ما كان ملموساً في سياسات حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان ، نهضة اقتصادية وسياسية داخلية . جعلت من تركيا وجهة لرؤوس الأموال و الاستثمارات العالمية ، باعتبارها أرضاً خصبة لجني الأرباح بعد سنوات من حكم العسكر و الانقلابيين الذين أنهكوا البلاد.
أما النهضة السياسية في الشأن الداخلي ، طرح حزب العدالة و التنمية القضية الكردية في البلاد على أنّها قضية وطنية وبحاجة الى حلول سياسية ، وكانت نتيجتها إيقاف الحرب مع حزب العمال الكردستاني والتي دامت لعقود. لتشكل بذلك منعطفاً في التاريخ السياسي لتركيا ، وفعلاً تجلى ذلك في جملة من الإصلاحات ، كترخيص الأحزاب الكردية وبث قنوات باللغة الكردية . ولكن مع بداية ثورات الربيع العربي احتلت تركيا الصدارة في معظم الدول التي شهدت ثورات ، لتلعب بذالك دوراً محورياً في دول الربيع عبر الدعم المادي و اللوجستي لحلفائها من أطراف الصراع ، وبنفس الوقت احتضانها للملايين من اللاجئين ومعارضتهم السياسية. مما شكل عبئاً على الدولة و أثّر ذلك وبشكل ملحوظ على شعبية الحكومة بقيادة الحزب الحاكم ،لأنّ تأثير الحرب خاصة على الحدود مع الجارة السورية باتت تؤثر على المواطن التركي وبشكل مباشر وتمسه بشكل مباشر. كتفجير مدينة سروج والذي تبنته تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي والذي راح ضحيته العشرات من المواطنين المدنيين.
من جهة أخرى إنّ القرار الذي اتخذته الحكومة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي ، على حدودها الجنوبية مع سوريا برغم من الاتهامات التي وجهت لتركيا مراراً بدعمها للتنظيم عبر تقارير استخباراتية. مما يبدو في ردود فعل الناتو أنها غير مقتنعة تماماً بقرار تركيا . لما رافق ذلك من قرار يخصّ الشأن الداخلي التركي باستئناف الحرب مع العمال الكردستاني ، كان مثل الصاعقة في الشارع السياسي التركي ذالك يعني العودة الى بحر من الدم ، وفعلاً النتيجة هي المئات من الضحايا طبعا كل ذلك خدمة للانتخابات البرلمانية التي ستعاد قريباً لتقرر من سيحكم البلاد .
ولكن ما هو ظاهر مخالف تماماً لتوقعات الحكومة التركية. لأنّ غاراتها تلك و إعادة فتح الحرب لم تُقنِع بها المواطنون الأتراك و قرارها كان مخالف تماماً لخطابها السياسي طيلة السنوات الماضية ، و جرّت تركيا جيشها وقواها الأمنية الى حرب شوارع في المدن مع مقاتلي الكردستاني ومؤيدة ، وخاصة في المناطق الشرقية من البلاد، والتجارب العديدة أثبتت خسارة الجيوش المدججة بالسلاح أمام فصائل مدنية مسلحة. وطبعا ذلك يؤثر على شعبية حزب العدالة الحاكم ورئيسه رجب طيب أردوغان بين مؤيديه الأتراك و الكرد ليؤثر بشكل مباشر على أعداد الناخبين لحزب العدالة .
بالمحصلة كان ينبغي على أصحاب القرار في دولة مثل تركيا عدم ارتكاب خطأ بهذا الحجم الفظيع ، في سياستها الداخلية لأنّها ستؤدي بشكل حتمي ، إلى إنهاك الدولة وستجرّها الى حروبها القديمه من جديد والتي هي ربما بغنى عنها .
* كاتب كردي سوري
التعليقات (3)