"بلد للبيع".. بادر قبل نفاد الكمية!

"بلد للبيع".. بادر قبل نفاد الكمية!
في أداء تمثيلي فاشل، خرج بشار الأسد بخطاب على مؤيديه ومعارضيه، من قصر الشعب الذي بات المكان الوحيد الذي يستطيع الظهور فيه، وهي المرة الأولى، التي يظهر فيها بشكل علني، بعد أدائه خطاب القسم للولاية الدستورية الثالثة أمام أعضاء مجلس "الشعب"؛ في هذه المرة كانت مهمة الأسد سهلة وصعبة في ذات الوقت: سهلة لأنه يقرأ كلمة كُتبت له ليقرأها أمام الحضور، ولإرسال رسائل عدة إلى المجتمع الدولي، ومعارضيه ودول الإقليم، ومهمة صعبة لأنه سيقرّ، شاء أم أبى، أنه لم يعد رئيساً، وإنما قائد مليشيا، لا أكثر، يعمل لصالح داعم استجداه بشكل علني، بعد توقيع اتفاق فيينا، حيث استعطف المرشد الإيراني لاستمرار الدعم من أجل إتمام حربه على الشعب السوري، الذي سيثبت في نفس الخطاب، أن هذا الشعب لم يعد جزءاً من تركيبة البلد!

كانت إيحاءات الترسيّم من أجل العمل على التقسيم واضحة في خطابه، من خلال الحديث المستمر عن وهم التقسيم، وأنّ كل منطقة في سورية هي منطقة مهمة، ولكن لكلّ منطقة خصوصية، وحصة كلّ سوري هي كل سورية، وأنّ المحرقة آتية مع التقسيم، حيث يفسّر مفهوم السوري الذي له حصة في هذا البلد.

أمّا مرسوم العفو الأخير، فكان بطلب من المنشقين عن جيش النظام للعودة إليه، مع إعفائهم من التبعات القانونية، لأن هذا الجيش قد "بدأ يشعر بالتعب بسبب القتال المستمر لقوى الإرهاب"، حيث أقرّ بهزائم هذا الجيش، معللاً انسحابه من عدة مناطق بأنها لا تشكل مناطق إستراتيجية له أو أنها لا تعنيه في عملية التقسيم التي يحاول إعادة رسمها، فسورية ليست لحاملي جنسيتها، وإنما لأولئك المدافعين عنها، مشيراً إلى أنّه "ليس لديه مقاتلين إيرانيين، وإنما خبراء"، وهو ما يعطي فكرة واضحة عمّن يقود العمليات العسكرية في سورية، عندما يتخلى من يعتبر نفسه رئيساً عن مسؤولياته!

لعلّ أمراء الحرب الثلاثة الأكثر نفوذاً في سورية ( الأسد – البغدادي – الجولاني )، لديهم نظرة واحدة حول الغرباء الذين دخلوا سورية بطريقة أو أخرى، من خلال مفهوم نصرة المظلوم تارة، وإعادة حكم الله، وحماية المقدسات الوهمية، تارة أخرى، فكلّ من هؤلاء الثلاثة يعتبر أن الغريب الذي يقاتل في سورية هو صاحب الحق الأول فيها مستقبلاً، على اعتبار أن الأرض لمن يحررّها، وليس لأهل البلد، ففي لقاء زعيم جبهة النصرة، أو تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام "أبو محمد الجولاني" مع "أحمد منصور"، مقدم البرامج في قناة الجزيرة القطرية، يؤكد الأول على حق المهاجرين في حكم البلد، وأن لهم ما للسوريين، وعليهم ما على السوريين، وهو ما يتجلى في تنصيب أمراء التنظيم من الغرباء، أو من يدعون بالمهاجرين، وتصل به الأمور إلى حدّ القول: "الغرباء خط أحمر..دونه دماؤنا".

كذلك لم يخرج تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"،عن هذه المعادلة الغريبة التي ترسم ملامح حكم الغرباء لسورية، من خلال فكرة مفادها أنّ "قتال المرتدين أولى من قتال النظام النصيري" بحسب أدبياتهم، وأنّ كل من لا يدخل في البيعة للخليفة يعتبر مرتداً، ومن دخل فهو أقل شأناً من الأمير المهاجر الذي اتى من أصقاع الأرض!

ويحاول الأسد أن يحاكي هذه الفكرة عند التنظيمات المتطرفة، خاصة وأنّه أثبت أنه الأكثر تطرفا بينهم، وقد استقدم كل المليشيات الطائفية، بينها ما هو على قوائم الإرهاب للدفاع عنه ضد الشعب السوري، ويمنح هؤلاء الطائفيين ذات التطمينات، بأنهم الأحق بسورية، بحكم أنهم حملوا السلاح ودافعوا عنها، قاصداً بكلامه هذا المليشيات الشيعية التي استقدمها، في غمز إلى أن دمشق "الأموية" باتت لهم لأنهم أثبتوا أنهم سوريين أكثر من أهلها، وأنّ لهم الحق بكل بيوتها ومقدساتها، وقد بدأ هذا البيع العلني بشكل فعلي، من خلال المخططات التنظيمية لكفر سوسة، ومناطق من داريا، حيث تم تثبيت ملكيتها للمالكين الجدد، بحسب كلامه عن الجانب الاقتصادي لسورية، وهو بذلك يريد أن يوجه رسالة لمؤيديه فحواها "إن كنتم تريدون البقاء في سورية، فعليكم بحمل السلاح والدفاع عني، وإلا فلستم سوريين"!

من الواضح والجليّ أن هذا الخطاب إنما هو إعلان مزايدة، واستدراج عروض لمن يدفع أكثر، فهو طرح عروض للمنشقين العسكريين للعودة والدفاع عن كرسيه والحصول على مكتسبات وربما عبر "التعفيش" والنهب، وطرح عرضاً آخر لكل الطائفيين في العالم ليأتوا إلى سورية، فهم سيصبحون سوريين بمجرد حمل السلاح ضد السوريين الأصليين، أو ضدّ من يقاتل على الأرض السورية ليكون سورياً، أما العرض الثالث الذي طرحه، فهو التوافق السياسي لحل الأزمة، معبراً عن ذلك برفضه للحل السياسي، لكنه مع أي مبادرة تنهي الأزمة ضمن المسار السياسي الذي يبقيه على رأس السلطة، وإن لم يقلها صراحة، فهو بهذا التناقض يرضي الإيرانيين، الحكام الفعليين لمناطق النظام، والروس حلفاء السياسة والمصالح، وكذلك المجتمع الدولي من أجل إتمام الصفقة عبر شراء الوقت الكافي لتدمير البلد وتقسيمه، أما العرض الأخير، والأهم، فهو لدول الإقليم التي يحاول إغراءها باحتلال بعض المناطق في شمال سورية وجنوبها، بعد الحديث عن انسحابات وتدخّلات مباشرة من تركيا في إدلب، وبسبب انعدام الأهمية الإستراتيجية لهذه المناطق، دون التطرق إلى ما قيل أنه إنذار لكل طائرة تدخل الأجواء السورية، عبر إعلامه الرسمي في إشارة إلى قرار أنقرة، بفرض منطقة آمنة بين جرابلس ومارع، بعمق 50 كم، وتوغّل إسرائيل في مناطق القنيطرة، وتوسع تنظيم الدولة الإسلامية، ومن يدفع يتمّم الصفقة بالكامل..

على الرغم من كل هذا التهريج في خطابه، الذي أكد أنه لن يستطيع من خلاله إعطاء أمل بالبقاء لمؤيديه، إلا انه تأكيد جديد للشعب السوري، الذي خرج ومازال يطالب بإسقاطه، أنه لا يزال في مكانه بسبب هزالة المعارضة الخارجية التي كان فسادها أكثر من عملها على إسقاطه، أو أن إسقاطه هو إعلان مباشر لسقوطهم، وهذا ما جعله يضحك بطريقته البلهاء المعتادة!

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات