بوتين في سوريا بالسلاح الكامل .. خلفيات وخفايا!

بوتين في سوريا بالسلاح الكامل .. خلفيات وخفايا!
بالأمس، نقلت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية، عن مسؤول "إسرائيلي" تأكيده، بأن الجنرال قاسم سليماني، أرسل مئات الجنود الإيرانيين، إلى سوريا بالتنسيق مع الروس، في خطوة غير مسبوقة لحماية بشار الأسد من السقوط.

بالأمس أيضاً، انضمت باريس على لسان وزير خارجيتها لوران فابيوس، إلى نادي القلق الأمريكي، من تعزيز روسيا لوجود ها العسكري في سوريا.

لعل الرئيس فلاديمير بوتين، لا يساوره أدنى قلق. ليس لأنه يُدرك بالتجربة، أن ردود الأفعال "الرسمية"، على تدخله السافر في سوريا، لن تتعدى نصائح أوباما بالأمس، عن حتمية فشل الدعم الروسي للأسد. بل لأن الضجيج المُثار حول غموض النقلة الروسية بحد ذاته، يُطرب بوتين، ويُعزز العظمة الشخصية المُتفاقمة لدى الرجل، والتي تتماهى وفق ماكينته الدعائية المُعتمدة داخلياً، مع العظمة الوطنية الروسية. وتتماشى مع ادعاءات نجاحات موسكو، باستعادة أمجادها القيصرية، ومكانتها السوفيتية الغابرة، على يدي قائد "استثنائي" مُعجزة.

تلك "الآنا" المُتورمة، يمكن ملاحظتها في مجمل المواقف الروسية، إزاء القضايا الدولية المطروحة، التي تفترض مواجهة "إعلامية" حامية مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، مثل ملفات أوكرانيا، سوريا، دعم وتوريد الأسلحة إلى دول "مارقة"، أو مثيرة للجدل و"القلق"، وغيرها .

في سوريا، ليس مُستبعداً، أن تقود "الآنا" صاحبها بوتين، للذهاب بعيداً في التورط بدخول محرقة تُدميه، وتشوي طموحاته. تماماً مثلما فعلت محرقة أفغانستان بعظمة "السوفييت"وأكثر. لاسيما، أن واشنطن لن تُمارس ما يكفي من الضغط، لثني بوتين المُنتشي "بآناه"، عن خيار قاتل كهذا.

لا جدال، بأن الرجل، على دراية تامة، بعواقب الانغماس كلياً "بالمحرقة" السورية، وما يُمكن أن تلتهمه من رجال، مال، عتاد، هيبة. على وقع اقتصاد يتهاوى تحت ضربات تدهور أسعار النفط عالمياً، وبفعل العقوبات الاقتصادية الأوربية، على هامش أزمة أوكرانيا. لكن في دولة "عظمى" تحكمها وتتحكم بها "آنا" القيصر الجديد، يبدو كل شيء وارداً. باستثناء الخيارات الأخلاقية الكافية، لوقف "الهلوكوست" السوري.

لا شك، بأن "بروباغندا" العظمة المُختلطة "شخصية على وطنية"، تستلزم تهويلاً بشراسة المواجهة مع الغرب في سوريا، كما تتطلب تضخيماً بحجم المصالح الروسية فيها. لذا جاء رد موسكو على القلق الأمريكي مُبهماً، لا يؤكد، ولا ينفي زيادة تواجدها العسكري، داخل الأراضي السورية. لكنه لا يستبعد اتخاذ اجراءات عسكرية، إذا لزمت "الضرورة".

هذا التهويل والتضخيم، يبدو مفهوماً، في سياق اللعبة السياسية، ومساوماتها. كما انه لا يُقلل من المصالح الاستراتيجية لروسيا في المنطقة، والتي تفوق بأهميتها مجمل ما يُمكن لموسكو أن تحصده، من شراكات اقتصادية، واستثمارات، وصفقات سلاح مع دول في المنطقة، لقاء تعديل موقفها من بشار الأسد "أقله حالياً".

عموماً، ما قيل بشأن خلفيات موقف روسيا صحيح. بدءاً من استغلالها فرصة الانكفاء الأمريكي عن المنطقة، لملء الفراغ بالنفوذ. مروراً بالتمسك بقاعدة طرطوس البحرية في المياه "الدافئة"، أخر رموز عظمتها العالمية. عدا السعي إلى محاصرة "التطرف" الإسلامي، والحد من إمكانية انتقاله للعبث بحدائق الكرملين الخلفية، في الجمهوريات الإسلامية الخاضعة له. وانتهاءً بمنع مد أنابيب غاز "قطرية"، إلى أوروبا عبر البحر، تكسر الاحتكار الروسي، وتوجه ضربة اقتصادية وسياسية شبه قاصمة لموسكو.

كل ذلك، كان موجوداً على مدار خمس سنوات من الأزمة. بيد أنه لم يدفع موسكو إلى الانخراط المُباشر في الحرب، إلى جانب الأسد. ما يثير التساؤلات عن توقيت وأهداف التحركات الروسية المُفاجئة.

لم تكن موسكو خارج الاصطفاف العسكري ميدانياً. لكن تواجدها انحصر ضمن تشكيلات "الجيش"، على مستوى الخبراء، وضباط ارتباط واستخبارات. خصوصاً في في ألوية الدفاع الجوي، وشبكات الردادر. إضافة إلى التشكيلات الميكانيكية "دبابات ومدرعات". فيما المُستجد، هو استحداث قواعد روسية عسكرية خالصة. تعمل باستقلالية تامة عن قيادة جيش الأسد، وترتبط مباشرة بالقيادة العسكرية في موسكو.

اللافت، أن الانقلاب الدراماتيكي، بالتعاطي الروسي مع الأزمة السورية. إنما جاء إثر خطاب الأسد الأخير، وإعلانه الانتقال إلى الخطة "ب"، وهي خطة إيرانية، تهدف إلى تقسيم سوريا، والاحتفاظ "بالمفيد منها" المتمثل بشريط (دمشق - القلمون - حمص - أجزاء من حماة - الساحل)، وتتناقض مع مواقف روسيا المُعلنة، والمُتمسكة بوحدة الأراضي السورية.

ظاهرياً، يُمكن تفسير الانتشار الأولي للعسكر الروسي، في مناطق الساحل "اللاذقية، مطار جبلة، قاعدة طرطوس"، على أنه توطئة لإعلان "دويلة " الأسد الطائفية، بالتناغم مع إيران، وهو احتمال وارد مع تكثيف تواجدهما العسكري، في الجيب الساحلي. كما يجوز تفسيره في المقلب المُعاكس، أي منع إقامة "كانتون" يخضع لهيمنة طهران المُطلقة، ويؤمن لها التحكم بمستقبل الوجود الروسي ذاته، وتقرير مد خطوط غاز خليجية، أو حتى إيرانية إلى أوروبا، من عدمه.

هذا التناقض مع طهران، عكسه تمرير موسكو لقرار مجلس الأمن، حول تحديد المسؤولين عن هجمات الغاز في سوريا. بالتزامن مع طرح وزير الخارجية محمد جواد ظريف للمبادرة الإيرانية، ذات النقاط الأربع في دمشق. ثم اصرار موسكو على تنحية الإيرانيين عن صدارة المشهد السياسي، على لسان بوتين شخصياً، حين أعلن مؤخراً، عن استعداد بشار الأسد، لإجراء انتخابات نيابية مُبكرة، وتشكيل حكومة "وحدة وطنية".

الواضح، أن ثمة صراع بين الحليفين، بخصوص صاحب الكلمة العليا في سوريا. لكن ما يمنع انفجاره، هو اتفاقهما على بقاء بشار الأسد بواجهة السلطة، ولحسابات مُتضاربة بينهما.

تستميت طهران في تمسكها ببشار الأسد، بصفته استثمارها الوحيد، الذي لا غنى عنه لتنفيذ مشروع "امبرطوريتها" بالمنطقة العربية. بينما تتخبط موسكو في مستنقع عدم وجود بديل يُناسيها. إذ حرص حافظ الأسد قبل وفاته، على عدم وجوده أصلاً. قبل أن تتولى إيران مهمة القضاء، على مشروع ظاهرة شخصية، مؤهلة روسياً وعربياً ودولياً للعب الدور. لذا تحوم حولها الشبهات، بتدبير ما يُعرف بتفجير خلية الأزمة، بهدف إزاحة اللواء آصف شوكت عن المسرح، كبديل مُحتمل.

لإيجاد "بديلها" المُناسب، "الأدق" تصنيعه. تحتاج موسكو لشخص بشار. لذلك تحاول إعادة تسويقه مرة، تحت يافطة "تحالف اقليمي" لمواجهة "الإرهاب"، وتارة بمحاولة فرض "حل سياسي"، يستند إلى مرحلة انتقالية مطاطة زمنياً، وهيئة حكم انتقالية مُلتبسة الصلاحيات والمهام، تُعيد بنهايتها، انتاج الحالة "المافياوية" نفسها، بوجود بشار أو بدونه.

لا تقتصر حسابات موسكو، على وقف ابتلاع طهران مُنفردة لأجزاء "سوريا المُفيدة". إنما تتعداها إلى "التحوط" من انهيار مُفاجئ للأسد، أو

إسقاطه في دمشق، بفعل عمليات عسكرية، توعدت بها السعودية مراراً، على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير، آخرها من قلب موسكو، وبحضور الوزير لافروف.

من شأن حشود عسكرية روسية - إيرانية نظامية، أن تُعرقل تفعيل قرار عربي - اقليمي، بإسقاط الأسد عسكرياً. وأن تشوش على مناقشات مُرتقبة، في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، تبحث إمكانية دخول قوات عربية، إلى سوريا لمواجهة "داعش"، وإزاحة "بشار" في طريقها. بذريعة أن تحالفاً روسياً مع قوات الأسد، مُدعماً بغارات جوية تُنفذ فعلاً. هو الوحيد القادر على انجاز المهمة.

يبقى الأهم، أن وجود قواعد عسكرية مُتعددة، لها وضعية "قانونية"، بموجب اتفاقيات مُبرمة مع "سوريا الأسد"، يؤمن لموسكو أوراقاً مهمة، على طاولة التفاوض، بغض النظر عن أوضاع الأسد الميدانية الميؤوس منها، واستحالة إعادة تأهيله ودمجه، عربياً ودولياً.

كل الاحتمالات قائمة، بما فيها "التقسيم المؤقت". لكن الوحيد المؤكد، أن الحل السياسي طبخة بحص، لن تنضج أبداً. وأن السوريين على موعد مع شتاء، هو الأكثر سخونة في تاريخهم، رغم الحديث عن موجة برد، هي الأقصى منذ ثلاثين عاماً.

التعليقات (1)

    الحقيقة

    ·منذ 8 سنوات 7 أشهر
    لا توجد مصالح روسية حقيقية ومباشرة لروسيا في سوريا تستحق هذا لدعم الذي قدمته روسيا للنظام النصيري ولا للتدخل عسكري روسي مباشر نما تقوم بذالك خدمة لاطراف اخرى
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات