نعم .. السوريون يستحقون الموت

نعم .. السوريون يستحقون الموت
يحاول السوريون الهروب للنجاة بأنفسهم، وأولادهم، من هول البراميل المتفجرة، وصواريخ الطيران، التي طالت معظم المدن والبلدات السورية، خاصة تلك التي خرجت عن سيطرة النظام المجرم، الذي تفنّن بقتل السوريين. فكان النزوح الداخلي في المدن التي مازالت آمنة إلى حين، واللجوء إلى دول الجوار ضمن المخيمات، التي شيّدت على عجل، لإيواء اللاجئين لفترة محدودة بحسب التقديرات آنذاك، أو اللجوء ضمن المدن في دول الجوار، ممن كانت لديه مدّخرات، أو استطاع أن يحصل على عمل داخل دول الجوار، وإن كان لا يسد الرمق، إلا أنه أفضل حالاً من مخيمات اللجوء، أو البقاء تحت البراميل والقصف اليومي، والدخول في رحى المعارك المنتشرة في كل الأراضي السورية.

في كل مرة ينزح السوري، أو يلتجئ إلى مكان، هناك حكايات ومواعظ شتى تعظ هذا الشعب المقهور بعدم ترك بلده ومكانه، حتى ولو كان البرميل سيسقط فوق بيته، فالموت في البيت كرامة، والنزوح إلى مكان آمن ذل. هكذا كانت معظم الأقاويل التي عمل البعض عليها، في أكثر من مناسبة، وربما كان للأيدلوجية الدينية هنا مكانة خاصة جداً، فكلّ الأفكار تناقش من منظور ديني، إذ أن الدين فكرة ذات صلة وجدانية عند السوريين؛ ولكن وكما لكل شيء وقته وأوانه، فللموعظة الحسنة مكانها، ووقتها، وترتيبها؛ لا يمكن أن ننصح سورياً، أن الموت تحت البرميل أهون عليك من ترك بيتك.

في منتصف عام 2013، عُقد مؤتمر كبير في القاهرة لرجال الدين المسلمين، بدعم مباشر من جماعة الأخوان المسلمين، حيث تم عقده قبل الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي بأيام، ليبشرعن الجهاد في سورية لكل مسلم في البلاد الإسلامية، ودعوتهم لقتال النظام المارق والمجرم؛ هذه الدعوة لم تقابلها دعوة من قبل الدول التي تحظى بمكانة إسلامية أو اقتصادية كبيرة، لاستقبال الهاربين من لظى الحرب المستعرة في سوريا، ومع وجود التنظيمات الإسلامية في سورية، تنامى وجودها بعد هذا المؤتمر، وكان حجة كبيرة للطرف الآخر الإيراني، من أجل الدخول بكل ثقله كطائفة شيعية ضد طائفة سنية، وكان هذا التجييش واضحاً، لا لبس فيه مطلقاً.

في الحقيقة، إن اللجوء إلى دول الجوار المسلمة، تركيا، ولبنان، والأردن، كان بسبب القصف المستمر، وكانت التهم نفسها تطال من خرج من سورية باتجاه دول الجوار، اتهامات بالهروب إلى خارج البلاد، والتخلي عن سورية، والثورة السورية التي قامت من أجل هؤلاء الذين هربوا، حيث كانت إحدى أهم حالات التهكم أنه لا يحق للذي خرج إلى تركيا، والتي فيها الثقل الأكبر من عدد الناشطين، والإعلاميين، واللاجئين؛ لا يحق لهم الحديث عن الثورة، وأحياناً يقال لهم، تلميحاً وتصريحاً، إما أن تنزل إلى "أرض الجهاد" وقاتل، أو اصمت، لا نريد أن نسمع صوتك، لأنك تسكن تركيا ولا تشعر بالناس في الداخل.

في المقابل من سافر من سورية، منذ ثلاثين عاما،ً أو أكثر، إلى دول الخليج أو أوربا، أو الولايات المتحدة، هم خارج هذه الاتهامات، لأنهم خرجوا من سورية أيام السلم، وكأنهم خرجوا للسياحة، ولم يخرجوا بسبب بطش النظام أحياناً، أو البحث عن عمل، أو البحث عن بلد يتمتع فيه الإنسان بإنسانيته، غير أن بعضاً من هؤلاء المغتربين قد شاركوا من بالداخل السوري في إلقاء الاتهامات، لكلّ من خرج من سورية، باتجاه دول الجوار، واعتبروه الهروب من "الجهاد ضد العدو الأكبر، فيما يدرس أولادهم في أفضل المدارس، وهم يعيشون في أفضل ظروف الحياة..

بعد أكثر من أربعة أعوام ونصف العام على عمر الثورة، باتت حالات اللجوء إلى أوربا تفوق الخيال، حيث أنها لم تكن تأخذ هذا الطابع الذي تحول إلى السيل الجارف، باتجاه أوربا، فيما قبل، فاللجوء لم يعد هرباً فقط، بل أصبح هرباً من الحرب في سوريا، وانتهاكات دول الجوار، والتضييق على السوريين في كل مكان، فكانت أوربا هي الملاذ الآمن الذي اعتبره السوريين المنطلق الأساسي لأي حياة جديدة يشعرون فيها أنهم بشر يستحقون الحياة.

ازدهرت تجارة البشر خلال الأعوام الأربعة المنصرمة، كما انتشرت صناعة الموت غرقاً في البحر الأبيض المتوسط، الذي تحول إلى قبر كبير للسوريين، سواء أمام الشواطئ الليبية، أو المصرية، أو الشواطئ التركية حيث لقي آلاف حتفهم غرقاً ضمن مراكب الموت التي تتهالك بسبب الازدحام الكبير، وجشع تجار البشر.

ذات الأشخاص، وذات الجماعات، ممن اعتبروا اللجوء إلى تركيا جريمة، في وقت من الأوقات، تحولوا ليقولوا إن اللجوء إلى أوربا ـ بلاد الكفرـ حرام شرعاً، خاصة وأنه هناك دول إسلامية مثل تركيا تستقبل السوريين، على الرغم من إغلاق الحدود السورية - التركية على مدى ستة أشهر، والقرار التركي الأخير، القاضي ببناء جدار إسمنتي من جهة إقليم هاتاي، بطول ثمانية كيلومترات، وبارتفاع ثلاثة أمتار، لمنع دخول السوريين.

في سابقة غريبة، أعتقد أن لا معنى لها على المستوى الشعبي، تأتي الفتوى التي أصدرتها هيئة الشام الإسلامية حول تحريم اللجوء إلى "بلاد الكفر"، كما أسمتها، في ظل وجود دول إسلامية تستقبل السوريين، مثل تركيا. قد تكون هذه الفتوى مثل مئات الفتاوى التي قتلت وتقتل السوريين كل يوم، سواء فتاوى مشايخ المعارضة، أو فتاوي أحمد حسون، ومشايخ النظام؛ لن يكون لها أذن صاغية، حيث اعتبر مفتي النظام أن هؤلاء الذين يموتون بالبحر كفرة، وبالمقابل اعتبر "علماء" المعارضة أن من يموت وهو ذاهب إلى بلاد الكفر، كافراً.

في محصّلة التكفير من مشايخ ورجال الدين، على طرفي الصراع السوري، ثمة شيء مشترك بين هذين العدوين اللدودين، وهو أن هذا الشعب المقهور، والمكلوم، والذي يموت بشكل مجاني كل يوم، ينبغي عليه إما أن يتلقى الموت بصدر رحب، أو أنه يستحق الموت الذي يناله في البحر، أو في شاحنات الموت التي بدأت تتفاقم مشكلتها .. نعم السوريون يستحقون الموت، لأنهم سلّموا رقابهم إلى رجال دين لا يخافون الله في هذا الشعب.

التعليقات (2)

    خلوق الدندشي

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    للاسف لم يتضمن خطابكم النقاط المهمة من واقع الموضوع: المقطع الاول والثاني والثالث والرابع كان الهروب بسبب استكمال انعدام الامان بشكل تام يعني الناس هربوا في اي اتجاه ولو كان امامهم باب الشياطين سيدخلون منه. انت تتكلم عن شيء نعلمه ونخبره لم تاتي بشيء جديد. اما العنوان (السوريون يستحقون الموت) اظن السوريين مش ناقصين يشوفو هالعبارة هي السوريون يستحقون ارضهم ووطنهم يستحقون سوريا ، هكذا نبشرهم بجزاءهم على صبرهم وتحملهم وجهادهم، شعب رفض الظلم وحاربه من 100 سنة ارجو ان تنشروا خطابات تشجع وتدعو السوريين بالتماسك والاستمرار والاجتهاد وعدم الرجوع للوراء مهما واجهوا من صعوبات.

    غريب

    ·منذ 8 سنوات 7 أشهر
    الاصلاح هو الحل والسلام هو الحل والاجتماع على كلمة واحدة هو الحل والهروب بكل انواعه ليس هو الحل ارجو ما اكون ظلمت اخوننا السوريون براي هذا
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات