الدراما في الميزان (1 من2):حين تغيّب الدراما الشعوب وتسحق الأحلام

الدراما في الميزان (1 من2):حين تغيّب الدراما الشعوب وتسحق الأحلام
في دراسة تنشر على حلقتين، تقدم الكاتبة سرى علوش لقراء (أورينت نت) قراءة سياسية واجتماعية في محتوى الدراما العربية في ظل الثورات والآلام والأحلام، حيث تتبدى خيبة المشاهد العربي، والزمن العربي من فنانيه الذين "شبّوا" على النفاق للحاكم، ويبدو أنهم سيشيبون على ما درجوا عليه!

(أورينت نت)

ربما لن يكون الحديث عن الدرما العربية ومرحلة الانحدار التي وصلتها في زمن الثورات العربية جديداً؛ هذه المرحلة التي كانت طبيعية ومنتظرة على عكس ما توقعه المتابعون المتفائلون من طفرة مفاجئة تتناسب مع الثورة كفكرة وحلم بعيداً عن الواقع، إلا أن المنطق له رأي آخر. كان لا بد أن يتأثر الإنسان وما ينتجه في زمن الثورات سلباً قبل أن يبدأ مرحلة الصعود والارتقاء التي تحتاج سنوات كثيرة ليتم إنتاجها. وكان من الطبيعي أيضاً أن يطغى ضياع هوية الثورات والإشكاليات التي أوقعها فيها جهل الشعوب واعتمادهم الفكري على أسماء دخلت جب التاريخ ولم تخرج منه، وتضيع معه هوياتنا الأدبية والفنية والاجتماعية.

خداع فكري وقلب أدوار!

لكن ما حصل كان أسوأ من ذلك! أن يقدم لنا صناع الدراما مسلسلاً تجارياً يخاطبون بها الشريحة الأوسع في مجتمعاتنا، تلك التي تكتفي بالانصياع لما يقال لها دون تفعيل أليات التحليل أو التمعن أو البحث، والغائبة المغيبة أيضاً تحت أقدام الحياة ومتطلباتها، شيء، لكن أن يروَّج من خلال سيناريوهات محبوكة وأبطال أصبح لأسمائهم أثراً لا يستهان به على الناس لإيديولوجيات ما؛ فيقلبون الحقائق أو يتلاعبون بها على هواهم، أو بشكل أدق، على هوى الحاكم، فهذا شيء آخر. أعمال درامية كثيرة لاقت رواجاً سواء في هذا العام أو في الأعوام المنصرمة، لكن تلك التي حظيت بالشهرة الأهم والدعاية الأكبر هي تلك التي استندت إلى جدار السياسة بمفهوميها المباشر أو المتواري، وقدمت الواقع بطريقتها المعتمدة على الخداع الفكري من خلال تصوير مايجري حقيقة مع قلب الأدوار أو اللعب بها عن طريق عرض حكايات تلمس وجدان المشاهدين و أحلامهم وتعزز في نفس الوقت الخطاب الإعلامي الحكومي، وأحياناً أخرى بقول كلمة حق يراد بها باطل.

باب الحارة: متابعة السقوط!

أعمال كثيرة يمكن أن نسلط عليها الضوء ونتابع الرؤى التي تسعى من خلالها إلى غسل أدمغة الشعوب التي يشكل التلفاز نافذتها الوحيدة على العالم في عصر غياب ثقافة الكتاب وتفوق الصورة. فمن "باب الحارة" الذي تابع سقوطه على مدى أجزائه الستة باحتراف منقطع النظير، ليتحول في جزئه السابع إلى مسلسل كرتون يحرص الصغار على متابعته بشغف، غير عابئين برسائله غير البريئة عن الغرام بيهود دمشق، والذي لم يستطع القائمون على صناعته حتى أن يرتقوا إلى إمكانيات فكرية وإبداعية تمكنهم من تسويق رسائلهم التي أصبح أقل ما يمكن أن توصف به في هذا العصر أنها ساذجة وكوميدية ولا تصل حتى إلى مستوى الزيف المتقن، مروراً بـمسلسل (ذهاب وعودة) للممثل أحمد السقا الذي احترف سينما الحركة وأطر نفسه من خلالها ليتحول إلى دراما من نفس النوع حيث أعاد كاتب المسلسل عصام يوسف ومخرجه أحمد شفيق العدو الإسرائيلي إلى الأذهان العربية خوفاً أو ربما رغبة في مساعدة "إسرائيل" على استعادة دورها الإقليمي كعدو مطلق يحتل الواجهة ويعيد للشعوب وعيها بعيد انقسامها بين مؤيد للأنظمة الحاكمة وعدو لها.

أستاذ ورئيس قسم: ثورة العسكر هي الحل!

أما عادل إمام الذي أغنى الكوميديا المصرية لسنوات طوال وطبع اسمه في عقول أجيال متعاقبة فقد أطل علينا في دوره كمدرس جامعي ثائر على كل شيء في "أستاذ ورئيس قسم" للكاتب يوسف معاطي والمخرج وائل إحسان. كوميديا سياسية هزيلة؛ سوّق في بدايتها لدور اليسار الآفل عارضاً أحداث ثورة يناير التي فشلت فعلاً ،لا للأسباب التي ذكرها، مسلطاً الضوء على كوارث مرحلة حكم الإخوان في مصر دون أن يوثق ماكان يجب عليه توثيقه من وجهة نظر سياسية رافضة لحكم الأحزاب الدينية كنت سأحترمها وأتبناها لو لم تكن جسراً للترويج للحل المطروح والمتفق عليه "ثورياً" من وجهة نظر فريق العمل طبعاً، في أن الحل في ثورة جديدة يقودها العسكر.

وفي نفس السياق يقدم مسلسل "الاكسلانس" والذي تم عرضه في العام الماضي للكاتب أيمن سلامة والمخرج وائل عبدالله ومن بطولة أحمد عز، وجهة النظر ذاتها عن مرحلة حكم الإخوان ولكن من خلال أسلوب مختلف هذه المرة حيث يقدم لنا طاقم العمل في طابع تشويقي حكاية رجل الأعمال الحيادي سياسياً الوطني حتى النخاع والذي يحارب جاهداً للوقوف في وجه المتنفذين من الإخوان الذين يسوقون لأنفسهم من خلال الدين ويحاولون استغلاله لتحقيق مآربهم في سرقة المال الخاص والعام إلى حد التورط بجرائم جنائية، مع الإشارة إلى التحالف بين الحزب الحاكم والحكومة الإيرانية بالحديث عن صفقات تجارية محددة، كما لم يغفل الكاتب عن الإشارة إلى العلاقات مع تركيا و حماس في مشاهد وضعت خصيصاً داخل النص لهذا الهدف. مفاهيم كان يمكن أن نعتد ونأخذ بها لو قدمت بطريقة أذكى ولو قاربت الحقيقة من جهاتها الأربع؛ لا من جهة واحدة وقعت بغبائها السياسي قرباناً لمحرقة أرادها العالم أن تجب ما قبلها في مصر.

عناية مشددة: لم يجرؤ على الإشارة للقتلة!

هذه الطريقة الساذجة تفاداها "عناية مشددة" الذي سأتحدث عنه بالتفصيل لاحقاً في مادة سأفردها له، لعلي وجيه كاتباً وأحمد إبراهيم أحمد مخرجاً، اللذين حاولا الوقوف على معاناة سوريي الداخل متجاوزين برأيهم خطوطاً حمراء أدت إلى احتجاز الرقابة العمل لفترة قبل أن تطلق سراحه وتسمح بعرضه في محاولة تسويقية للرسائل الكثيرة التي أرادها أولو الأمر أن تصل. ربما كان هذا العمل أكثر الأعمال الدرامية التي نتحدث عنها إتقاناً بحيث استطاع القفز على كل الحبال وخلط الروايات وتضليل العدالة الإنسانية خاصة لدى أولئك الذين يريدون أن يصدقوا أن هنالك أكثر مما يعرفون وأن الأوطان لا تموت وليست نتاج إيديولوجيات آيلة للسقوط. "عناية مشددة" أخرج السوريين من العناية المشددة ليرمي بجراحهم وويلاتهم على أرصفة الشوارع ولم يجرؤ على الإشارة إلى كل القتلة.

* يتبع غداً.. الجزء الثاني

التعليقات (1)

    الشاهد

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    كيف ننتظر دراما معبرة وراقية . ومعظم العاملين في قطاع الدراما هم شبيحة وشذاذ عالمهم السري سواء كانو مخرجين او ممثلين مليء بلفضائح والدعارة والعلاقات الزوجية الركيكة والخيانات .
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات