في قصة "دعاء" البنت السورية، ذات الـ 19 ربيعاً، التي تحولت لأم لطفلتين لمدة أربعة أيام، هناك، في البحر المتوسط، يقترب الرعب والأمل حتى يكادان يتحدان في كينونة واحدة، ويتحول الموت إلى رجاء وأمل بحياة نهبها لآخر.
الهروب من مصر
تبدأ قصة "دعاء" كالكثير من السوريين بخروجها من سوريا وتوجهها بدايةً إلى مصر حيث اعتقدت انها يمكن أن تكون حلاً لتكمل دراستها وتصنع مستقبلاً لها، ولكن بعد وصولها مع عائلتها إلى هناك، لم تستطع "دعاء" العمل بشكل رسمي لعدم امتلاكها تصريح للعمل، فاختارت العمل بدوام صباحي وأجر منخفض.
تعرضت دعاء لمحاولة اختطاف على يد عصابة من راكبي الدراجات النارية، فقررت وخطيبها أن لا أفق لهم في مصر، وليس أمامهم إلا السفر إلى أوروبا، حيث ربما يستطيعان الزواج وتأسيس حياة آمنة وكريمة.
قامت دعاء وخطيبها بجمع ما ادخروه، وما استطاعوا تأمينه، ليحجزوا مكاناً لهم على قارب قديم ومهترئ، وكما هو متوقع، وبسبب العدد الكبير من الركاب، تعطل القارب وانقلب بمن قيه، تقول دعاء "أصبحت مياه البحر سوداء وسمعت صراخ الركاب وانقلب القارب فينا فشعرت بأنني سأغرق لامحال"
أم لرضيعين!
بأعجوبة عثر "باسم" على عوامة، حيث تمكنا من التعلق بها، في الوقت الذي انتشرت به الجثث في كل مكان. تجمع من بقي من الركاب في مجموعات، وبدأوا بالدعاء لله أن ينجيهم مما هم فيه.
مع مرور الوقت، فقد الكثيرون الأمل، واستسلموا لمياه البحر بعد أن خلعوا سترات النجاة، حينها اقترب رجل فلسطيني منها، وأعطاها حفيدته "ملك" التي تبلغ (9) أشهر قائلاً " أرجوك خذي الطفلة. أنا متعب جداً" واستسلم للبحر وفارق الحياة.
بعد ذلك بقليل توجّهت امرأة إلى دعاء، وسلّمتها طفلتها "ماسة" التي تبلغ (18) شهراً وقالت لها " انقذيها أرجوك. فأنا لن أنجو".
هائمون في البحر
بعد ذلك بوقت قصير، لم يستطع "باسم" التحمل أكثر وكانت آخر كلماته لدعاء " آسف حبيبتي. أرجوك سامحيني" وغرق أمام عينيها.
أصبحت "دعاء"، التي لا تجيد السباحة، مسؤولة عن حياة طفلين صغيرين، وحيدة بعدما فارق خطيبها الحياة، تاركاً وراءه خطيبته في حيرة وخوف ومسؤولية.
دعاء والطفلتين الرضيعتين والبحر وعوامة، كان المشهد عجائبياً بشكل لا يصدق، بدأت دعاء، ولتتغلب على كل ذلك الخوف والرعب المحيط بهم، باللعب مع الطفلتين، وصارت تحكي لهم ما في جعبتها من قصص، وكان الوقت بطيئاً ورهيباً.
النجاة
أمضت دعاء والرضيعتين أربعة أيام في قلب البحر، حتى رأت قارباً تجارياً، فأخذت تصرخ على مدى ساعتين، قبل أن يحددوا مكانها بواسطة أضواء البحث في الظلام. مدّوا لها الحبل، وهم مذهولين بقدرتها على الإمساك بطفلين في عرض البحر.
أما "ملك" لم تستطع النجاة، فتوفيت في عيادة القارب، ونجت "ماسة" الطفلة المتشبّثة بالحياة. فيما بعد، كرّمت "دعاء" من أبرز المؤسسات في اليونان "أكاديمية أثينا" على شجاعتها وإنسانيتها.
التعليقات (0)