الأسد تحول إلى "عقدة النجار"

الأسد تحول إلى "عقدة النجار"

لم يكن تصريح وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف"، خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع وزير خارجية إيران "محمد جواد ظريف" مفاجئاً، والذي أشار فيه إلى أن مصير الأسد بيد السوريين وحدهم، وأكد خلاله على أن رحيل الأسد في نهاية الفترة الانتقالية أمر مرفوض - وهو ما كان يطمئن به المعارضة السورية قبل يومين، وعلى رأسها رئيس الائتلاف "خالد خوجة"- فرئيس الائتلاف الذي أكد أن روسيا هي صديقة للشعب السوري، على الرغم من الدعم اللامتناهي لنظام الأسد، من السلاح إلى رفض أربعة مشاريع قرارات أممية، مستخدمة حق النقض في مجلس الأمن "الفيتو"، الذي كان يجهض أي انتقال للسلطة، أو رفع ملف سورية المتعلق بجرائم الحرب إلى الجنائية الدولية، ولهذا فلم يكن السوريون يتوقعون من لافروف أكثر من هذا.

تعرف روسيا تماماَ أن الائتلاف السوري المعارض قد فقد مصداقيته أمام الشعب السوري، من خلال فشله في قيادة أي عمل دبلوماسي ضد نظام الأسد في المحافل الدولية، خاصة وأن روسيا تحاول دائماً إيجاد معارضة متفقة مع النظام السوري، للإبقاء على هذا النظام الذي يحقق مصالحها في الشرق الأوسط، حيث دعت في منتدى موسكو إلى اتفاق وتوحيد المعارضة، وبالتالي ذوبان الائتلاف السوري- الذي يشكل الثقل الأكبر للمعارضة - في جسد معارض موحّد، وتعود موسكو للعمل الى ايجاد فرق تفاوض ضمن المجموعات الأربعة التي اقترحها "دي ميستورا"، والتي سوف يجري تقسيمها، بحسب موسكو، ثلث للمعارضة، وثلث للنظام، والثلث الاخير للمجتمع المدني، المتمثل بالمنظمات والنقابات في سورية، وبالتالي أصبح للنظام ثلثي الفرق المفاوضة؛ موسكو تريد إنهاء فكرة "الشعب يريد إسقاط النظام" والتحول إلى فكرة "الشعب يريد محاربة الإرهاب"، متسويق فكرة أن الشعب يقف مع النظام الذي سفك دماء أكثر من ربع مليون سوري، وشرّد أكثر من عشرة ملايين مواطن سوري، في خندق واحد لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، التي تدين له بالولاء، سواء بشكل مباشر، كحادثة إلقاء القبض على أمير "داعشي" في دمشق وكشف حقيقة ارتباطه بالمخابرات السورية، أو بطريقة غير مباشرة، عن طريق قتال قوات المعارضة المسلحة وتنفيذ تفجيرات متعددة في صفوفها عندما تميل كفة الانتصارات لصالح المعارضة المسلحة، وانتكاسات جيش النظام المتكررة في الغاب، والقلمون، والغوطة، ومخيم اليرموك.

أما وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف"، الذي استنكر التدخل الخارجي في سورية، فهو يعتمد على فتوى أحد رجالات الدين في دولة ولاية الفقيه، أن سورية هي المحافظة الـ"35" في إيران. إذن، فهو يتحدث بشكل واقعي عن التدخل "السافر" لدول المنطقة في شؤون محافظة إيرانية، وهذا يتضح بشكل جلي في قيادة إيران للمفاوضات مع فصائل المعارضة المسلحة في أكثر من حادثة، وكان آخرها المفاوضات مع حركة أحرار الشام الإسلامية لهدنة مدّتها 72 ساعة، تشمل الزبداني وقريتي الفوعة وكفريا في ريف مدينة إدلب، حيث كان النظام السوري عبارة عن منفذ ومتفرج لإتمام الهدنة، التي كانت تريد إيران منها تغيير الواقع الديموغرافي للزبداني، ليربط الامتداد الطائفي الشيعي مع مناطق لبنان الشيعية، وهو أغلب الظن، والإتيان بسكان جدد إلى هذه المناطق، وهو ما تحدث عنه الأسد في خطابه الأخير، من خلال قوله أن سورية لمن يدافع عنها، وليس لمن يسكنها أو يحمل جنسيتها.

تأتي موافقة مجلس الأمن الدولي بالإجماع، بما فيها روسيا والصين، على المقترح الفرنسي الذي وصفه نائب السفير الفرنسي الدائم بـ"التاريخي"، والذي يؤيد خطة المبعوث الدولي "ستافان دي ميستورا" حول عملية السلام في سورية، ذات النقاط الأربعة دون التطرق لمصير الأسد خلال أو بعد الفترة الانتقالية، وكذلك البيان الرئاسي، غير الملزم، الذي جاء بعد واحدة من أكبر مجازر النظام، منذ بداية الثورة، بيوم واحد؛ باستثناء مجزرة الكيماوي في 2013 لم يوجه البيان إدانة للنظام السوري الذي ارتكب مجزرة دوما، بل اكتفى بإدانة ممارسات "داعش والنصرة"، في مسعى لمحاربة الإرهاب، وهو ما يترك الباب مفتوحاً أمام مجازر أخرى، خاصة وأن النظام السوري يردّ على أي دعوة للحل السياسي، أو عملية سلام، بمجزرة هائلة لإنهاء أي مسعى يضع حداً للدمار والقتل في سورية لأنه أصبح على يقين تام بأن أي عملية سياسية، ستكون برحيله حتماً، وهذا ما أكد عليه وزير خارجية السعودية في عقر دار أشد حلفاء الأسد في موسكو، منذ عشرة أيام، حيث شدّد على أن الأسد يجب أن يرحل، سواء بالحل السياسي، أوبالعمليات العسكرية، وهو ما يمكن أن يبرّر التقدم الكبير لجيش الفتح في ريف حماه.

حيث أنّ الخارجية الروسية التي استطاعت أن تحصل في اجتماع منتدى موسكو الثاني على إنهاء شرط رحيل الأسد، قبل بدء المفاوضات، وأن رحيله سيكون ضمن المرحلة الانتقالية التي ستمتدّ على مدى سنتين في الحد الأقصى، عادت لتصفع المعارضة عبر ضحكات أمام الكاميرا، حين أكّد لافروف أن رحيل الأسد في نهاية المرحلة الانتقالية أمر مرفوض، وهنا باتت المعارضة السورية، سواء المعارضة الخارجية الممثلة بالائتلاف، أو معارضة ما تحت سقف الوطن- الموالية للنظام- ملزمة باختيار أحد أمرين: إما الموافقة على هذا الحل السياسي بوجود الأسد على رأس السلطة، أوالقبول بتسويات دولية تجبرها على القبول ببقاء الأسد، وهذا ما أكد عليه ظريف، وهو أن إيران وروسيا متفقتان على أن رحيل الأسد غير مقبول، ويبقى الخيار العسكري لإنهاء العقدة السورية مطروحاً من قبل طرفي الصراع؛ النظام والمعارضة.

والحقيقة أن بشار الأسد تحول إلى شمّاعة الصراع بين طرفي النزاع الدولي والاختلاف حول شخصه فقط وانتقلت المفاوضات من خانة إنهاء النظام الأمني والسياسي الموالي للأسد وتحويل مرتكبي جرائم الحرب للقضاء الدولي ثم تشكيل نظام جديد من هيئات المعارضة التي تحظى بتأييد دولي لتمثيل الشعب السوري؛ انتقلت إلى خانة إنهاء شخص بشار الأسد والإبقاء على النظام ضمن حكومة موسعة من كل الأطياف بصلاحيات تنفيذية واسعة وبذلك انتهى أهم شرط من شروط الثورة وهي "إسقاط النظام"

تذكّرنا هذه المفاوضات الجارية الآن حول شخص بشار الأسد، بالمثل الشعبي "عند العقدة يفشل النجار"، ولعل تحويل بشار الأسد إلى ما يشبه العقدة الصلبة داخل "خشب" الحل السياسي قد يدفع النجار الدولي نحو الفشل في الوصول إلى صناعة حل سياسي، ينهي الصراع السوري، والنزيف المستمر منذ أكثر من أربع سنوات، وقد يتسبب بقصف النظام للمدن السورية بشكل أكثر وحشية، لإنهاء الحديث عن الحل السياسي، طالما أن لديه ضوء أخضر من المجتمع الدولي لضرب الشعب السوري، وأكبر دليل على هذا عدم إدانة مجزرة دوما، التي راح ضحيتها أكثر من مائة مدني من قبل مجلس الأمن!

التعليقات (1)

    فرناس

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    لا حياة لمن تنادي
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات