لم يكن المؤلم العجيب بمجزرة الكيماوي، أن يلحس أوباما خطه الأحمر. بل بأن قسماً كبيراً من السوريين. لم يعتبروا استخدام الكيماوي، ضد سوريين آخرين، خطاً أحمر، ولا حتى "رمادي".
مأساة التغريبة السورية تكمن، بأن مجزرة الكيماوي في عربين بريف دمشق، 21/8/2012. سبقتها مجازر. ثم تلتها مجازر مُتنقلة، بالمفرق والجملة، آخرها "دوما" . فيما الواضح أنها مستمرة، باستخدام الساطور و حصار التجويع، إلى رش الكيماوي والكلور. وما بينهما، على طريق "نكبة 48" مُعدلة، كاملة المواصفات .
من العار، أن نعتب على أوباما، أو غيره من عرب وعجم. فيما شركاؤنا بالوطن، يحتفون بذبحنا مع كل مجزرة. ثم يرفعون نخب الدم بانتصار "السيد الرئيس" على أطفال "المؤامرة الكونية"، مرة بحراب "جيشهم الباسل"، وتارة بسواطير الحزب الإلهي ومُلحقاته، من المُرتزقة الشيعية المذهبية.
أوباما ليس مُضطراً، لأن يكون أخلاقياً وحنوناً. ذلك أن ما يحدث على مدار أربع سنوات وأكثر. أسقط جميع الخطوط، والأخلاق، والمفاهيم، والقناعات، والشعارات الزائفة. وهو في طريقه إلى إسقاط الجغرافيا. لذا، صار لزاماً إعادة تعريف "سوريا" ذاتها، ما بين "سورية الأسد"، التي تؤمن فيها أقلية "بالروح بالدم بالجغرافيا بالتاريخ نفديك يا بشار"، المحمية اقليمياً ودولياً. وبين سوريا المُحتلة، التي تُؤمن بها أغلبية منكوبة، ثارت على حكم "مافيا" طائفية، استباحت البلاد والعباد.
لم يحدث في التاريخ، أن يستدرج "حاكم"، ميلشيات مذهبية "شيعية – سنية"، بهدف تبرير حرب تثبيت سلطته، مثلما فعل "بشار الأسد". كما لم يحصل أن تجرأ "حاكم" على تسليم بلاده، عن طيب خاطر لمحتل خارجي، مثلما أعلن الوريث نفسه مواربةً بخطابه الأخير . ثم علناً، وفقاً لما أثبتته بالدليل القاطع، عملية "التفاوض" المُباشر، بين "أحرار الشام" والإيرانيين باسطنبول، من نوايا التقسيم، عبر التهجير الديموغرافي المذهبي.
لم تعد الثورة في سوريا ثورة " كلاسيكية" تقليدية، تحتمل وجود "مُعارضين ومُريدين" مُختلفين بوجهات النظر. بعد أن فرضت عليها الجغرافيا السياسية. التحول إلى خلطة، تمزج الثورة الشعبية بحرب التحرير المُسلحة، ضد مُحتل إيراني خارجي. يُمثله مُندوب مفوض، مُجرد من أدنى صلاحيات "المندوب السامي"، زمن الانتداب الفرنسي. سقى الله أيامه.
هذا الاحتلال، الذي تُعانيه سوريا اليوم. أخطر من أي احتلال شهدته عبر تاريخها. باعتباره احتلالاً استيطانياً توسعياً، بعمامة دينية، باتجاه الدول المُجاورة، غير مُحدد الخارطة والحدود. تماماً، على شاكلة "إسرائيل" طبق الأصل.
الأخطر، أن الاحتلال الإيراني، في سعيه لإقامة الدويلة العلوية الشيعية (الشعلوية)، المُممتدة "بكوريدور" من دمشق إلى الساحل، و المفتوحة على مناطق بنفس اللون الطائفي المذهبي، داخل لبنان. هذا الاحتلال لا يتردد، بتسهيل إقامة "إسرائيل كردية" شمال شرق البلاد، برعاية الإرهابي صالح مسلم. تمتد من كانتون "دهام الجربا"، إلى جرابلس على الحدود التركية. وتمنح "ع البيعة" المُبرر، لكي تُعلن "إسرائيل" يهودية دولتها، في فلسطين المُحتلة.
ما يسعى محور "المُممانعة" الفارسي لتنفيذه، هو تفتيت سوريا. ثم تكريس احتلاله "للمُفيد منها". بعد عجزه عن حرق ثورتها، بالكيماوي والسارين والبراميل المتفجرة. بالتالي، صارت المُعادلة البديهية هي (إما أن تكون سورياً خائناً مُتعاملاً مع الاحتلال وأدواته، أو سورياً مقاوماً)، بغض النظر عن العرق، أو الدين.
تلك هي المُعادلة. وما بين طرفيها، لا مكان لرمادي أومُعتدل أو ساعٍ مؤيد لتفاوض، لا يشترط مُسبقاً جلاء المُحتل ورحيل عملاء الصف الأول إلى الجحيم.
التعليقات (2)