من جهة أخرى وُفق بشار الأسد والمافيا التي يديرها، بخلو المنظومة الدولية من رجال سياسة يتمتعون بالحس الإنساني الذي ينبغي أن يكون عليه رجل الدولة، فاستطاع أن يوظفهم كوزراء خارجية لديه لا لدى دولهم، بداية من لافروف الروسي إلى كيري الأميركي مرورا بالقارة الجارة أوربا، فالتصريحات المتكررة والمتناقضة لوزراء خارجية دول أوربا، قد يختصرها تصريح الوزير البريطاني "هاموند" يوم الثلاثاء 22-7 -2015 أن بلاده "لا تريد إسقاط نظام بشار الأسد"، هذا التصريح ليس بجديد من الديبلوماسية الدولية، لكنه يوصف حالة وظيفية لهذا النوع من الوزراء ولما يمثلون من سياسات، أقل ما يمكن وصفها بأنها سياسة حرب معلنة ضد شعب أعزل.
لا يخفى على أحد كيف سعى الأسد خلال الثورة للاستثمار في مؤسسات تحسين الصورة الإعلامية لنظامه لدى الغرب، ولا يخفى على أحد بالمقابل أن بعض من انخرط بالثورة استنزف وقته بالعمل على تدعيم التشرذم، فتحول جزء كبير من المعارضين إلى متصيدي عثرات لبعضهم البعض، وساعدوا بتحجيم الحس الجمعي السوري بسبب خطابات غير مسؤولة أمام الله والتاريخ والشعب، فقاموا بتشظية ما شظاه الأسد وحكمه أصلا طيلة عقود، إذ عمد على تغريب المجتمع السوري عن بعضه دينيا وقوميا وجغرافيا وطبقيا وبين مدينة وريف وما إلى ذلك.
نسطيع بالمقابل القول، إن تصريح وزير الخارجية البريطاني أو غيره من وزراء خارجية دول كبرى، هو مباركة كاملة وتسويق منمق لكل جرائم النظام بحق السوريين، حتى وإن كان يتبع كل تصريح عادة جملة تقول برغبة المجتمع الدولي بحصول تغيير سياسي ديموقراطي لا مستقبل فيه للأسد، يواجه داعش والتطرف، برغم ذلك يمكننا توجيه اتهام لهؤلاء الذين تصح عليهم تسمية وزراء خارجية الأسد، أنهم داعمي إرهاب منظم، لأنه لا يوجد عاقل على وجه المعمورة لا يدرك أن الأسد ومن خلفه ساسة إيران هم رعاة ومنظمو الإرهاب بالشرق الأوسط والعالم، وهذا ليس اتهاما مفبركا لهم، بل عندما تصلهم صور كل ما ارتكبته هذه العصابات، ويتعاملون معها كمعرض تشكيلي، فهذا يدل على استهتار متعمد للحياة الإنسانية وكرامة البشر، يتطابق مع ما تعامل به شبيحة الأسد مع تلك الصور.
إن التدقيق في الكلمات الديبلوماسية الدولية، سنجد أنه وبقصد لا يخلو من الخبث، هي مبنية على خطط وضعت مسبقاً بخطوطها العريضة، بغية إيصال الشعب السوري إلى مرحلة من اليأس والتباكي على ماض فقده ولن يعود، خطط رسمت بمهارة اللصوص الذين يتقنون فن التسلل لسرقة أحلام الناس أو مقتنياتها.
تبحث تلك الديبلوماسية المغلفة بخداع البراءة، عن سبل إعطاء صيغة قانونية لنظام غير قانوني وتعتبره مقررا، وترمي تضحيات مئات ألوف السوريين لتحرير وطنهم من هذه العصابة خلف ظهرها، لتكرس ما فعله نظام الأسد الطائفي بتمزيق الجسد السوري إلى حالة يمكن القبول بها حسب اعتقادها، وذلك عبر أفكار تشير أن أصحابها تخرجوا من المدرسة المافياوية ذاتها، التي التهمت لحم السوريين الحي وإن تكلموا بلغات مختلفة.
وعليه فإن الأفق الواضح من العمل السياسي الدولي اتجاه ما يجري بسوريا، هو البحث عن حل أقل من مفهوم الوطنية المتعارف عليها دوليا لشكل الأوطان، وربما يتم التأسيسس لجرح جديد في كيان لا وطني، تدفع ثمنه شعوب المنطقة لعقود قادمة، حيث استطاع الأسد كسب الوقت خلال سنوات الثورة من خلال مبعوثين دوليين يعملون بالبزنس السياسي لا بأخلاق القانون، ليهدم القيم المجتمعية، ويؤسس لحرب طائفية تلائم فقط العقلية الفارسية والصهيونية لتتابع الاستثمار فيها.
ومن باب العدل أيضاً، لا بد من القول إن هذه الثورة الشعبية التي حاولوا إنهاكها، قد أنهكتهم جميعاً وبقيت متنامية، وإن من وضعوا أنفسهم في خانة العداوة مع تطلعات الشعوب، مكاسبهم ليست سوى وهم غير قابلة للحياة إلا على سيروم إنعاش، كما فعلت مع نظام الأسد، وتعلم الديبلوماسية الدولية غير الأخلاقية تلك أن تجزئة الحلول في دولة ما هو القضاء على عصب الدولة الأساسي ونسيجها، وهي تقوم بذلك من خلال دعاية رخيصة حتى وإن كان آخرها اتهام المنظمة الدولية للأسد باستعمال البراميل العشوائية، هذا الاتهام الهزيل الذي جاء بعد أن أنهى الأسد قتل وتدمير مدن بأكملها، ويماثله أيضاً الطلب الأميركي الروسي بتحديد الطرف المسؤول عن استعمال غاز الكلور.
ولكن السؤال يبقى لرجال الديبلوماسية أولئك: هل طلب منكم الشعب السوري إذنا عندما ثار على أعتى نظام أمني بالعالم وحشره في السراديب، بالتأكيد لا، وبالتأكيد على الجميع قراءة ما تعنيه كلمة ثورة شعبية، والتي تنطبق على الثورة السورية بكل تفاصيلها، ليدركوا أن الثورة ستنتصر، عاجلا أم آجلا.
التعليقات (1)