قرر "أبو جورج" الخروج من سوريا في شهر كانون الثاني يناير من العام الجاري، نتيجة الأجواء غير الآمنة كما يقول، وقد اتفق مع مهرّب لإيصاله من دمشق إلى هاتاي في تركيا مقابل 1500 دولار أمريكي، حيث مكث فترة في تركيا وأخرج جواز سفر سوري بشكل غير نظامي مقابل 3500 دولار، وعمل هناك في مجال ترميم الآثار (يحمل شهادة جامعية بتخصص الآثار والمتحاف)، ليقرر بعد ذلك المغادرة إلى اليونان واضعاً هولندا هدفاً للجوء.
غرق (البلم) وكوارث أخرى!
استمرت رحلة أبو جورج في "البلم" لثلاث ساعات ونصف من أزمير إلى اليونان وقبل الوصول إلى الشاطئ غرق البلم وفقد معظم المهاجرين أغراضهم وأموالهم، وفي اليونان قام خفر السواحل بإجلائهم ونقلهم إلى جزيرة عسكرية ليبقوا هناك 10 أيام، ثم توجهوا إلى أثينا، وكان ينوي أبو جورج تقديم اللجوء باليونان في بادء الأمر ولكن نصحية محامية بألا يفعل جعلته يغضّ النظر.
من هناك، توجه أبو جورج برفقة شبان سوريين نحو مقدونيا وقطعوا أكثر من 30 كلم في الغابات، وبعد رحلةٍ قاسية وصلوا صربيا وأقاموا في مسجد على الحدود، وعن ذلك يقول: "قبل أن ندخل المسجد خلعت الصليب المعلق في رقبتي، علماً أن مسيحيين أفارقة أبقوا الصلبان في رقابهم ولم يكن هناك أية مشكلة، وقد تعامل معنا إمام الجامع بمنتهى الإنسانية والأخلاق والتعاطف".
بعد مغادرتهم القرية الحدودية، تعرض البعض لعمليات سلب وتشليح من قبل عصابات مقدونية تقوم بخداع اللاجئين بأنها ستقلهم في سيارات، فتقوم بسرقتهم في أماكن خالية، بعد المكوث لأيام في العاصمة الصربية بلغراد، غادر أبو جورج ورفاقه إلى هنغاريا، حيث احتجزتهم الشرطة الحدودية في أحد المراكز الأمنية بمدينة "سجد"، ليخوض هناك تجرية مريرة لا تزال آثارها القاسية باقية حتى الآن، نفسياً وجسدياً، أبطالها رجال شرطة هنغاريين ومترجم عراقي، يصفه أبو جورج بأنه "شخص قذر وسيء بلا أخلاق ولا رحمة".
يتساءل "أبو جورج" في ختام حديثه عن دور الحكومات الأوربية، التي تزعم أنها تقف إلى جانب الإنسان وحقوقه، في ما يتعلّق بالانتهاكات التي يتعرّض لها اللاجؤون، وأبدى استعداده تقديم كافة الأدلة التي تثبت ما تعرّض له من قبل الشرطة الهنغارية، وإخضاعه إلى فحص الطبيب الشرعي، وينتظر أبو جورج الحصول على الإقامة الألمانية حتى رفع دعوى عبر المحاكم المدنية.
هذا ما جرى لي مع الأمن الهنغاري!
يروي "أبو جورج" ما حدث معه في المركز الأمني في هنغاريا: "بعد تجمعنا في المركز قاموا بتوزيعنا على غرف صغيرة، بحيث انفصلنا عن بعضنا، وبعد وقت قصير نادوني وأعطوني أوراق حتى أوقع عليها بحضور مترجم عراقي، فقلت لهم أنا لا أعرف ماذا تحوي هذه الأوراق وأرفض التوقيع، فصفعني المترجم على وجهي، ولم أستطع السكوت على إهانتني، لا يحق لأحد أن يغلط بحقي مهما كانت ظروفي مأساوية".
بقي أبو جورج مصراً على رفض التوقيع وإجراء البصمة الجنائية، فهددون بالسجن وقاموا بزجّه في الغرفة نفسها التي وضعوه فيها سابقاً وأطفؤا الأنوار. يتابع: "سمعت صراخاً شديداً وعرفت أن الآخرين يتعرضون للضرب حتى يبصموا، وقد تبيّن لاحقاً أن البصمة ستدخل على الماكينة الالكترونية، الموصولة بنظام واحد في دول اتفاقية دبلن، وكأننا طلبنا اللجوء في هذا البلد."
مستطرداً: "أدركت أنني مقبلٌ على لحظات عصيبة، لإجباري على البصم، ولكني قررت تحمّل كل شيء، فلدي تجربة سابقة في سجون النظام السوري.. بعد ذلك نقلوني إلى غرفة أخرى تشبه غرف التحقيق والتعذيب، وطلبوا منّي خلع ثيابي كاملة وأن أدور وجهي نحو الحائط، ثمّ فجأة ألقوا بي على طاولة صغيرة وأمسكوا يدي من الخلف، وقاموا بصفعي على مؤخرتي بما يشبه المداعبة الجنسية!."
يكمل أبو جورج سرد ما حدث في تلك اللحظات العصيبة: "صرت أصرخ وأبكي وأشتمهم والعراقي يترجم لهم كل ما أقوله، فيتصاعد غضبهم وعنفهم أكثر، ثم صاروا يدخلون أصابعهم في مؤخرتي بعد أن كانوا قد ارتدوا كفوفاً، وأنا أزداد صراخاً وبكاءاً، من الألم والإهانة البشعة التي أتعرّض لها".
لم يستمر الأمر طويلاً، ولكن أبو جورج شعر اللحظات وكأنها ساعات، يقول: "بعد ما أوقفوا حفلة التعذيب قال لي المترجم: كلما عاندت ورفضت ستطول فترة تعذيبك، وأنا أكيل له ولهم الشتائم، حيث شعرت بنزيف في مؤخرتي بسبب حدوث تمزقات، وقد حدث معي تبوّل لا إرادي في تلك اللحظة، كما أنّ الآلام لا تزال موجودة حتى اليوم، نتيجة قيامهم بإدخال أصابعهم بشكل عنيف، والضغط على البروستات بشكل لا يمكن تحّمله!".
ليست الحادثة الوحيدة!
يكمل أبو جورج وصف تجربته المؤلمة: "بعد ذلك التعذيب وافقت أن أبصم وأوقع على أية أوراق، دون أن أدري ما هي.. كنت مستعداً للتوقيع على أي شيء، المهم أن ينتهي الإذلال الذي أتعرّض له".
يعتقد أبو جورج أن حادثته ليست الوحيدة، بل هناك آخرون تعرضوا للأمر ذاته ولكنهم لا يملكون الجرأة للحديث عن ذلك، إلا أنّه قرر كشف هذه الجريمة التي لا يجوز السكوت عنها، على حدّ قوله.
يعيش أبو جورج بكلية واحدة من1 15 عاماً، وقد كان برفقته في مركز الأمن الهنغاري أحد أصدقائه الذي يعيش أيضاً بكلية واحدة تبرّعت والدته بها، ولذلك يحتاج إلى تناول دواء خاص بشكل يومي حتى تبقى الكلية على توافق مع الجسم، حيث بقي الشاب لمدّة أسبوع دون دواء والعناية الإلهية أنقذته من الموت، خاصةً في ظل تقصير طبي عانوا منه رغم مطالباتهم من الطبيب بالدواء، والذي لم يقم بفحصهما حتّى.. وقد دفع وضعهما الصحي مركز الشرطة إلى تركرهما يغادران، بعد مصادرة كل ما يحملانه من أوراق وأشياء خاصة، ونقلوا بعدها إلى مخيّم صغير، بقيوا فيه أياماً ثم توجهوا إلى ألمانيا حيث يقيمون هناك حالياً.
نوال صوفي: يجب توثيق هذه الانتهاكات ورفع دعاوى في المحاكم الأوربية
استطاعت (أورينت نت) رصد هذه القصة الإنسانية، من خلال الناشطة الإيطاليا من أصل مغربي نوال صوفي، والتي تحدّثت عن نصائح توجهها إلى كل اللاجئين المتوجهين إلى أوربا، حيث قالت: "على كل شخص القيام بتوثيق أي انتهاكات يتعرض لها وعدم السكوت عنها تحت أي حجة، ويجب رفع دعاوى في محاكم الدولة التي يستقرّ بها اللاجئ، أو عبر المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، ويفضل أن يكون المحامي ذو تجربة في هذه القضايا."
وكانت الناشطة نوال قد قامت بتوثيق ما يقارب 250 ملف عن انتهاكات تعرَض لها اللاجؤون في دول عديدة مروا فيها، حيث ستقوم برفع دعاوى عن طريق أحد المحامين كان يتولّى قضية رفعت على إيطاليا بسبب إعادتها عشرات اللاجئين من البحر إلى ليبيا.
وقالت نوال في هذا الصدد: "هناك قرار في إيطاليا يمنح الشرطة كافة الصلاحيات لإجبار اللاجئ على "البصمة" حتى لو باستخدام العنف، ونحن سنستخدم هذه الورقة التي يتضمنّها القانون لأنها تخالف أساساً القانون الداخلي في إيطاليا وتخالف كذلك المواثيق الأوربية المتعلقة بحقوق الإنسان، كما أنّ اللاجئين يتعرضون في هنغاريا لانتهاكات شديدة، ولا يجب السكوت عنها بأي حال".
التعليقات (29)