في سجن تدمر عاهات مستديمة على أثر التعذيب

في سجن تدمر عاهات مستديمة على أثر التعذيب
لا يُخفى سجن تدمر العسكري على أي مواطن سوري, الذي طالما تباهى نظام الأسد بجبروته وثقل اسمه الإجرامي, حيث كان حاضراً في أذهان السوريين, لشدة ما كان يحدث فيه من جرائم على يد نظام الأسد الأب وصولاً الى موروثه بشار الأسد, ومرّ على تاريخ هذا السجن عدة شخصيات إجرامية تميز بها النظام السوري, ولا سيما بعد زج المعتقلين السياسيين من "الإخوان المسلمين" لسنين مضت.

عاهات مستديمة على أثر التعذيب

اختلفت أساليب التعذيب التي تفنن بها ضباط النظام في السجن, ناهيك عن حالات الإعدام التي نفذها بالمحاكم الصورية التي تساوي بين المذنب والبريء, فقد خلقت هذه الأعمال عاهات مستديمة لكثير من المعتقلين, لتبقَ حاضرة على أذهانهم حتى بعد الخروج من السجن والمكث فيه لأكثر من عشر سنوات.

يروي المعتقل السياسي السابق مدرس اللغة العربية الأستاذ "أحمد البيوش" (65 عاماً) لأورينت نت: "لا يغيب الطبيب أسامة أورفلي من مدينة دمشق, عن ذاكرتي في تاريخ التعذيب الذي تعرض له بتهمة انتمائه للإخوان المسلمين, وأذكر في الساعة الثانية عشر ضهراً بتاريخ 4/7/1989, حيث قام أحد الجلّادين بضربه على رأسه بـ"الكرباج" ليلتف على عينه اليمنى, وكانت هذه الضربة كفيلة أن تسقط عينه فوق وعاء الشوربة الذي كان يحمله بعد توزيع وجبة الغداء على المساجين".

واحدة من إحدى العاهات المستديمة التي أبقت الطبيب أسامة بعين واحدة, لتكون شاهدة على جرائم النظام المختبئة وراء قضبان سجن تدمر, ولم تقف المسألة هنا ولكن حرمت أساليب التعذيب الكثير من المعتقلين, البصر والسمع وترك بصمات التعذيب في تكسير العظام وغيرها من العاهات المستديمة.

الأستاذ "أحمد البيوش" كان له نصيب من التعذيب ليبقَ صماً طوال حياته بعد خروجه من السجن الذي مكث فيه 12 عاماً حاضراً على سجن تدمر يقول لأورينت نت: "في أحد الأيام من الساعة الواحدة ظهراً بتاريخ 1989 من شهر آب, أخرجونا من المهجع لممارسة اليوم الروتيني في أخذ التفقد, بالرغم من تحصينات السجن الكبيرة, إلا أن التفقد ما هو إلا لإشهار آلية التعذيب, وبعد انتهاء النقيب من تفقد المعتقلين, طٌلب منّا الدخول للمهجع, وفي الأثناء بدأت رحلة الضرب بمختلف الآليات التي يحملها الجلادون, وأشهرها "العصاة الغليظة جداً" وكما تعرف باسم "مورين", ويبلغ طولها ما يقارب متر ونصف, ليقوم أحد السجانين بفض جام غضبه بضربات متركزة على الظهر, وأثناء عبوري بوابة المهجع, ضربني السجان على رأسي بكل ما أوتي به من عزم, ووقعت عند مدخل المهجع, وفقدت الوعي كما روى لي أحد الأطباء في السجن, وقال الطبيب المعتقل أنني سأموت بعد أقل من ساعة لما آلت اليه حالتي الصحية, وظناً منه أن الجمجمة قد انكسرت وحصل نزيف داخلي, وأبلغوا حرس السجن أن يهيئوا أنفسهم لاستلام الجثة, فيأتي نقيب في الأمن يقول لرئيس المهجع: "شو في ولا ؟

رئيس المهجع: "يا سيدي وقع عند دورة المياه ويمكن يموت"!.

النقيب: "إي بس يموت خبرونا مشان ناخدو, وما تزعجونا على شي فاضي".

كان من الصعب جداً مجابهة ضابط الأمن بالقول أنه سقط من الضربة التي كادت أن تودي بحياته, لأن النتائج لن تحمد عقباها, من شدة التعذيب, وإزعاج ضابط الأمن كفيل أن يرتكب مجزرة بحق السجناء المكبلين.

ويتابع البيوش: "برحمة الله ثم جهود الأطباء المتواجدين في المهجع استطاعوا تقطيب الجرح عبر إبرة خياطة, وأكياس النايلون هي الخيوط, واستيقظت من الغيبوبة التي لم أذكر منها إلا ما روى لي المساجين, ولا يدور في تفكيري إلا كلمة "التفقد", ومن ذلك الوقت فقدت من سمعي أكثر من 70%, ولازمتني هذه المعاناة حتى يومنا هذا".

"عاهة مستديمة" أبقت أحمد البيوش صماً طوال حياته, ليجد صعوبة في الحديث مع زوجته وأقربائه, غير التكاليف الباهظة التي أنفقها ليمحي هذه العاهة.

ثقب الدبوس:

كثير من الجرائم حاول النظام إخفائها عن أعين المعتقلين, وأشهرها الإعدام العشوائي بلا محاكم, لأن من يساق الى ساحة الإعدام يهنئه أصدقائه في المهجع, فهي رصاصة الرحمة التي تخلصه من شبح التعذيب, غير الإرهاق النفسي الذي يتعرضون له.

كان ثقب الدبوس منظار لتوثيق جرائم الأسد, والعدسة التي ترسخ الحقيقة في العقول المثقفة والأدمغة التي قبعت في زنازين النظام, فمن بقي حياً لا تخونه الذاكرة بنسيان أكثر من عشر سنوات, ليروي لنا ما حدث في ذلك الوقت, ذاكراً على لسانه كلمة "ثقب الدبوس", وما هو ثقب الدبوس؟

قام السجناء بحفر ثقب في الباب عن طريق الدبوس, بمساعدة, المهندسين المعتقلين, فقاموا عن طريق حمض الخل بحفر ثقب صغير في الباب الأسود المطل على ساحة التعذيب والإعدام, واستغرقت العملية أيام, ليكون الثقب العين التي تشاهد والذاكرة التي تدون كل ما يحصل من جرائم.

أسماء بعض الضباط على غيان سجن تدمر:

كان سجن تدمر العسكري مقصد إجرام ضباط النظام وجنوده, حيث كان يختار أشد الضباط حقداً وإجراماً على معارضيه, وخصوصاً السياسيين, لتهيئة العقول والأدمغة التي احتواها سجن تدمر, كما روى لنا الأستاذ أحمد البيوش, الذي مرّ عليه ثلاثة ضباط طوال 12 عاماً, حيث اشتهرت الشخصيات الثلاث بالإجرام بحق السجناء أمثال "المقدم فيصل الغانم" الذي ترأس السجن في عام 1983, وعمل على استغلال زيارة أقارب السجناء بالرشاوي وحصرياً الذهب وكانت الزيارة تتطلب 40 غراماً, لإمضاء نصف ساعة فقط مع أحد السجناء.

وبعد أن أنهى المقدم "فيصل الغانم" خدمته المكلف بها في السجن, خلفه المقدم بركات العش في عام 1987, ولم يمضِ في السجن سوى عدة أشهر, وأيضاً كان تاريخ السجن على غيانه حافل بالجرائم المرتكبة واتباع سياسة الإعدامات الميدانية بحق المعتقلين.

نصل الى أشد الضباط الثلاثة حقداً وإجراماً بعد فيصل الغانم وبركات العش, حيث ترأس السجن العميد "غازي الجهني, وكان مختلفاً نوعاً ما عما قبله في طريقة التفنن بالقتل, ورفع رأس المعتقل للأعلى من أهم شعاراته, على عكس من قبله في قرف العنق للأسفل, وذلك ليستطيع السجانون النيل من العنق, ولوحظ حالات إعدام بضربات متركزة على الحنجرة بالعصا أو الأكبال الحادة, وكانت من أخطر حالات الإعدام التي مرّت على تاريخ السجن.

تفجير ثقب الدبوس:

ليس من ضرب الخيال إذاً أن يستمر نظام الأسد الحالي بالتفنن في القتل, والتعلم من دروس نظام الأسد الأب, في تاريخ حاشد بالإجرام, النكبة التي رسمت سجن تدمر بكل زواياه, ومفاصله في ذاكرة كل معتقل, حاكى الحجر والقضبان طوال عقود مضت, الى أن أتى تنظيم "داعش", وأمحى جرائم أوبقت حياة الآلاف من المعتقلين, مفجراً ثقب الدبوس بعدة ألغام طمست معالم السجن, دون أن ترف عين النظام وعين التنظيم.

التعليقات (3)

    مستغرب

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    كل هذه الامور واكثر كانت تحصل للمعتقلين السياسين في عهد المقيور وجروه ولايزال هناك من طمس الله على قلوبهم يؤيدون اللانظام ويدافعون عنه

    عادل

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    جراءم الارهاب العلوي حقد على الانسانية العلوين مجرمين بدون اسثناء

    Walid Sleiman

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    هل من معلومات عن بطرس خوند او هادي كرم
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات