسطين، وتذكر بعض المصادر تعرّض اليهود في دمشق وحلب إلى اعتداءات عديدة بعد النكبة، ما دفعهم للهروب بشكل جدي إلى عدد من الدول، ويقدّر عددهم في سورية بحسب وزارة الخارجية الأمريكية عام 2012 بـ 22 يهودي سوري يسكنون في دمشق، وهم من كبار السن، وهناك قانون سوري كان يحظر على اليهود السفر خارج سوريا كي لا يذهبوا إلى "إسرائيل" إلا أن 41 يهودي سوري خرجوا من سوريا باتجاه اسرائيل عام 2001، بحسب وزارة الحارجية الأمريكية.

• الهروب من القانون 49

شكّل قانون 49 لعام 1980، القاضي بالحكم بالإعدام على كل من ينتسب إلى جماعة الأخوان المسلمين في سوريا فزاعة للسوريين، حيث كانت التهم التي توجّه للسوريين بانتمائهم أو التعاطف مع جماعة الأخوان المسلمين، أكبر خطر آنذاك، فقد أعدم آلاف السوريين بموجب هذا القانون، في سجن تدمر سيئ الصيت، حيث تعتبر الفترة الممتدة من العام 1979 إلى نهاية العام 1982 أخطر فترة واجهت السوريين بعد استلام حزب البعث لمقاليد السلطة، وإقرار حالة الطوارئ، حيث بدأت أكبر هجرة للعائلات السورية، خاصة بعد مجازر مدينة حماه (2 - 27 شباط 1982 )، التي قتل فيها قرابة ( 40 - 60) ألف سوري، خلال أيام، وتدمير ثلاثة أحياء كبرى في مدينة حماه، حيث هاجر عشرات الآلاف بشكل جماعي، هرباً من بطش النظام السوري، الذي استطاع أن يسيطر على الانتفاضة الأخوانية آنذاك.

عاد عدد من الذين هاجروا، من غير المنتسبين إلى جماعة الأخوان تباعاً، ولكن بأعداد تكاد تكون قليلة جداً، بالمقارنة للهجرة الجماعية التي شكلت تغييراً ديموغرافياً في مدينة حماه، بعد بناء الأحياء المدمّرة وتحويلها إلى أحياء موالية.

• هجرة الشباب والبحث عن عمل

مع بداة الانفتاح الاقتصادي، وانتهاء الحظر الاقتصادي، الذي كان مفروضاً على سوريا، وصدور العديد من القوانين والمراسيم في بداية التسعينيات، وأهمها القانون رقم 10 للاستثمار، بدأ الشرخ الاجتماعي بالظهور بشكل جلي بين أبناء سوريا، حيث زاد الفقر، خاصة بعد انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية، بسبب انتكاسة خزينة الدولة، بعد نهب رفعت الأسد للقطع الأجنبي قبل طرده من سوريا، بسبب الانقلاب الذي حاول تنفيذه ضد أخيه حافظ الأسد؛ هذا الانهيار سبّب هجرة كبيرة جداً للشباب السوري باتجاهين متوازيين: أولهما إلى الولايات المتحدة ودول الخليج، وهما اتجاهان لأصحاب الشهادات العلمية، أملاً في تحقيق رأسمال لمشروع، أو ربما بسبب شراء البيت، والزواج، أما الاتجاه الثاني، فكان إلى اليونان وقبرص (الجزء اليوناني) لأصحاب المهن، من غير الحاصلين على شهادات علمية ،حيث كان يعمل عدّة سنوات، لينال حلم الزواج وشراء البيت، إلا أن من هاجروا في الاتجاه الأول، عملوا على الاندماج والذوبان في المجتمعات التي يعيشون فيها، وخاصة الولايات المتحدة، أما الاتجاه الثاني، فمعظمهم عاد إلى سوريا/ وبقي عدد قليل في اليونان وقبرص، بعد أن تزوج واستقرّ هناك.

في تلك الفترة وجدت ظاهرة بيع عقود العمل في الخليج، والتي كانت تباع في مكاتب السياحة بشكل علني، ففي بداية التسعينيات كانت تقدر بمبلغ 30 ألف ليرة سورية، ثم ارتفعت إلى نحو 70 إلى 80 ألف ليرة في عامي 97 - ،98 ثم ارتفعت مع بداية عام 2000 إلى ما يقارب الـ 200 ألف ليرة، خاصة بعد التضخم الاقتصادي في سوريا، وازدياد الطلب على العقود، وقلة عددها في السوق السوداء، بعد قرار الحكومة السعودية التي كانت تستوعب العدد الأكبر بـ "سعودة" الوظائف في القطاع العام والخاص، واستمّرت على هذا النحو من ارتفاع أسعار العقود حتى عام 2010 حيث وصل سعر العقد إلى 250 ألف ليرة، أي ما يعادل 15 ألف ريال سعودي وهو راتب خمسة أشهر على الأقل، ولكن السوريين كانوا يغامرون بالرواتب الخمسة الأولى، على أمل تحسين الوضع فيما بعد!

• التغريبة السورية الكبرى نحو أوربا

اعتبرت الأمم المتحدة المأساة السورية أكبر مأساة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث قدّرت المفوضية العليا للاجئين، عدد السوريين الذين لجأوا إلى دول الجوار، بنحو أربعة ملايين سوري، بالإضافة إلى 7.5 مليون نازح داخل الأراضي السورية، وهناك ما يقارب من 38 % من السوريين، يعيشون ظروفاً صعبة جداً، حيث قتل في سوريا ما يقارب من 300 ألف سوريا، بسبب همجية النظام الذي استخدم كافة انواع الأسلحة.

بعد أربع سنوات ونصف السنة على بداية الثورة السورية، بدأت الهجرة الأكبر للسوريين في تاريخهم الحاضر، أي ما بعد هجرات 1820 التي كانت الأشد وطأة على السوريين؛ مع بداية عام 2012 بدأ السوريون باللجوء إلى أوربا بشكل فردي، حيث كانت تصل الأعداد بشكل ضئيل جداً إلى الدول الأوربية.

عملت عدة عوامل على هذا التدفق الهائل لللاجئين السوريين، منها الضغوط التي تعمل عليها دول الجوار، وإغلاق الحدود من قبل السلطات التركية بشكل مستمر لمدة ستة أشهر متواصلة، ويأس السوريين من حالة القتل اليومي بالبراميل المتفجرة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن ضحايا البراميل المتفجرة 97 % منهم مدنيون، إذ بدأ النظام باستخدام هذا السلاح الأعمى منذ آب 2012، ولم يكن معروفاً من قبل، فقتل عشرات الآلاف من المدنيين، تحت تأثير هذا النوع من الأسلحة، التي تمّ تحريمها دولياً، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الأسلحة ليس آخرها صواريخ سكود، متوسطة المدى.

خرج السوريون منذ منتصف عام 2015 بسيل جارف، متجهين نحو أوربا، بعد الشعور باليأس من اتخاذ إجراءات ضد نظام الأسد، أو فرض منطقة آمنة، حيث تقدر أعداد اللاجئين الذين وصلوا الى أوربا بنحو 400 ألف سوري، وربما يصل إلى 800 ألف في ألمانيا وحدها، ومليون لاجئ سوري في عموم أوربا، بعد رحلات بحرية، قتل فيها أكثر من 6 آلاف سوري في مياه المتوسط، أثناء رحلاتهم المتعددة، انطلاقاً من ليبيا وتركيا، وتؤكد الأمم المتحدة على مقتل أكثر من ألفي سوري، غرقاً في البحر، منذ بداية عام 2015 فقط .

التعليقات (1)

    12352

    ·منذ 8 سنوات 7 أشهر
    سورية اصبحت ارض الانهزاميين والانهزاميات ارض البانكيين والبانكيات ارض من يفضلون ان يكونوا عبيد واماء ..ضربت عليهم الذلة فاثروها على ان يموتوا احرارا او يعيشوا بالكرامات شعب الدناءات واليوروهات وهات وكل من قال انهم يفرون من الموت اقول كفاكم كذبا يا امعات الفرار من الموت الى الموت ترهات......
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات