لم يكن خيار شعار "الأسد أو نحرق البلد" موجهاَ ضد طائفة بعينها، بل كان موجها ضد كل من يسكن على الأرض السورية، ما يعطي انطباعاً أنه حتى اختيار هذا النوع من الشعارات لتلوث به جدران كل المدن التي انتفضت من أجل كرامة السوريين لم يكن عفوياً، بل كان مخططاً له من قبل من يراهن على الأسد دون سواه، لأنه الضمانة الوحيدة التي تنسجم مع أجنداته.
لطالما أحسن السوريون النية واعتبروا أن هذه الجهة هي الأجهزة الأمنية السورية، غير أن الحوادث المتلاحقة، ومن بينها اغتيال خلية الأزمة في عملية يرى البعض أن النظام ضالع فيها، ومن بعدها التخلص من كبار الشخصيات الأمنية من أمثال جامع جامع، رستم غزالة، وبالتحديد ممن هم مطلوبون للتحقيق معهم في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، يفتح تساؤلاً حول هوية من "سيحرق البلد إذا ولّى الأسد"؟!
هنالك عدة مستويات لقراءة ما يجري في المنطقة ككل، سواء أكان في الساحل السوري أو في لبنان، هنالك من تنبّأ أنه بداية لبركان الساحل الذي سيجرف مع حممه النظام المتهالك، ويطهر المنطقة من رجسه، فيما رأى آخرون أنه عبارة عن حالة تنفيس، وأن ما يجري لن يكون أكثر من زوبعة في فنجان، الغاية منها امتصاص غضب العلويين. الأمر نفسه بالنسبة للبنان، فحزب الله سيحاول إيجاد متنفس له لإخراجه من المستنقع السوري، هذا المتنفس لن يكون إلا بإشعال المنطقة ككل، وقد نجح في تأجيج الوضع في لبنان، أملاً في خلق سيناريو شبيه بسيناريو 2008، والذي تمكّن خلاله حزب الله من القبض على أهم مفاصل الحياة في لبنان، مطار بيروت، ووزارة الاتصالات التي أعطيت للتيار الوطني الحر، وبذلك استطاع خنق الحريات، كلّ هذا لخلط الأوراق.
تعيد حادثة قتل سليمان هلال الأسد، للضابط، العقيد "حسان الشيخ" إلى الذاكرة ما جرى بين سرايا الدفاع التابعة لرفعت الأسد والجيش السوري آنذاك؛ يومها انسحب صراع المصالح الشخصية على المنطقة بأسرها، ليدفع السوريون جميعاً من اقتصادهم وحياتهم ثمنه، فالأب ظلّ جاثماً على قلوب السوريين ثلاثين عاماً، وأورث ابنه الكرسي من بعده، وتم منح رفعت جائزة ترضية متمثلة في موازنة البلد النفطية كاملة!
الصراع إذن داخلي، والسوريون الذين يراقبون اللعبة متحمسين، سيبقون على مدرجات المتفرجين، إذ لم يصدف يوماً أن استدعي متفرج من على المدرّجات ليلعب في صفوف المنتخب، حتى ولو بصفة "لاعب احتياط"!
في لبنان..اللعبة أخطر، فقبضة حزب الله الأمنية مطبقة على أعناق اللبنانيين بمنتهى الإحكام، خاصة بعد أحداث بيروت عام 2008، والتي تمكّن خلالها حزب الله من تعيين ضابط من اتباعه في الأمن العام لمطار بيروت، وإفشال عدة حكومات إلى أن تم التوصل إلى إعطاء التيار الوطني الحر حقيبة الاتصالات، والتي اتضح فيما بعد أن الحزب كان شديد الحرص عليها، سعياً للتغطية على ملفات الوزارة التي تكشف ضلوع حزب الله في جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، فكان الحل الجديد لإحياء السيناريو ذاته، هو إدخال البلد في فراغ رئاسي أملاً في إيصال الجنرال عون- خصم الأمس- إلى سدة الحكم.
ما يجري اليوم في المنطقة، له دلالة وحيدة، وهي أنه هنالك مخطط روسي- إيراني، لفرض الهلال الشيعي، وأن ما فعله سليمان الأسد، كانت الغاية منه إنهاء أوهام بعض أبناء الطائفة بوجود البديل من أبناء الطائفة العلوية،إذ أن كثيرين منهم لديهم تحفظات على بشار الأسد، من منطلق أنه نحّى الطائفة العلوية جانباً لصالح الطائفة الشيعية، وهو ما يجعل إيران تتمسك به لاستكمال هلالها الشيعي، فيما تخشى روسيا من أن أي شخصية من الممكن أن تصل إلى حكم سوريا، قد تعمد بمساعدة بعض الدول العظمى التي ستوصلها إلى هذا الكرسي، إلى إنهاء قاعدتها العسكرية الأخيرة على المتوسط، والمتواجدة في مدينة طرطوس.
عامل آخر يدفع إيران وروسيا للاستماتة في الدفاع عن الأسد، وهو العامل الاقتصادي، فالحروب التي أوكلت إيران إلى حزب الله والنظام السوري، وعصابات المالكي مهمة خوضها في المنطقة، والتي أرهقت خزينتها من أجل تمرير مشروعها الذي تخدّر رعاياها باسمه، أرهقت كاهلها من الناحية الاقتصادية، فضلاً عن أنها راحت تتقاضى مقابل ديونها للإبقاء على الأسد، سندات سيادية من أملاك الدولة، لا أمل في تحصيلها إلا ببقائه، فيما تعول روسيا على استخراج الغاز الطبيعي من شواطئ لبنان وسوريا..
كل هذه المشاريع لا يمكن إتمامها إلا بوجود بشار الأسد وحزب الله في واجهة المشهد السياسي في المنطقة، ولهذا كان لا بد من إخراس الأصوات التي بدأت تتململ من كثرة ضحاياها في حرب مع من قاسموها الأرض والهواء يوماً ما، فجاء من ينبههم إلى أن الحريق قد يطالهم هم الآخرين إذا فكروا في التخلي عن الأسد، في تجسيد حقيقي لشعار "الأسد أو نحرق البلد"، والأمر ذاته بالنسبة لأبناء الطائفة ،الشيعية، خاصة بعد الخسائر البشرية الهائلة التي مني بها الحزب اخيراً في سوريا، فهم ليسوا بمنأى عما يجري في سوريا.
التعليقات (4)