هل انطلقت "عاصفة الحزم" التركية المنتظرة؟!

هل انطلقت "عاصفة الحزم" التركية المنتظرة؟!
العملية العسكرية التركية في سوريا لم تكن مفاجئة لمن يتابع الشأن التركي، ففي نهايات عام 2013 بعد حادثة إسقاط الطائرة الحربية التركية من قبل النظام السوري قبالة المياه الإقليمية لسوريا، فوّض البرلمان التركي بالأغلبية المطلقة القوات المسلحة، إمكانية شن هجمات عسكرية وتخطي الحدود في حال تعرض هذه القوات أو الأراضي التركية للاعتداء.. ولكن لم تكن الظروف الدولية تسمح لتركيا في ذلك الوقت إستثمار هذا التفويض بالشكل الذي يحمي أمنها القومي، وحاولت مراراً تركيا الضغط على القوى الإقليمية والدولية من أجل إنشاء قوة عسكرية تكون هدفها إسقاط النظام ومحاربة تنظيم الدولة معاً ، على إعتبار أن إستمرار النظام بما وصلت إليه من الوحشية والهمجية من إستهدافها للمدنيين والمدن السورية ، يجعل بشكل أو بآخر الأرض السورية خصبة لنمو واستقطاب الجماعات المتطرفة التي تتغذى إيديولوجياً على المظلومية والإقتتال الطائفي والمذهبي الذي تشجعها النظام بكافه الوسائل الممكنة التي لديه.

بعد "عاصفة الحزم" التي بدأتها السعودية ضد الحوثيين في اليمن دون الموافقة الأميركية، كان هناك إحساس في تركيا بإمكانية إطلاق عاصفة حزم مماثلة في سوريا بالتعاون مع دول الخليج العربي والأردن لإسقاط النظام السوري ومحاربة التنظيمات التي تشكل خطراً عليها.. لأن إستمرار الحرب في سوريا وسقوط هذا العدد الهائل من الضحابا نتيجة القصف الهمجي من قبل النظام ، ونشوء تنظيمات متطرفة يهدد أمن كل دول المنطقة وليست تركيا وحدها.

لماذا قرر الاتراك دخول الحرب في سوريا لوحدهم وفي هذا الوقت بالذات؟

أعتقد أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لاتخاذ الأتراك قرار الحرب والدخول في مواجهة مع تنظيم الدولة وتنظيم الـ(بي كي كي) وحلفائه في ســـوريا

السبب الأول:

تآخر دول الخليج في الاستجابة في الموضوع السوري بسبب إطالة أمد الحرب في اليمن ، فالأولوية الخليجية كانت منصبة على نزع الورقة اليمنية من يد إيران وبالتالي حماية الحدود الجنوبية للخليج التي تحتل بالنسبة لها أهمية إستراتيجية تفوق بأهميتها أي موضوع آخر. في الوقت الذي بدأت تركيا تعاني من قسوة الآثار السلبية للحرب في سوريا، ووصلت لمرحلة لم تستطع فيها من تحمل المزيد من اللاجئين الذين يتدفقون إلى أراضيها تحت وطأة القصف المدمر من قبل النظام السوري وسياسة التهجير التي تتبعها تنظيمي داعش ووحدات حماية الشعب الكردية PYD .

السبب الثاني:

هو فشل عملية السلام مع الأكراد بعد أن وصلت المباحثات إلى المرحلة النهائية وهروب حزب ديمقراطية الشعوب الكردية وقيادات تنظيم البي كي كي من تحمل السمؤولية والإيفاء بوعودهم التي قطعوها للحكومة وللشعب التركي، بنزع أسلحة الجناح العسكري للتنظيمات الكردية ، والإنخراط في العملية السياسية في تركيا، وكان السبب الرئيسي لفشل عملية السلام وتردد التنظيمات الكردية بنزع السلاح هو نجاح الفرع السوري لها، حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالسيطرة على المناطق الشمالية من سوريا ، بدعم من قوات التحالف ومن أميركا بالتحديد ، وهذه التطورات في الشمال السوري أنعشت آمال التنظيمات الكردية بإمكانية تاسيس دولة كردية، وأن هناك دعم دولي يمكنهم من تحقيق هذا الحلم، وهذا ما أدى لرفع سقف المطالب الكردية في الداخل التركي، وشن عمليات عسكرية تجاه الجيش والشرطة والمشاريع العامة التي تنفذها الحكومة التركية في مدن جنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية ، بقصد منع نشوء تيار سياسي أو شعبي مضاد لتنظيم البي كي كي الذي يتغذى إيديولوجياً على مبدأ المظلومية التاريخية الذي وقع بحق الكرد من قبل الأتراك والعرب في المنطقة، وأن أي عملية سياسية أو رفاه إقتصادي في هذه المدن يعيد للكرد حقوقهم الوطنية والقومية والإقتصادية يسحب ورقة المشروعية لنضال تنظيم البي كي كي في تركيا ، وهذا من نجح في تحقيقه حكومة حزب العدالة والتنمية، وهذا ما لم يرده التنظيم.

السبب الثالث:

توقيع اتفاقية البرنامج النووي الإيراني، ونجاح الإيرانيين بشكل أو بآخر في تمرير البرنامج النووي والتخلص من العقوبات الدولية ، وعملياً إيران هي الدولة الإقليمية الوحيدة التي تنافس تركيا في المنطقة ، وقد خبر الأتراك الإيرانيين في العراق ، قبل إنطلاق الثورة السورية وتدخلهم السافر إلى جانب النظام في سبيل وأد الثورة السورية ، فالإيرانين كانوا دائماً يعرقلون تقارب الحكومة العراقية مع تركيا ، في الوقت الذي تحولت فيه تركيا إلى بوابة إقليمية لتصدير النفط والغاز المنتج في المنطقة عبر أراضيها ، يقف الإيرانيين بقوة ضد تحول تركيا إلى بلد تتحكم بخطوط الطاقة ، ولا بل أن طارق الهاشمي الذي كان الحليف الأول لتركيا ، أبعد من المشهد السياسي العراقي عن طريق المالكي بإتهامه بعدد من التهم الباطلة بإيعاذ من إيران ، و لعل الملفت للنظر أن من أهم المعارضين لإقامة المنطقة الآمنة في الشمال السوري هم الإيرانيين وإسرائيل ، لأن هذه المنطقة في حال تحققها سيقطع الطريق أمام مخططات إقامة الدولة الكردية الذي تسعى إيران في المستقبل بتصدير النفط والغاز عن طريق هذه الدولة وإضعاف الدور التركي بالتعاون مع القوى المتضررة من تحول تركيا إلى قوة إقتصادية وسياسية وعسكرية مهمة في المنطقة وعلى رأسها الولايات المتحدة وألمانيا وإسرائيل.

ان التطورات الأخيرة في الشمال السوري تندرج ضمن هذا السياق فمن جهة تستميت داعش للسيطرة على المناطق التي تحت سيطرة الثوار ، في منطقة مارع وإعزاز ، ومن جهة ثانية النظام وبدعم من الحرس الثوري الإيراني تحاولان السيطرة على جبل التركمان في اللاذقية ، لأن اية دولة كردية لا تصل إلى البحر يولد ميتاً كما قال مسعود البرزاني . فالعملية العسكرية يهدف إلى إعادة تموضع تركيا في الملف السوري كقوة لا يمكن تجاهلها في إتفاقيات تحديد مصير سوريا في المستقبل بين القوى العظمى والإقليمية.

ماهي حدود التدخل العسكري التركي وآليات هذا التدخل وشركائه؟!

اعلنت تركيا أنها لن تتوغل في سوريا عن طريق القوات البرية ، ولكنها حشدت قواتها البرية بالشكل الذي يمكنها من الإستجابة السريعة لدرء مخاطر اي طارئ غير محسوب ، وهناك وحدة عسكرية خاصة من نخبة الكومندوس موزعة على حدود منطقتي جرابلس والراعي ، مهمتها تنفيذ عمليات عسكرية خاطفة داخل الحدود السورية في حال فشل القوات الجوية أو المدفعية من تنفيذ المهام الموكلة لها ، وقد نفذت هذه الوحدة آولى عملياتها في قرية عياشة عندما لاحقت مجموعة مسلحة من داعش دخلت القرية هرباً من الإشتياك الذي حصل على الحدود السورية التركية في تلك المنطقة بعد حادثة مقتل رقيب تركي وقتل جميع الدواعش على يد هذه الوحدة الخاصة .

المنطقة المستهدفة من التدخل العسكري تبدأ من حدود مدينة جرابلس ( غرب نهر الفرات ) وحتى حدود إعزاز بطول 110 كم وبعمق 45 كم بالشكل الذي يضم كل المناطق التركمانية والعربية المعرضة لخطر التهجير والقصف.

بعد بدء العمليات العسكرية التركية في سوريا ، نشأت الظروف التي سرعت عملية الإتفاق الأميركي التركي وبالتالي فتح القواعد الجوية التركية أمام طيران التحالف التي تقصف مواقع داعش في سوريا، وحسب هذا الإتفاق ستسمح تركيا لأميركيا بإستخدام قاعدة إنجرليك في أضنة وقواعد آخرى عند الضرورة منها قاعدة ملاطية ودياربكر العسكريتين ، في المقابل تتعهد أميركا لتركيا بالعمل على حماية مصالح الأمن القومي لتركيا في سوريا وعدم الضرر بها، أثناء تنفيذ العمليات العسكرية ضد داعش أي ألا يكون التعاون مع وحدات الحماية الشعبية الكردية على حساب المصالح التركية . وإدراكاً من تركيا بأنها بحاجة إلى قوة عسكرية على الأرض في سوريا تكون رديفاً لها لتحقيق أهدافها التي هي لصالح الثورة السورية، طالبت الولايات المتحدة بتسريع برنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة، وكذلك دعم وتشجيع تشكيل جيش تركماني موحد في الشمال السوري.

ولكي تعطي التدخل العسكري التركي نتائجها بسرعة على الأرض بدأت الطائرات التركية بتقديم الدعم الجوي لقوات المعارضة السورية ، تلك التي تقاتل داعش في الشمال، حيث إستهدفت الغارات الجوية خلال اليوميين الماضيين المواقع الأمامية المتقدمة لتنظيم داعش في قرى حوار كلس والصوران وطقلي ويني يابان ، مفسحة المجال أمام الثوار لإحراز تقدم ميداني ودحر تنظيم داعش من المناطق التي تسيطر عليها بقوة عسكرية أقل من تلك التي حشدتها، وبالتالي إعطاء فرصة مثالية للثوار لسحب مقاتليهم من تلك الجبهة وزجهم في معارك تحرير حلب وسهل الغاب والساحل ، قد لا تستهدف تركيا جيش النظام السوري بشكل مباشر ولكن إنعكاسات التدخل العسكري التركي في سوريا بالتأكيد سوف تنعكس سلباً على قوات النظام والقوى المتحالفة معها ، وتسرع من عملية إسقاط النظام السوري وإلحاق الهزيمة العسكرية بها.

إذاً...

تركيا ومعها سوريا والمنطقة تدخل في مرحلة جديدة، أصبح فيها للثوار السوريين قوة عسكرية داعمة تملك سلاح الجو، مما يمكنها من تحقيق مكاسب سريعة على الأرض وتشكيل منطقة آمنة محمية من طيران وصواريخ النظام، ولتكون هذه المنطقة بمثابة قاعدة للإنطلاق لتحقيق مزيداً من المكاسب في معركة تحرير سوريا من النظام المجرم وأعوانه.

* رئيس اللجنة الإعلامية في المجلس التركماني السوري – وعضو لجنة العلاقات الخارجية في المجلس

التعليقات (5)

    صالح

    ·منذ 8 سنوات 9 أشهر
    وهل اخذث تركيا صوء الاخضر من اسرائيل وامريكا لتعصف بالشعب الكردي.

    حمصي فهمان

    ·منذ 8 سنوات 9 أشهر
    اعتقد ان الأكراد اخر من يتكلم عن امريكا واسرائيل..انظر فوقك سترى الطائرات الأمريكية

    كردي 1

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    امنياتنا ان يصبح للاخوة التركمان جيش قادر على مقاتلة داعش و ليدعمهم في ذلك من يشاء و ليحموا مناطقهم فنحن الكرد لا نريد دولة و لا نقاتل حبا بالقتال و يا ليت الاخوة العرب كمان يعملوا جيش و يحرروا المناطق الواقعة على حدود المناطق الكردية و نضمن بذلك امن كل المواطنين من التكفيريين و الارهابيين الذين ارسلهم اردوغان الى سوريا و بالنسبة لخطوط النفط الايرانية و العراقية ضمن كردستان سوريا الموجودة في خيال اردوغان لو كان هناك هكذا مشاريع لكان ساعدهم بشار و حافظ الاسد و لما انتظروا لحين تشكيل دولة كردية

    كردي 2

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    من ناحية اخرى حتى لو اتصلت عفرين بكوباني فالدولة الكردية المفترضة لن تصل الى البحر الا اذا احتل الاكراد جزء من اقليم هاتاي و لا اعرف اذا هناك مختل يتصور ذلك او اخذ المناطق السورية الموجودة تحت سيطرة النظام و المعارضة اما فيما يتعلق بالجانب التركي و من على حق و من على باطل يا ليت تخليها للداخل التركي و لا تكن ملكيا اكثر من الملك و بالنسبة للثورة السورية تعيش انت على كل المكونات السورية حماية مناطقها و ادارتها الى ان يفرجها الله و عدم الرهان على الكاذبين اصحاب الخطوط الحمر الوهمية المدعوسة

    علي

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    والله لن تنطلق ولن تكون هناك عاصفة حزم ضد الاسد لانة من حماية حدود اسرائيل ل اربعين عام لن يقدر ان يرحل الا بموافقة اسرائيل ولو ارادو اسقاط النضام لاسقطو من اليوم الاول اليمن خلال اربع وعشرين ساعة دخل التحالف الاجواء اليمنية(((حسبنا الله على الكاذبين والمتامرين على الدم السوري)
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات