إزالة القلق!
فقد كشفت هيئة التخطيط والتعاون الدولي التابعة للنظام السوري أن الخطوة الأولى لانضمام سوريا إلى الاتحاد الأوراسي ستكون من خلال التوقيع على إتفاقية التجارة الحرة بين سوريا ودول الإتحاد وفق الآلية الإجرائية المتبعة لدى الإتحاد.
وكانت صحيفة (الثورة) التابعة للنظام، والصادرة بتاريخ 17/11/2014 قد نشرت تفاصيل الخطوات التي يتخذها النظام للانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي المؤلف من ثلاث دول من مخلفات الاتحاد السوفيتي وهي روسيا الاتحادية وروسيا البيضاء ((بيلاروسيا)) وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان ، وذكرت الصحيفة بأن آراء اقتصاديي النظام تؤكد مصلحة الاقتصاد السوري في هذا الإنضمام، لأن المنتجات في كل من سوريا وروسيا الاتحادية وروسيا البيضاء وكازاخستان متكاملة وغير متنافسة، الأمر الذي سيزيل الكثير من القلق جراء المخاطر التي تحمل فكرة الانضمام إلى المناطق الحرة، والاتحادات الجمركية في العالم!
تلميع الفكرة!
وكعادة رجال الأعمال الذين صنعهم النظام على مدار خمسين عاماً بدأ هؤلاء الرجال بتلميع فكرة انضمام سوريا لهذا الإتحاد حيث عبر رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها عن أهمية انضمام سوريا إلى هذا الاتحاد الجمركي معللاُ ذلك بأن دول الإتحاد هي دول صديقة وداعمة لسوريا، وستفتح أسواقها الكبيرة وخاصة أسواق روسيا الإتحادية، وأن هذا الإنضمام سيساهم في دعم الصناعة السورية. لتبقَ قادرة على المنافسة في أسواق دول الإتحاد.
وقبل البدء بتفنيد صحافة النظام وكشف الغاية السياسية للإنضمام لهذا الإتحاد البعيد كل البعد عن المصلحة الإقتصادية يجب بيان ماهية هذا الإتحاد وما هي طبيعة الأنظمة السياسية للدول المنطوية فيه.
في الأول من كانون الثاني عام 2010 قام الاتحاد الجمركي بين روسيا الإتحادية وروسيا البيضاء (بيلاروسيا) وكازاخستان وانضمت لاحقاً كل من طاجيكستان وقرغيزستان وذلك بفكرة من رئيس الوزراء روسيا حينذاك "بوتين" ديكتاتور روسيا ليكون هذا الاتحاد خطوة أولى في طريق تشكيل تحالف مشابه للإتحاد الأوربي في جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق. وطبعاً نظراً للطبيعة الديكتاتورية الموروثة من الحقبة السوفيتية وافق كل من دكتاتور روسيا البيضاء "ألكسندر لوكاشينكو" المتمسك بالسلطة منذ عام 1991 أي منذ استقلال البلاد عن الإتحاد السوفيتي ودكتاتور كازاخستان "نور سلطان نزار باييف" وهو أيضاُ مثل رئيس روسيا البيضاء الرئيس الأوحد منذ استقلال كازاخستان عن الإتحاد السوفيتي عام 1991.
الضربة الأولى التي تلقاها الاتحاد!
وقد كانت فكرة "بوتين" بأنه لغاية عام 2015 سيتحول هذا الاتحاد الجمركي لاتحاد اقتصادي متكامل، بعد انضمام دول الإتحاد السوفيتي السابق له، ولكن لم تجرِ حسابات "بوتين" كما خطط لها، فقد تلقى هذا الاتحاد الضربة الأولى والقاضية عندما رفض الشعب الأوكراني اقتراح رئيسه السابق "فيكتور يانوكوفيتش" الذي رفض الانضمام للإتحاد الأوربي ووافق على الإنضمام لهذا الإتحاد الأوراسي، فانتفض الشعب الأوكراني في وجهه وأسقطه لينهي بذلك حلم "بوتين" في إقامة هذا الإتحاد. واقتصر الإتحاد على الدول الثلاثة الموقعة عليه.
أما عن الفائدة الإقتصادية التي يروج لها النظام السوري ورجاله من الإنضمام لهذا الاتحاد كبديل عن الإنضمام لإتفاقية اقتصادية مع الإتحاد الأوربي، فإن الأرقام الإحصائية تبين بأن هذا الإتحاد – طبعاً في حال استمر بعد الرفض الأوكراني – هو اتحاد هش بالنسبة للتعامل التجاري بين دوله وسوريا.
بالنسبة للسوق الواسعة التي يمتلكه هذا الإتحاد كما يروج النظام السوري فإن عدد سكان دول الإتحاد الأوراسي يبلغ حوالي /168.8/ مليون نسمة أي حوالي ثلث عدد سكان دول الإتحاد الأوربي والبالغ حوالي /501/ مليون نسمة، وبذلك يكون حجم هذا السوق الأوراسي ثلث حجم السوق الأوربي.
بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي (GDP) فإنه يبلغ لدول الإتحاد الأوراسي حسب تقديرات البنك الدولي /2.89/ ترليون دولار أمريكي (1 ترليون يساوي 1000 مليار)، وتستحوذ روسيا الإتحادية على نسبة /89.27/ % من إجمالي الناتج المحلي لمجموع دول الإتحاد، وبالمقابل فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول الإتحاد الأوربي (حسب نفس المصدر) /18.46/ ترليون دولار أمريكي.
أما عن التبادل التجاري بين سوريا ودول الاتحاد الأوراسي ومقارنتها بدول الاتحاد الأوربي، فيجب العودة لخلاصة التجارة الخارجية التي يصدرها المكتب المركزي للإحصاء التابع للنظام السوري، ونظراً لتوقف المكتب عن نشر أخبار الإقتصاد السوري منذ انطلاق الثورة السورية فسنبين إحصائيات عام 2011.
بلغت إجمالي صادرات سوريا لدول الاتحاد الأوراسي /2570/ مليون ليرة سورية احتلت روسيا الإتحادية المرتبة الأولى بنسبة بلغت /69.8/ % من مجمل صادرات سوريا لدول الاتحاد، وشكلت صادرات سوريا لدول الإتحاد مجتمعة نسبة /0.51/% من إجمالي الصادرات السورية، يقابل ذلك /201424/ مليون ليرة سورية صادرات سوريا لدول الاتحاد الأوربي أي بنسبة بلغت /39.9/ % من إجمالي الصادرات السورية.
الجدوى الاقتصادية!
أما بالنسبة للواردات فقد بلغت واردات سوريا من دول الاتحاد الأوراسي /77838/ مليون ليرة سورية، وأيضاً احتلت روسيا الاتحادية المرتبة الأولى بنسبة بلغت /98/ % من مجمل واردات سوريا من دول الاتحاد، وشكلت واردات سوريا لدول الإتحاد مجتمعة نسبة /8.07/ % من إجمالي الواردات السورية، يقابل ذلك /270420/ مليون ليرة سورية واردات سوريا من الاتحاد الأوربي، أي بنسبة بلغت /28.2/ % من إجمالي واردات سوريا.
وباستعراض تلك الأرقام يتبين بأن الجدوى الاقتصادية لانضمام سوريا لاإتحاد الأوراسي لا تقارن بجدوى الإنضمام للشراكة مع أوربا وطبعاً بغض النظر عن موضوع جودة المنتجات الأوربية والشفافية والمصداقية التي تتحلى بها الدول الأوربية.
مفاوضات لاستقطاب الآنظمة الديكتاتورية!
فمن الواضح إذاُ أن الدّافع الحقيقي للنظام السوري للهرولة وراء هذا الاتحاد هو دّافع سياسي بامتياز، وينحصر ذلك بتبادل المصالح السياسية بين النظامين السوري والروسي. فمن ناحية النظام الروسي كان لا بد من دعم هذا الاتحاد بتوسيعه ليصبح على غرار الإتحاد الأوربي وخاصة بعد الضربة الأوكرانية، وفي هذا الصدد فقد نُشرت وكالة الأنباء الروسية "نوفوستي" أنباء عن مفاوضات تجري بين الاتحاد الأوراسي وكلاً من "فيتنام" و"كوريا الشمالية" للانضمام لهذا الإتحاد (ومن المعروف الطبيعة الديكتاتورية لهاتين الدولتين)، أما بالنسبة للنظام السوري فله هدفان من هذا الانضمام:
- الهدف الأول: هو دعم حليفه رئيس النظام الروسي "بوتين" في الوقوف في وجه أوربا ولا سيما وإن هذا الحليف لم يتوقف عن دعم النظام السوري بشتى أنواع الأسلحة التي تفتك بالشعب السوري منذ أكثر من أربع سنوات ونصف، وبذلك يضمن النظام السوري استمرار تدفق تلك الأسلحة والمعونات العسكرية.
- الهدف الثاني: هو المحاولات المستميتة من قبل النظام السوري لفك عزلته السياسية التي وضع نفسه بها بسبب القمع الوحشي للثورة السورية، وبالنسبة للنظام السوري ليس هناك أفضل من دول هذا الإتحاد للإنضمام لها في تحالف اقتصادي ذو خلفية سياسية فهذه الدول التي تقمع شعوبها لن تفرض على النظام السوري أي شروط تتعلق بموضوع الشفافية والحريات وحقوق الإنسان والديموقراطية، لأنها هي لا تتمتع بالأصل بتلك المعايير الدولية، على عكس دول الإتحاد الأوربي التي تضع مثل هذه الشروط على أي دولة تفكر بأن تنضم اقتصادياً لها .
من يعترف بهذه الاتفاقات؟!
وبالنهاية لابد من التأكيد على أن الشعب السوري عند انتصار ثورته التي باتت قاب قوسين أو أدنى؛ فلن يعترف بشرعية تلك الاتفاقيات، التي أُبرمت مع الذين شاركوا بسفك دمه، وعلى رجال القانون السوريون الشرفاء الذين اختاروا أن يقفوا مع ثورة الكرامة، أن يباشروا بتحضير الملفات والوثائق التي تفند هذه الاتفاقيات التي وقعها النظام السوري بعد فقدانه للشرعية منذ أول رصاصة أُطلقت على متظاهري درعا، لا بل يجب تحضير الملفات الجنائية التي تتهم هذه الدول بالمشاركة المباشرة بقتل الشعب السوري عبر طائرات وصواريخ وذخائر تم تصنيعها في معامل الموت في تلك الدول.
التعليقات (6)