ما وراء "تسريب" الخبر!
في السياسة، لاشك أن الزيارة تُدرج في خانة "المفاجآت". لكنها لا ترقى إلى مستوى "المستحيل"، كما حاولت صحيفة (الأخبار) تصويرها.. وهي تدس فبركاتها المضحكة في سياق الحديث عن الغزل بتحسن وضع جيش الأسد، إذ لا ثوابت في السياسة، بالتالي "لا مستحيلات" من أصله.
الحقيقة، أن أهمية الخبر ليست بالزيارة. بقدر ما هي في توقيت تسريبه، لصحيفتين عربية ودولية معاً. وكذلك خلفيات تسريب الخبر وأهدافه... عدا التوظيف النفسي، بهدف رفع معنويات مُريدي بشار الأسد، وإحباط الثائرين عليه. عبر التصوير بأن المجتمع الدولي أقر فعلاً "بأبدية" بقاء بشار على رأس السلطة في سوريا. عدا هذا، يهدف التسريب "المُزدوج" على ما يبدو، إلى محاولة قطع الطريق على مبادرة سياسية روسية، تبلورت فعلاً.
ملامح الحل "الوسطي"!
المُبادرة الروسية، تتكئ على جنيف1، مع تعديلات تتعلق ببقاء "بشار الأسد" خلال المرحلة الإنتقالية مُحدودة المدة، على رأس السلطة. وبمقدار الصلاحيات، التي يُمكن نقلها إلى هيئة الحكم الإنتقالي، التي يُفترض أن تضم أطرافاً من "المُعارضات"، وأشخاصاً محسوبين على الأسد، دون وجود إمكانية لأن يترشح الأخير لانتخابات الرئاسة. وهو ما تراه موسكو "حلاً وسطاً"، يراعي مُتطلبات عدم إسقاط "لنظام"، الذي تعتبره الإدارة الروسية أساساً لأي حل، ويُحقق أولوية واشنطن "بالحرب على داعش"، ويُهدأ من المخاوف الدولية، بأن يكون البديل "للأسد"، هو الجماعات المُتطرفة. خصوصاً مع تزايد عوارض "انهياره المفاجئ". كذلك يضمن أمن وحقوق الأقليات، و يلبي "طموحات"، غالبية السوريين "بالتغيير".
هذا "التصور الجديد" للحل السياسي "الوسطي". بدأ بحسب تسريبات صحفية "مُتطايقة"، أثناء زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو، خلال حزيران الماضي، ومهد لزيارة مملوك إلى الرياض. فيما تُشير مصادر خاصة "بأورينت نت"، أن الأمير محمد، ولإثبات عدم وجود نوايا سعودية بإسقاط "النظام"، اقترح على الرئيس الروسي، أن يُسمي بنفسه البديل عن بشار الأسد. لكن بوتين فضل استنباط "جنيف1 مُعدل" إن جاز التعبير، استناداً إلى فكرة تحالف "سوريا" والسعودية وتركيا والأردن لمواجهة "الإرهاب"، والتي وصفها وليد المعلم من موسكو نفسها "بالمُعجزة" مُستحيلة التنفيذ، في دلالة أولية واضحة، على الارتباك من المُقترح الروسي، غير المتوقع.
توافق دولي .. وتوقعات بانطلاق الحل قبل أيلول!
الظاهر، أن "التصور" المذكور، يلقى قبولاً لدى اللاعبين الكبار، وأولئك المؤثرين بالملف السوري. حيث أعلنت وزارة الخارجية الروسية أول أمس، أن لقاءً ثلاثياً يعقده لافروف في الدوحة "اليوم" ، مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير، لبحث تسوية الأزمة السورية، بالوسائل السلمية. إضافة إلى مواجهة داعش، وتنامي الإرهاب بالشرق الأوسط. فيما نقلت (العربية نت)، عن مصادر دبلوماسية روسية، أن المبادرة تحظى بدعم "سعودي – أمريكي"، وبتأييد من "نظام" الأسد، وأن مشاورات جرت بين "بوتين – أردوغان" في الأسابيع الماضية، ناقشت ضرورة بقاء "الأسد"، على رأس نظامه خلال "المرحلة الإنتقالية". لذلك يتمتع لقاء الدوحة بأهمية قصوى، على اعتبار أن من شأنه، وضع المبادرة حيز التنفيذ الواقعي، على حد تعبير (العربية نت). في السياق ذاته، لم يستبعد معاون وزير الخارجية الروسي ميخائيل بغدانوف، أن تُعقد مشاورات موسكو، في أيلول القادم، قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، مُرجحاً حضور واشنطن وديمستورا للاجتماعات.
روسيا المتوجسة من إيران!
هذا التحرك، لا ينطلق فقط من مخاوف روسيا، بشأن تمدد داعش، وإمكانية وصوله إلى حديقتها الخلفية في" الجمهوريات الإسلامية"، التي بلغ عدد المُقاتلين بصفوف الجماعات المٌتشددة، المُنحدرين منها نحو 2000 مقاتل. بل يتعداه إلى الشعور بفقدانها كامل نفوذها في سوريا، ومنها قاعدتها العسكرية البحرية الوحيدة بالمنطقة، لصالح طهران. التي باتت تسعى بشكل مُعلن إلى تقسيم سوريا لحسابها. وهو ما تُعارضه موسكو، التي أعلنت تمسكها بوحدة سوريا. في حين أن بشار الأسد، بات يتخبط في مواقفه من الحل السياسي"، حيث يرفضه نهائياً بخطابه الأخير فوق الطاولة"، بينما يُمرر قبوله تحتها. ذلك أنه لا يملك القدرة على الرفض المُعلن لحل سياسي تريده موسكو، التي تحتفظ في يدها، بمفتاح قرارات مجلس الأمن الدولي، المُلزمة تحت الفصل السابع. و بالمقابل،لا يملك قرار قبوله، والسير به جدياً. بعد أن رهن مصيره بين يدي طهران.
إيران ترفض المبادرة "الأسد أو لا أحد"!
طهران تلك، تعمدت استفزاز السعودية، بتسريبها وطريقة صياغتها لخبر زيارة علي مملوك للرياض. إذ فصلته على مقاسها "نصاً" أولاً، ثم تحليلاً، في جريدة (الأخبار) التابعة لها. التي اعتبرت أن "بشار الأسد نال كل شيء"، بصفته المستفيد الوحيد من الزيارة، وأن مفتاح الحل يبدأ "بمكافحة الإرهاب"، ووقف دعم السعودية بالسلاح لمن أسمتهم "بالإرهابيين" و "المعارضة المُصطنعة".
الصحيفة خلصت في تحليلها، إلى ما تريد إيران إيصاله عبرها، ويتركز بنقطة وحيدة مفادها، أن "التحالف السعودي – التركي – الأردني"، لن يكون إلا مع "الأسد تحديداً"، الأمر الذي من شأنه فسح المجال لاحقاً، للتوصل إلى تفاهمات إقليمية، في اليمن والبحرين والعراق. بل ذهبت الصحيفة إلى تكرار اعتبارها "الدائم"، أن اسقاط "بشار الأسد" أصبح من الماضي، بدليل ذهاب الرياض إلى التفاوض معه وجهاً لوجه دون وسطاء، رغم أن مملوك باعتراف الصحيفة نفسها، هو من توجه إلى الرياض، برعاية رئيس المخابرات الروسية، وبتدخل من الرئيس بوتين شخصياً.
ذات الشرط الإيراني، جاء على لسان علي ولايتي، مستشار خامنئي للشؤون الدولية، عندما شدد في لقاء بثته قناة الجزيرة الفضائية قبل أيام، على أن بشار الأسد، هو خط أحمر بالنسبة لإيران، ما دام على رأس السلطة. ولن يتبدل هذا الواقع. ويحصر الحل السياسي بالتفاوض المُباشر بين "الأسد ومُعارضيه"، بعد منع السلاح عنهم، وانسحاب جميع المقاتلين، من كافة الأطراف. بمعنى أن الولي الفقيه يرفض المبادرة الروسية.
المُثير، أن لافروف، وبحسب ما نقلته وكالة تاس" عن عضو بالوفد الروسي أمس. اختار أن يلتقي بالدوحة، على هامش المناقشات، بالشيخ معاذ الخطيب "دون سواه" من أطياف المٌعارضة بالداخل والخارج. والمعروف أن الخطيب، أعلن مراراً عدم معارضته، لمبدأ احتفاظ بشار الأسد بالسلطة.
التعليقات (30)