هذه "المناطق المُفيدة"، أو "سوريا المُفيدة". تمتد على شكل قوس من دمشق إلى القلمون، مروراً بحمص، ومناطق في حماة، وصولاً إلى طرطوس واللاذقية.
مثلث الجنوب.. بداية النهاية!
لم تكن الخطة (ب) سراً. بل جرى التمهيد لها إعلامياً، منذ شهور طويلة. بيد أن تنفيذها ارتبط بمجموعة ظروف اقليمية، وداخلية. منها محاولة ضم ما أُطلق عليه "مثلث الجنوب" في درعا والجولان إلى تلك الخطة. على أمل تعزيز أوراق إيران كلاعب إقليمي ضامن لأمن "إسرائيل"، وضاغط على أمن الخليج عبر الأردن. لكن المحاولة اصطدمت بفيتو"سعودي – أردني – قطري" شرس، لم يكن متوقعاً. رغم مشاركة الآلاف من الميلشيات الشيعية، خصوصاً الأفغانية، إلى جانب جيش الأسد. بإشراف علني من قيادات في الحرس الثوري.
تلك المشاركة الكثيفة، لجماعات إيران المذهبية، غابت تماماً عن معارك الشمال في إدلب. بعد أيام قليلة من معارك الجنوب، حيث تُرك جيش الأسد، وقوات دفاعه "الوطنية" وحيدة. لتنهار أمام ضربات مُقاتلي المعارضة، الذين توحدوا تحت مظلة "جيش الفتح"، بإسناد "لوجستي" تركي.
تركيا تحرق ورقة الإرهابي صالح مسلم!
عموماً، الخطة (ب) هي قرار إيراني، لا يملك بشار الأسد "شرف" رفضه أو قبوله. مهمتها، تأمين خطوط الإمداد اللازمة لحزب الله. مع محاولة طهران ربط "سوريتها المفيدة" "بعراقها" عبر البادية، وهو ما تحاول انجازه من خلال السيطرة على الأنبار، واستعادة تدمر في مرحلة لاحقة. وبذلك تكون ضمنت لمستعمرتها العراقية منفذاً على البحر المتوسط. وليس بعيداً عن أحلامها المستقبلية، مد أنبوب غاز من إيران إلى العراق، مروراً "ببحر سورية المُفيدة"، وصولاً إلى أوروبا.
كان بحسابات طهران، أن يتمكن الإرهابي صالح مسلم من إقامة "كانتونه" الإنفصالي، عبر الربط بين إداراته المركزية الثلاث في شمال سوريا، وشمالها الشرقي. مما يُسهل على بشار الأسد إقامة "دويلته". كما كانت تتمنى، أن تنزلق تركيا إلى فخ الإغراء، بمد نفوذها داخل حلب وإدلب، مقابل السماح بتقسيم سوريا. لكن موقف أنقرة الحازم، بمنع إقامة كانتون كردي على حدودها الجنوبية، وضع مخطط طهران في مهب الريح.
بشار الهارب يدوس الأقليات!
كل ثرثرة الأسد المُتلفزة، لا قيمة لها. بقايا جيشه أكثر من منهارة، ومعها الميليشيا الشيعية المذهبية المُتحالفة، والتي سيقتصر دورها، على حماية "دويلة الأسد المُفيدة" للولي الفقيه. طبعاً خارجها نبل والزهراء، اللتين ذكرهما بالاسم، ومعهما حلب، ودير الزور.
السويداء، بدورها خارج الحسابات. إلا إذا دفعت بأبنائها للانخراط بجيشه "كل شخص يدافع عن بيته وحارته وقريته"، بمعنى تحقيق المناطق، لما يٌعرف "بالأمن الذاتي"، مع إعلان الولاء له، مقابل مدها بالسلاح.
ليست السويداء وحدها المعنية بخطاب بشار، إنما مدن، ومناطق مسيحية، وإسماعيلية ، وفوقها علوية. لن يتمكن الأسد وميليشياته من تأمين الحماية لها، حتى لو كانت ضمن "الدويلة الموعودة"، وعليها أن تتدبر أمرها "منها الرجال ومن إيران الشقيقة السلاح".
توطين شيعي على الطريقة الإسرائيلية!
ما فعله بشار الأسد هو إعلان مُبطن عن ولادة قيصرية "لدويلة" استيطانية، عمادها توطين المرتزقة من المقاتلين الشيعة، على ما يبدو. لذا أبتكر سابقة "تليق فيه". مفادها (الوطن ليس لمن يسكن فيه وليس لمن يحمل جواز سفره أو جنسيته الوطن هو لمن يدافع عنه ويحميه). ثم ليعلن بشكل موارب، أن المخططات التنظيمية لمناطق اسكان هؤلاء المرتزقة، في المناطق الثائرة التي هجر أبنائها عقاباً على رفضهم الدفاع عنه بصفته "الوطن"، في حيي الفاروق والمصطفى بدمشق - كفر سوسة، وداريا "بحال اقتحامها" وكذلك في أحياء بابا عمر، والسلطانية وجوبر بحمص. تماماً على الطريقة "الإسرائيلية" بتوطين اليهود بدلاُ من الفلسطينين.
تساقط الخطوط الحمراء!
لا غرابة بإعلان إيران عن إقامة "المُحافظة 35" على لسان بشار. دون استكمال مستلزماتها، سواء التطهير الطائفي، أو التمشيط العسكري بحسم معارك الزبداني والقلمون، وغيرها على طريق "سوريا المُفيدة". إذ تُدرك طهران أن "اتفاقها النووي" سيشعل الجبهات السورية، ويُجبرها على تركيز كامل قواها بمناطق استراتيجية مُحددة مُسبقاً. لكن الواضح أن الخطوط الدولية الحمراء، التي كانت تُعول عليها، ستتساقط تباعاً. خصوصاً بعد إعلان بشار الأسد رفضه الحل السياسي. ما يعني ترجيح العمل العسكري، الذي يفتح الباب لاسقاط "الفيتو الدولي"، عن الاقتراب من مناطق الأقليات، تحديداُ العلوية والشيعية منها. وهو ما حدث فعلاً باستهداف القرداحة، وقصف نبل والزهراء، مع استمرار ضمان عدم الانجرار إلى مذابح بحق سكانها. وليس مُستبعداُ الإعلان قريباً، عن منطقة آمنة في الجنوب على الحدود الأردنية، فور استكمال تحرير مدينة درعا. ولن تبقى دمشق ذاتها محمية "بالخط الأحمر"، لفترة طويلة.
الوصاية والصبي!
الواقع، لا أمل لبشار، بالجلوس على كرسي "دويلة" غير قابلة للحياة. مرفوضة دولياً حتى من موسكو، التي باتت مصالحها بتناقض صارخ مع طهران في سوريا. عدا رفض غالبية السوريين، بمن فيهم أكثرية العلويين لفكرة التقسيم. بل ربما يُفسر خطاب بشار المفاجئ ، السبب الخفي خلف اعتقال اللواء ذو الهمة شاليش عيسى، ابن عمته، ومرافقه الشخصي، والمسؤول الأول عن أمنه. إذ من المستحيل والمضحك، أن يتم اعتقاله على خلفية " صفقات فساد"، مهما بلغت قيمتها المالية في "دولة المافيا".
لا شك، أن "الأسد" سيمنح فرصة أخيرة للذهاب إلى طاولة تفاوض جدي. لكن من يضمن أن ترفع طهران وصايتها عن "الصبي"، دون أن تقبض أثماناً محرزة، لا تستحقها.
التعليقات (38)