بين شجاعة التكفير وشجاعة محاربته !

بين شجاعة التكفير وشجاعة محاربته !

تسببت صورة الطفل الانتحاري الذي أرسلته داعش، لتفجير نفسه في مدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي بصدمة كبيرة، تجدد معها سؤال الخطر الذي بلغه هذا الفكر.

فحين يتشرب طفل في الخامسة عشرة فكر التكفير، إلى حد يصبح معه مستعداً لتفجير نفسه وقتل أكبر عدد من الناس، الذين أصبح يراهم كفاراً بكل يقين، تنتقل بنا مناقشة القضية، من (أزمة الحاضر) إلى (سؤال المستقبل)، مستحضرين كل صور ومشاهد معسكرات الأطفال التي أنشأها تنظيم الدولة في العامين الأخيرين.

تسقط أمام هذه المشاهد مبررات المظلومية واليأس والرغبة بالانتقام، وتبرز حقيقة الفكر عارية باعتبارها (فكراً) مستقلاً يستغل الظروف لينمو ويتوسع، وليس نتيجة لهذه الظروف فقط.

فهنا لا يوجد ظالم ولا جريمة ارتكبها العدو المستهدف (الجيش الحر والفصائل الإسلامية) بحق طائفة أو عائلة هذا الطفل وغيره من الانتحاريين، الذي يفجرون أنفسهم يومياً بين مقاتلي الفصائل الأخرى، رغم أنهم من طائفة هؤلاء الانتحاريين، وضحايا مثلهم لجريمة يتذرع هؤلاء أنهم ينتقمون لها!!

لا يبقى هنا إلا (جريمة الكفر) التي حكم بها هذا الطفل على الآخرين بكل سهولة، ثم أصبح مستعداً لقتلهم بكل بساطة، في تجلٍ مروعٍ لاستفحال ظاهرة استسهال التكفير والقتل.

قبل نحو عام فاجأني طبيب حديث التخرج، بكتابته منشوراً على صفحته في الفيس بوك، يقرر فيه بشكل حاسم "أن حكم الإسلام هو قتل كل اتباع الديانات الأخرى"، طالباً من كل من لا يؤمن بهذا الحكم الخروج من حياته!

وبالمقارنة مع مئات النماذج من معتنقي هذا الفكر من المراهقين أو الكبار، الذين قد لا يكون بعضهم قادراً على القراءة والكتابة، فإن مما لا شك به، أن هذا الشاب وجد في نفسه (ولأنه متعلم وطبيب) الجدارة لأن يستنبط ويأول ويفتى بمسألة من هذا النوع والمستوى، ولعله اليوم انتقل من مرحلة قتل الكفار، إلى تكفير المسلمين وقتلهم بطبيعة الحال.

في بداية ظهور القاعدة في سوريا، كان يتساءل الكثير من عناصر التنظيم ومؤيديه عن سبب الخوف منه ورفضه، وكان الجواب يأتي باستعراض تجربة هذا التيار في البلدان الأخرى، والتي كانت تنتقل دائماً من التدخل في أدق تفاصيل حياة الناس في هذه المجتمعات، إلى تكفيرها، وكانت أجوبة أبناء هذا التيار تنتقل -دائماً بالمقابل- من إنكار ذلك، إلى التأكيد على أنها أخطاء لن تتكرر في سوريا.

والحقيقة، فإن تطوراً كبيراً، وغير متوقعاً تحقق بالفعل مع التجربة السورية، حيث شاهدنا وللمرة الأولى اعترافات ومراجعات لافتة لقادة ومنظرين في هذا التيار، تفاوتت نتائجها، بين انقلاب شبه جذري تقوده حركة أحرار الشام ودفعت ثمنه الكثير، وبين تصحيح قلق عند جبهة النصرة.

لكن الوجه الآخر للتطور، وهو الوجه القاتم الذي لم يصل إليه في أي تجربة أخرى سابقة، تجلى مع تنظيم الدولة، الذي لا يرى تحقق ذاته وقوته، إلا في أبعد درجة ممكنة من التكفير، بل إن جوهر وجوده يقوم على بزّ أي جماعة أخرى في هذا الميدان، بما يمكنّه من التفاخر بتفوقه عليها جميعاً بأنه أكثر من يكفّر، وأكثر من يقتل من الكفار والمرتدين!

في كل ما سبق توصيف للظاهرة، قد لا يكون فيه جديد، بينما المطلوب حلولاً، لا يحتاج الراغب الصادق بها إلى أن يبحث عنها، لأن من أسس أو ساعد على نشر هذا الفكر، هو أكثر من يعرف أعراضه وأدواءه، وعليه أن يتحلى بالشجاعة الكاملة لاستخدامها مهما كانت مؤلمة، إذا كان راغباً فعلاً بخير الأمة وانفاذها، وليتحلى هؤلاء -إذا كانوا صادقين فعلاً برغبتهم في المعالجة- بالقدر نفسه من الشجاعة التي تحلوا بها عندما نشروا فكر التكفير عن عمد أو جهل.

أما الاستمرار في النظر إلى الظاهرة من زاوية (الربح والخسارة) بعين المرحلة، والحفاظ على الفصيل وعدد العناصر، فإن أول من سيدفع ثمن هذه الحسابات هو الفصيل نفسه وقادته، الذين سيكونون أسهل أهداف من تشرّب فكر التكفير، وهذا ما تثبته التجارب المستمرة يومياً.

التعليقات (2)

    ماجد

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    مواجهة التكفير لا تكون باختراع ( دين جديد ) و تسميته ( الإسلام المعتدل ) و إطلاق ألفاظ متطرفين و متشددين و إرهابيين على الملتزمين و المتدينين و عدم نشر الفساد و الإفساد في الأرض تحت دعاوى مزيفة مثل الحرية و الحضارة

    عقيل ضللت العنوان الصواب

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    وكان الأجدر بك القول بين جرأة ووقاحة(أتدري لم الوقاحة لأنهم لو طبقوا التهمة على أنفسهم للبسوها كما لو أن أمهر الخياطين قاس لهم)التكفير والعناد في إستئصال شأفته والسلام عليك أيها الرجل الشجاع .
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات