دمشق التي أوصدت أبوابها بوجه البعث!

دمشق التي أوصدت أبوابها بوجه البعث!
"دمشق أغلقت أبوابها ذات يوم في وجه الحزب والثورة" هذا ما ذكرته وثيقة داخلية لحزب البعث يرجع تاريخها إلى 1965، ولعل هذه الوثيقة تقصد في ذلك بالغالب موقف أهالي دمشق من انقلاب الثامن من آذار عام 1963، فبعد الانقلاب المشؤوم الذي كان بموضع المقتل للحياة السياسية السورية، توقفت نشاطات الحزب في دمشق بشكل شبه تام، فقد كان معظم قيادة فرع دمشق من غير الدمشقيين وهم ريفيون في الغالب، ممّا أدى إلى ركود نشاطات الحزب فيها، وكان ذلك يستوجب تحركاً من قبل قيادة البعث التي استبدلت في أوائل العام 1965 ثلاثة ريفيين من قيادة فرع دمشق بدمشقيين بقصد إعادة النشاط لفرع الحزب في عاصمة البلاد، محاولةً في الوقت عينه استقطاب أبناء دمشق للعمل في الحزب.

والآن ومع اقتراب الثوار شيئاً باتجاه دمشق، وأن كان بخطوات بطيئة ولكنها مستمرة ومتصاعدة، فكل مدينة تتحرر من قوات النظام هي خطوة باتجاه قصر المهاجرين فأن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما موقف أهالي دمشق من هؤلاء الثوار؟؟ دمشق التي كان النظام حريصاً على أن تكون تحت عباءته بأي ثمن، فمنذ بداية الثورة يمر أبناء المناطق الثائرة في سوريا، من دمشق كعابري سبيل باتجاه لبنان أو عائدين منه أو مقيمين لعدة أيام لتخليص أرواق أو معاملات مرتبطة بدوائر النظام أو كطلابٍ في جامعاتها، فيهولهم مقدار هدوئها مقارنةً بمناطقهم، كل شيء يسير برتابته المعهودة حتى يخيل للمرء أن واحداً من اثنين يعيش خارج الواقع أهل دمشق أو أهل الثورة، يحسّون بأن الشام قد أوصدت أبوابها بوجههم، بعض هؤلاء السوريين الثائرين يتحسر بسره على مدينته أو قريته المدمرة تحت القصف، والآخر يشعر بالخذلان والفشل ويتردد على لسان هذا السوري الجملة التي حرص النظام على أن يقولها أي سوري" مافي شي بالشام.. الحياة طبيعية".

أتذكر آخر المرات القلائل التي اتجهت بها إلى دمشق بعد الثورة كان النظام موجوداً بشوارعها، بشبيحته من سائقي التكاسي وأصحاب البسطات، صور بشار الأسد وحسن نصرلله بكل مكان فيها، يتحرش بك سائق التاكسي ليعرف ما هي توجهاتك, يشتم الثورة ويتفاخر بقتل الإرهابيين أمامك مراراً بقصد استفزازك، أحدهم قال لي عندما ركبت معه بسيارة الأجرة، وقبل أن أتحدث عن الوجهة التي أريد أن أذهب إليها : اذهب معك إلى أي مكان فقط لا تقول خذني إلى حرستا أو داريا، ويضيف: "ناس زعران هنيك"، لعلّه التشبيح الخالص هو ما دفع هذا السائق ليقول ما يقول .

ليس هذا السائق هو المؤيد "الشامي" الوحيد الذي شعر بالقرف من دخول المناطق المحررة حول دمشق, بل هو شعور جمعي لدى قسم واسع من المواليين نحو أبناء سورية الغرباء عن دمشق الأسد، الذين وصل بهم الأمر للقول بأنه "في حال تحررت هذه المناطق من الإرهابيين, فعلى القيادة الحكيمة أن تبني سوراً فاصلاً بين دمشق وهذه المناطق التي تحوي الحواضن الاجتماعية للإرهاب.

بالتأكيد لم يأت هذا الشعور من فراغ, فطوال خمسين سنة مضت أوجد النظام طبقة مؤيدة له ومدافعة عنه بشراسة، تكونت بالدرجة الأولى من رجال الأعمال والتجار الذين تقاطعت مصالحهم مع أجهزة النظام الأمنية والاقتصادية وضمت كذلك رجال دين، وخلال السنوات الأربع الأخيرة لحق بهذا الركب مجموعة كبيرة من "العقلاء" الذين لا يودون رؤية منظر الخراب الذي عم المدن السورية في مدينتهم أيضاً.

وأصبح الغرباء الذين أوصدت دمشق بوجههم يوماً يفرضون عليها اليوم الطريقة التي يجب أن تتعامل بها مع أبنائها السوريين الثائرين وهي النبذ، لم اكن أنا الذي أسبغ لقب الغرباء على البعثيين القادمين إلى دمشق على ظهور دباباتهم، سبقني منيف الرزاز وهو أحد قيادات البعث السابقين الذي عاصر صعود العسكر البعثيين حين قال : "إن انقلابات العسكر إبان الستينات لم تجلب سوى مزيد من الضباط الغرباء إلى القطعات العسكرية حول دمشق حاملين معهم لأهلها فقط الحقد والكراهية".

لم استطع أن أبقى طويلاً في دمشق ولم أتحمّل كل هذا الكم من التشبيح في شوارعها، أحسست أنني غريب عن دمشق وفيها، فقد سيطر علي شعور أن عاصمة الأمويين قد أدارت لي ظهر المجن، براياتها البعثية والمليشاوية الصفراء كذلك، وبصور سيد الوطن وسيد المقاومة، ولكنني وبعد خمس سنوات من الثورة مازلت مؤمناً بأننا سوف نعود لدمشق ولن تغلق الشام أبوابها بوجه أبنائها, وهي التي كانت ومازلت تغلق أبوابها بوجه البعث و ورثة انقلابه.

التعليقات (5)

    ابو عادل

    ·منذ 8 سنوات 9 أشهر
    يحق لنا أن نتساءل دوماً لماذا هؤلاء الضباط الغرباء وعائلاتهم.. يحملون لنا الحقد والكراهية؟؟؟ رغم اكرامنا لهم ؛ وعلى العكس من بقية السوريين والذين إن أتوا إلى دمشق يندمجوا بها ويتماهوا مع أهلها = هم أبناء بلد ؛ وأولئك أولاد الحقد والكراهية والحسد .

    احمد الدمشقي

    ·منذ 8 سنوات 9 أشهر
    اهل الشام الاصليين الموجودين بالشام بشكلوا اقل من ربع السكان الموجودين وشوفيرية التكاسي وبائعي البسطات معظمهم مو من الشام ان شاء الله ستعود شامنا الينا وهي تفتح حضنها لكل السوريين

    دمشقي

    ·منذ 8 سنوات 9 أشهر
    قال الكاتب الراحل سعد الله ونوس كان حلم الريفيين الذهاب إلى دمشق لكي يتمدنوا ولكن أتوا إلى دمشق وريفوها

    أبو عمر

    ·منذ 8 سنوات 9 أشهر
    البعث في سوريا ليس أكثر من ثور هائج في صالة تعج بالقطع الفنية التي لامثيل لها.

    دمشقي و افتخر

    ·منذ 8 سنوات 9 أشهر
    شوفير التكسي اخي مخابرات من عندهم , دمشق هي الريف الدمشقي 90 بلميه من ساكنين الشام غير دمشقيين بلاخص بعد الحرب , 90 بلمئه من اهل دمشق يسكنون بلريف بسبب غلاء اسعار العقار و استحواذ ايران على اغلب العقارات , دمشق هي جوبر هي ريف دمشق هي داريا ماذا تعلم عن دمشق غير شوفير التكسي القرد تعبهم ؟
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات