لكن بعيداً عن السياسة، كثير من الناس يخبئ في بيوتهم بقايا خردة، من براغي وأرجل كراسي مخلوعة إلى بعض قطع الكاوتشوك والبلاستيك ووصلات كهرباء بالية وغير ذلك، لوقت حاجة، والحاجة هنا باللهجة الدارجة لهكذا قطع بالية يسمونها "تسكيجة"، من باب "تمشاية الحال".
يزور الائتلاف موسكو بناء على دعوة روسية، عقب اجتماع الدوحة الذي ضم وزراء خارجية أمريكا وروسيا والسعودية، وكان قد سجل زيارة لكل من بوغدانوف والمعلم إلى طهران، ثم زيارة الأخير إلى عمان، إذاً هناك "تسكيجة" ما يجري البحث عنها، فإذا تقدمت إيران بتسكيجتها الصدئة، متمثلة بالمبادرة المعدلة، علينا أن نستذكر أن روسيا احتضنت مؤتمرين لمعارضة مفصلة على قياس الإدراك الروسي للسياسة، آخذين بالاعتبار أن بوتين الذي قدم من مخابئ المخابرات السوفيتية القديمة الصدئة، ليحرف مسار الديمقراطية التي كانت متوقعة في روسيا بعد تفكك الدكتاتورية السوفيتية، هو أيضاً كان يعتبر على سبيل المثال شخصية كقدري جميل، رجل روسيا في الحكومة السورية سابقاً وفي البرلمان.
وعندما يرد اسم قدري جميل ضمن لائحة المفصولين من البرلمان السوري، قد نتساءل هل يكون ذلك ترجمة لإزاحة الغطاء الروسي عنه مقابل شخصية أخرى، أم أنه العكس تماماً، حيث يتم الإعداد لتأهيله "كتسكيجة روسية" لمرحلة قادمة، فإن كنا ننام ونصحو منذ سنوات الثورة على أصوات موسيقية نشاز في السياسة الدولية، يتناوب على قيادة الاوركسترا فيها باراك اوباما وفلاديمير بوتين ومتعهد حفلاتهم ملالي طهران، وجمهورهم قادة أوربيون أخرجوا لنا بعبقريتهم الدولية وسيطاً بارداً كدي ميستورا، يكون من الطبيعي أن يرقص العرب على لعثمة جامعتهم بنبيلها العربي، مقابل دم حار في سوريا.
في سوريا التي أنجبت في منتصف القرن الماضي رجال دولة يحسبون كلماتهم بالحرف، ويدركون كيف يكون الشخص رجل دولة، اسمها سوريا، لا رجل مرتهن لدولة أو دول أخرى، من المؤلم أن نشاهد بعض المعارضة التي تطفو على السطح وتظن نفسها أنها تتحرك على قياس وطن، بينما هي تتحرك في فراغ باختلال توازن، والأمثلة كثيرة، ومن السهولة إيجاد "تسكيجة" يتمثل ظهورها بين الحين والآخر وهي تنقل من هذا الرف إلى ذاك بعد نفض الغبار عنها.
لكن من المعلوم أيضاً أن أرجل الكراسي المخلوعة أو القطع الصدئة التي تخبأ في البيوت لوقت حاجة، لا تصلح عندما يتم نفض البيوت من أساساتها وإعادة بنائها، وإذا كان البعض لا يدرك معنى ثورة، فلعلنا نذكرهم ببائع البقدونس أبو صبحي الدرة الذي أثق تماماً أنه أيضاً يخبئ الكثير من قطع الخردة ليوم حاجة، لكنه في حسه الوطني أنشد في الثورة وقال:
يافتية الشام للعلياء ثورتكم..
يدرك السوريون جيداً أن اجتماع الدوحة الأخير ودعوة روسيا للائتلاف لزيارتها، ليست تعاطفاً معهم ومع هذا النزف المستمر، ولا هي حالة إنسانية سقطت فجأة على سلاطين السياسة في زمن التسكيجة، بل هي حالة إسعاف أخيرة لنظام البراميل والكيمياوي متمثلاً ببشار الأسد، ويعي السوريون تماماً بتصريح أوباما للصحافيين أنه ربما إيران وروسيا بدأتا بالتخلي عن الأسد وهذا ما يفتح الباب للحل، فهذه الجملة تعني للسوريين أنهم كانوا على حق عندما قرؤوا سقف السياسة الأوبامية منذ أن استعمل الأسد الكيمياوي، فاعتبر أن النصر الدولي هو في الخلاص من السلاح الكيمياوي، متجاهلاً المجرم، تماماً هذا الأمر يطابق قرار مجلس الأمن الأخير الذي يتباهى المجتمع الدولي به حول تحديد هوية مستخدم السلاح الكيمياوي في سوريا، ناسياً أو متناسياً أنه سبق وأعلن ذلك الانتصار المزعوم بسحب السلاح الكيمياوي من يد المجرم، ليتحفونا "بتسكيجة" تحديد المستخدم، والتي ربما ستأخذ وقتاً لا ندري نهايته، ليكون استكمالاً لكل ما سبقه من مؤتمرات وتلاعباً بالعناوين.
بجميع الأحوال، ومهما كانت خفايا الرسائل التي ستقدم لوفد الائتلاف في موسكو، ومهما حمل اجتماع الدوحة في جعبته من تفاصيل لم تظهر، فإن السوريين على عتبات الانتصار، وما هذه المبادرات واللقاءات والتلميحات الروسية سوى عويل الأسد بصوت بوتين، أياً كانت التسكيجة التي سيقتروحونها من صندوق الخردة في الوقت الحالي، ليصار إلى رمي الصندوق بأكمله قريباً وإعلان الانتصار الحقيقي في بلاد دفعت الثمن غاليا لأجل حرية تليق بأسماء شهدائها.
التعليقات (3)