المسكوت عنه!
مؤلف الكتاب عالم الاجتماع الفرنسي "إيمانويل تود"، تجرأ على التغريد خارج السرب. حين أوضح أن شعار (أنا شارلي)، وما يُمثله من تعبئة سياسية ضد "الإرهاب الإسلامي". ما هو إلا التعبير الاجتماعي الصريح، الذي يكشف إصرار الطبقات الميسورة بالهيمنة على الدولة الفرنسية المُعاصرة، وعلى الأقليات التي تعيش فيها. مُذكراً بأن تلك القوى، التي تحمل خلفيات مسيحية "كاثوليكية" تقليدية، كانت ضد الثورة الفرنسية ومبادئها، بل مُعادية لها.
تلك التعبئة، التي وصفها تود "بالمسكوت عنها" سياسياً وثقافياً ونخبوياً في فرنسا، تُعتبر جوهر استغلال هذه القوى، للهجوم الإرهابي على صحيفة "شارلي ايبدو". وما تبعه من مظاهرات 11 كانون الثاني الماضي، التي غاب عنها الفقراء، ومهمشو الضواحي .
الباحث، ذهب في جرأته بعيداً. لما تساءل (بأي حق تُنادي تلك الحشود بحرية تشويه النبي محمد "ص"، في رسوم كاريكاتورية. وأي منطق هذا الذي صار يجعل من تشويه الإسلام والمسلمين حرية تعبير؟).
عُنصرية ومحاولات إذلال للمُسلمين!
يؤكد "تود" أن ما حصل من تحشيد للرأي العام ضد المُسلمين، يحمل "إحساساً بالتسامي الإنساني الفرنسي، و محاولة للتحقير من شأن المُسلمين". مُتهماً الفئات الميسورة باللجوء إلى "أولغارشية الحشود"، لتصنيع حق يحمل في طياته عنفاً اتجاه الغير، ومحاولة لتبريره.
بحسب الكاتب.استندت الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد "ص"، إلى مبدأ الحرية المُطلقة لأي شخص في رسم ما يُريد. وهو أي "الكاتب"
لا يزال يؤمن بالحق في انتقاد جميع الديانات. بيد أن قيادة تلك الفئة الميسورة والمُهيمنة على المجتمع بخلفياتها "الكاثوليكية"، وبالتحالف الموضوعي مع "العلمانية" المُتطرفة. إنما تُدافع عن حقها وحدها بالاستهزاء بمُعتقدات وقيم الفئات الأقل منها نفوذاً. ما يعني أن السخرية من الإسلام، ما هي إلا مُحاولة لإذلال الأقلية الأضعف في المجتمع. وبالتالي يُصبح الكاريكاتير جزء من عملية إضعاف، ومُحاصرة طبقة اجتماعية داخل فرنسا، وتنميطها بصفتها خطراً إرهابياً مُتحركاً، لا يجوز أن يتمتع بحقوق المواطنة.
تحالف "البصق"!
يتهم إيمانويل تود اليسار الحكومي، الذي قاد مُظاهرات 11 كانون الثاني 2015 ، بالوجه الآخر "لشارلي إيبدو، وأنه يُعبر عن يمينية اليسار المتطرفة، أكثر من اليمينيين أنفسهم. ثم يخلص إلى أنهم "عنصريون وإسلاموفوبيون"، مُصابون بهستيريا "اللائكية الجديدة".
المُفارقة، التي يرسمها الكاتب، تتمثل بتستر الطبقات الميسورة بشعارات "اللائكية"، رغم مُعاداة هذه الطبقات تاريخياً للثورة الفرنسية، في عملية تزييف تستهدف المُسلمين. وتمنح نفسها "حق البصق على دين الأقلية" وفقاً لتعبيره، بهدف ترسيخ الهيمنة القائمة.
رئيس الحكومة يرد!
بالمُقابل، اضطرت الحكومة الفرنسية إلى الرد على كتاب (من هو شارلي؟)، بشكل فوري.عبر مقال بقلم رئيسها "مانويل فالز"، نُشر في صحيفة "لوموند"، تحت عنوان (ضد التشاؤم الزائد والذين يريدون نسيان 11 يناير)، ينفي فيه اتهامات عالم الاجتماع "إيمانويل تود". بينما أعلن "لوران سوريسو" كبير محرري "شارلي ايبدو" ، عدم عودته إلى رسم النبي محمد "ص" بشكل كاريكاتوري مُجدداً، مؤكداً أنهم في الصحيفة الأسبوعية، لم يتعمدوا"البصق على دين الأقلية أو الهيمنة". مُشيراً إلى أن(ما قاموا به جاء لتأكيد الحرية برسم أي شيء يرغبون فيه).
التعليقات (6)