هذه المنطقة التي أطلق عليها اسم "منطقة آمنة"، جعلت جيش الفتح يتقدم في المناطق المتبقية تحت سيطرة جيش النظام في ريف جسر الشغور، والانطلاق لريف حماة، والسيطرة على محطة زيزون الحرارية، التي تعتبر المحطّة الأهم في هذه المنطقة، والتي تغذي مناطق واسعة بالكهرباء. لكن الغارات الكثيفة، التي تجاوز عددها المائة طلعة جوية، بحسب مصادر إعلامية، جعلت جيش الفتح يتراجع عن المحطة، ويعجز عن صدّ الهجوم العنيف الذي يحاول جيش النظام شنّه لاستعادة المناطق التي خسرها قبل أيام من خطاب الأسد، وبعده بأيام، والذي أسهب فيه عن القوة العسكرية لجيش النظام، معلّلاً الانسحاب من بعض المناطق بأنه جاء من أجل تعزيز قوة مناطق أخرى، غير أن هذا الهجوم صعقهم بقوة، ما جعل النظام يحاول بكل الأسلحة والوسائل، وقف تقدّم جيش الفتح في منطقة الغاب بوّابة الساحل، أو الدولة العلوية الافتراضية، فيما لو خسر حلب ووسط سورية..
أياً تكن التفاهمات التي يحاول البعض التكهن بها، والتي ربّما تخرج عن لقاء وزراء خارجية الولايات المتحدة، وروسيا، والسعودية، وغالباً ستكون اعتماداً على توصيات المبعوث الدولي لسوريا "ستافان دي ميستورا"، أي أن التوصيات ستكون حول حكومة توافقية مع بقاء الأسد لمحاربة الإرهاب، وتعويم النظام السوري، أو ربّما بقاء أركان النظام ورحيل الأسد بدون محاكمة دولية؛ أياً تكن هذه التفاهمات، فإن الوضع الميداني الأخير قد خلط الأوراق بطريقة بدا معها من الصعب فصل الملفات عن بعضها البعض، ولعلّ التدخل التركي في هذا الوقت بالذات، جاء ليقوم بهذه المهمة تفادياً لأية تسوية قد تبقي الأسد، وتعمل على تمدّد إيران في المنطقة، بعد تأكيد مسؤول إيراني أن الأسد خط أحمر، وبرّر تدخّل السعودية في اليمن على أنها العمق السعودي، والتدخّل في العراق بطلب من حكومة العبادي، خاصةً بعد الاتفاق النووي الذي بدأ يعمل على فتح ممرات واسعة بين إيران والغرب، وهو ما ترفضه تركيا والسعودية إلى الآن..
مازالت الولايات المتحدة متمسكة بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، واعتباره أولوية في الشرق الأوسط، إلا أن النوايا كانت واضحة في خطة التدريب لعشرات المقاتلين الذين تعهدوا بقتال تنظيم الدولة دون قتال قوات النظام السوري، وهو ما كانت ترفضه أنقرة جملة وتفصيلاً، والتفاهم الأخير الذي أجاز لتركيا فرض منطقة حظر جوي مؤقتة، واعتبرت أن العملية العسكرية موجّهة نحو ثلاثة منظمات إرهابية هي: (تنظيم الدولة – حزب العمال الكردستاني – الجبهة الشعبية الثورية)، والتي سيكون لها الكلمة الأولى في وضع استراتجيات الحرب ضد أعدائها، حيث أعلن البيت الأبيض أن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، ولتركيا الحق في حماية أمنها القومي، وبذلك تخلت الولايات المتحدة عن شريك هام يقاتل تنظيم الدولة في سوريا، مقابل دخول تركيا هذا التحالف، وفتح قاعدة أنجرليك أمام طائرات التحالف، ضدّ تنظيم الدولة، وهو ما سوف يجعل مهمة التحالف أكثر فعالية، خاصة وأن قاعدة النيتو في تركيا قريبة جداً، ويمكن تحديث خرائط الأهداف بسرعة أكبر، للقضاء على تجمعات التنظيم.
وعلى الرغم من عدم إدراج قتال النظام السوري ضمن القائمة، فقد وافقت تركيا على دخول التحالف، لسحب الذريعة من النظام السوري، وتعويمه كشريك في قتال داعش، وهو ما سيجعل قوات النظام تقع بين فكي كماشة: الأول قتال داعش الذي لابدّ منه، خاصة وأن تنظيم الدولة سيسعى للسيطرة على مناطق تعوّضه عن تلك التي سيخسرها في الشمال تحت ضربات التحالف وتركيا، وينتقل التنظيم والنظام من صفة الحلفاء غير المباشرين، إلى اشتباكات مباشرة، أما الثاني فهو تقدّم قوات المعارضة السورية التي ستحمي المنطقة الآمنة، والخالية من غدر تنظيم الدولة للمناطق المحررّة، ما سيجعلها قادرة على قتال قوات النظام وإخراجها من الشمال السوري بالكامل، والتقدم باتجاه الساحل، للقضاء على فكرة التقسيم التي يسعى لها النظام، بعد حديث الأسد في خطابه عن الانسحابات وعدم التقسيم.
على الرغم من التقدم الميداني لقوات المعارضة، إلا أن الحل السياسي الذي يبحث عنه الجميع يبقى أقوى الاحتمالات، دون تحديد هوية المنتصر والخاسر في هذه الحرب، وتبقى تركيا هي اللاعب الإقليمي الأقوى، بعد دخولها التحالف، فهي تريد منع تنظيم الدولة من التمدد، من خلال إبعاده عن حدودها، وقطع طرق الإمداد عليه، الذي لطالما اتهمت أنقرة بتغاضيها المتعمد عنه، بغية إدخال المتطرفين لسوريا، وتمويل معارك التنظيم، من خلال تهريب النفط السوري عبر أراضيها، وهو مؤشّر قد يضعف فعالية التنظيم، والتمدّد الذي اشتهر به، سيكون هذا على سبيل الهدية للولايات المتحدة، من أجل الحصول على موافقة الأخيرة بإنهاء الحلم الكردي بدولة قومية، والتي بدأت محاولاتها منذ مائة عام دون الوصول إلى هذا الحلم، بعد تخلي الولايات المتحدة عن الحليف الأكبر على الأرض، وهو قوات حماية الشعب الذي يقاتل تنظيم الدولة، ما يجعلهم خارج اللعبة في تقرير مستقبل سوريا، وإسقاط النظام السوري دون خرق للقانون الدولي، أو الاعتماد على قرار مجلس الأمن الذي سينتهي بالفيتو، وإنما بتقويض سيطرته على مناطق نفوذه في الساحل السوري، ومن المحتمل أن تكون هذه المعارك والتحركات قد بدأت بالفعل، في جبهة الساحل من جهة، وجبهة الغاب من جهة ثانية، للإطباق على القوات النظامية وقبول التسوية النهائية!
التعليقات (2)