الدراما في الميزان (2من2): رسائل ساذجة وخوف من الواقع

الدراما في الميزان (2من2): رسائل ساذجة وخوف من الواقع
في الحلقة الثانية والأخيرة من ملف (الدراما في الميزان) تقدم الكاتبة سرى علوش، قراءة في واقع الإنكار الذي تعيشه المسلسلات السورية بشكل عام، والتي مهما بلغت جرأة الخطوط التي تكسرها، حتى فيما يتعلق بتصوير عمل مخابرات الأسد... إلا أنها تبقى بعيدة عن الإحساس بجوهر العدالة التي تمثلها ثورة شعب خرج ضد الاستبداد وتوريث الحكم وتحويل البشر إلى أبقار وخرفان في مزرعة الأسد!

(أورينت نت)

كيف وصل المجتمع السوري إلى هنا، أو هل وصل المجتمع السوري إلى هنا حقاً؟ ما زال الإنكار سيد الموقف ومازال المعظم يرى أنها افتراءات دراما "النظام" التي لم تجد في زمن الثورات موضوعات حقيقية تستند إليها، فعمدت إلى نفث سمه - أي النظام - وتشويه المجتمع بهدف الإساءة للمواطن وجعله يبدو في عيون نفسه وعيون العالم صغيراً ومازال يحتاج إلى تربية.

في واقع فاسد كالذي نعيشه غالباً ما يصبح الاعتراف بنصف الحقيقة وسيلة لإخفاء النصف الآخر، لا شجاعة ولا أمانة للواقع. استطاع كل من علي وجيه ويامن الحجلي ككاتبين، وأحمد ابراهيم أحمد مخرجاَ تسجيل هدف في مرمى الدراما من خلال عمل يحسب له أنه صور على الأراضي السورية وفيه مافيه من الدلالات والتصريحات التي لم يكن ليجرؤ أي عمل درامي أن يحملها قبل الثورة؛ وهذا ما كان يجب أن يحسب للثورة لا للقائمين عليه. ربما كان "عناية مشددة" يبحث عن العدالة لكن للعدالة في يومنا هذا وأياد كثيرة تمنح الحياة لأحدهم بينما تمسك الآخر من عنقه وتقتله!

الشعب هو المُلام!

يلوم العمل الشعب السوري على ما آل إليه؛ وهي فكرة قد نتفق معه في جوهرها لكننا حتماً سنختلف في التفاصيل. وإذا استطعنا أن نتفق مع كل صور الفساد التي عرضها المسلسل من الرشوة إلى تجارة الجسد إلى الانحلال الأخلاقي والفساد الحزبي وانتشار المخبرين والاعتقالات التعسفية، ولعب رجال الأعمال بديموغرافيا البلد للحصول على صفقات كبيرة، فهذه صور وجدت قبل الثورة بسنوات والأدعى في ظل وجود مثل هذه الظواهر أن يتعاطف العمل مع الثورة كفكرة وحق على الأقل لا على الأكثر. لكن مايحمله القائمون على صناعة المسلسل من رسائل كان واضحاً ولا يقبل الشك؛ فالمواطن السوري هو عنصر الأمن الواشي، وهو الذي يمعن في ذل أخيه النازح، وهو رجل رأس المال الذي يضاعف رصيده على حساب قوت الفقراء، وهو موظف الإغاثة الذي يعتاش على سرقة السلل الإغاثية، وهو الذي استغل الانفلات الأمني لينفذ انتقاماً شخصياَ، وهو أستاذ الجامعة المرتشي وهو الذي فقد شرفه -الذي اختصره العمل كما يحدث دائماً في حالات الاغتصاب والجنس المباح. تلك الصورة قد تكون حقيقية إلى حد كبير لو لم يكن الهدف من ورائها تبرئة النظام بحكومته اللذين تم تصويرهما كفاعلين ساعيين لتوطين المهجرين الذين فقدوا بيوتهم وتخليص المواطنين من العصابات وتجار الدم.

يعترف العمل بتغييب المواطن المقهور والخوف من الحرية ورفضها والخطف والتهجير والنزوح و فجوات كثيرة في المجتمع السوري وهذه أدلة كافية على سقوط الدولة وغياب القانون وفشل النظام في الحفاظ على سلطته أي سقوطه معنوياً؛ أشياء تتعارض تماما مع المفهوم الآخر بطرحه للنظام كصمام أمان للحفاظ على الوطن.

وفي محاولة للتعويل على الجانب العاطفي الإنساني يركز القائمون على العمل على لوعة أهالي "الشهداء" من الجيش والشرطة وتغييب شهداء الضفة الأخرى وذويهم، وهكذا أصبحت المسألة السورية حرباً على الوطن لا ثورة حق. وطبعاً لم يغب على كاتبي العمل أن يستعرضا عضلاتهما في تصوير الإسلاميين –السوريين طبعاً- دون أن يفكرا لحظة بالإشارة إلى أسباب الجهل والتعصب الديني واتجاه الكثيرين للالتفاف حول الميليشيات التي تبيع الدين لتستعمر عقول الناس، ودون أن يمدا إصبعاً إلى المرض الرئيسي الذي جعل الجسد يأكل بعضه ويتداعى. ومن وجهة نظر عاطفية أخرى يفرق العمل بين الميليشيات الإسلامية والجيش الحر وأهدافهما ويركز على دور الجيش ووطنيته وحكمته –وهو المؤسسة الوحيدة التي لم يطلها الفساد- في دعوة الثوار لتسليم سلاحهم والعودة إلى "حضن الوطن" بعيداً عن التغرير الذي فرق الشعب الذي لطالما كان "واحداً".

تعميم السقوط الأخلاقي على شباب الثورة!

كان العمل جريئاً وفاضحاً واستطاع تخطي المحظور وفضح الطرق الدنيئة في عمل الأجهزة الأمنية كاستغلال العاهرات وترقية العاملين مع أجهزة المخابرات وفضح نشطاء الثورة جنسياً، لكنه أيضاً عمم السقوط الأخلاقي على شباب الثورة. أما الطريقة التي صور بها العمل معارضة "الخارج" وفسادها وأصولها فهي مثيرة للسخرية؛ بغض النظر عن اتفاقنا معه في الكثير مما قاله واختلافنا في التعميم وأسلوب الطرح، وبذات السخرية أتى بمثال واحد وحيد عن المشتغلين بالإغاثة وجعل من صاحبة هذا المثال مهووسة جنسياً ومتاجرة بالفتيات المحتاجات. وهكذا أصبح فساد النظام استثناءً وفساد كل ماهو ضد النظام قاعدة عامة، والفساد الأكبر هو فساد الشخصية السورية وسقوطها الأخلاقي؛ فكرة يتوجب النظر فيها وبأسبابها لنصل إلى الحقيقة. تبقى شخصية أيمن رضا الرومانسية الأكثر تألقاً في العمل وهو الفنان اليساري كما يبدو من صورته المعلقة على الجدار، والتائق إلى الحرية بشكلها الذي يحلم به لا بالشكل الذي وصلنا إليه. هو صوت العقل المصاب بالسرطان والذي يتأرجح بين الموت والحياة في انتظار عملية جراحية قد تنهي المأساة، لكن أحداً لا يدفع تكاليفها قبل فوات الأوان.

ضعف إخراجي وكاميرا متواضعة!

فنياً يُظهر (عناية مشددة) هبوطاً تقليدياً لا جديد فيه من حيث الصورة الفقيرة والكاميرا المتواضعة وضعف المخرج وعجزه عن تقديم مشاهد مهمة، فالمحتوى الضئيل والحوار المتواضع جداً لم يستطيعا إقناع المشاهد العادي الذي اعتاد على أعمال أكثر عمقاً. حاول العمل أن يحمل أكثر ما يستطيع، لكنه فشل في الارتقاء إلى مستوى الفكرة التي يعالجها فقد كانت المغالاة في التمثيل وافتعال الانفعالات سمة بارزة خاصة في ظل غياب معظم ممثلي الدرجة الأولى واللجوء إلى وجوه من الصفين الثالث والرابع. يفتقر المسلسل إلى العاطفة الحقيقية رغم أنه يدعي عرض معاناة إنسانية من الدرجة الأولى، وربما كان إطلاق صفة الفن على هذا العمل يحتاج عملاً آخر مادام صناعه أصروا على توثيق الدم كحقيقة تاريخية لا إنسانية، ممررين بعض الصور بالأبيض والأسود لضحايا التاريخ في لعبة إخراجية فاشلة أرادوا لها أن تنطلي على المشاهد ليشيد بمصداقية مواربة. "عناية مشددة" حيث الصالحون يموتون، والنظام يهنئ ذويهم باستشهادهم، والقاتل "الحرية اللي بدنا ياها"!

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات