الشبيحة يهتفون: طز فيكي حرية!
بدأت حكاية الاعتقال الثالث لصخر في مظاهرة طلابية بجامعة دمشق في تشرين الثاني 2011، حيث جوبه ورفاقه بعنف شديد من قبل شبيحة الجامعة بتحريض من رئيس اتحاد الطلبة "عمار ساعاتي"، ويقول صخر: "كان الشبيحة يحاولون تفريق المظاهرة بالهراوات والعصي الكهربائية، فقررت تصوير وحشيتهم ونقلها لاحقاً إلى وسائل الإعلام، وما أن ارتفعت يدي حاملة هاتفي حتى هجم علي عددٌ منهم وألقوا بي أرضاً وانهالوا عليّ بالضرب".
استطاع صخر الإفلات من أيدي الشبيحة بمساعدة طالبة شجاعة كانت في المظاهرة: "لازلت أذكر كيف هجمت عليهم ورمت أحدهم أرضاً حتى تحررت واستطعت الفرار، وحتى الآن لا أعرف من تكون تلك الطالبة!".
نظّم باقي الطلاب اعتصاماً أمام اتحدا الطلبة مطالبن بالإفراج عن زملائهم، فعاود الشبيحة الهجوم وصمد الطلاب بالرغم من قلّة عددهم وأوجعوا بعض الشبيحة ضرباً.. يستدرك صخر: "لكنّ الكثرة غلبت الشجاعة واستطاعوا تفريق الاعتصام من جديد، ثم انطلقوا بمسيرة وصاروا يهتفون (طز فيكي حرية .. اللي ما بشارك أمو رقاصة)!.. وبينما يهتفون للأسد يأتي صوتنا صادحاً (يلعن روحو يلعن روحو).
في خضم الاشتباك تعرضت بعض الطالبات للاعتقال، وابتعد صخر برفقة زميلة له فلحقهما الشبيحة محاولين القبض على الفتاة فدفعهم (صخر) وطلب منها الهروب، فوقع بقبضتهم وساقوه إلى مبنى يتحجزون فيه الكثير من الطلبة.
وحشية أستاذ جامعي
يكمل سرد حكايته: "عرف المحققون بعد التقصي عن اسمي أنني اعتقلت سابقاً مرتين، وهنا صبّوا جام غضبهم علي وبدؤوا باستجوابي عن اسم زميلتي وكأنها هي من باعت الجولان، فمارست دور الغبي ولم يصلوا معي لأي نتيجة، وحضر لاحقاً أستاذ جامعي، قام أول ما رآني بصفعي وبصق في وجهي وركلني برجله وبدأ بإهانتي مستخدماً ألفاظ بذيئة، ولم يكتفي بذلك بل رمى بي أرضاً وتعامل معي كأني (كيس ملاكمة)".
كل هذا العنف من أجل أن يعترف صخر باسم الطالبة، يصرخ الأستاذ الجامعي بأعلى صوته "يا كلب يا واطي اعترف باسم الطالبة اعترف أنك كنت بالمظاهرة ".. بينما بقي صخر صامداً حتى فقدوا الأمل منه.
يتابع صخر: "بعد أن يئس الأستاذ الجامعي صاح بالشبيحة خذوه إلى محرس الجامعة، وقالو لي اعترف أنك كنت في المظاهرة لنخلي سبيلك، فرفضت وقلت لهم: إذا كنت في المظاهرة تطلقون سراحي، وإذا لم أتظاهر تعتقلوني.. ومرت الساعات بالضرب والشتائم للأم والأخت وللذات الإلهية".
لحظات لا تنسى في المخابرات الجوية!
بعد ذلك تم نقل صخر إلى المخابرات الجوية في حرستا ليقضي هناك فترة اعتقاله، كانت لحظة دخوله، لحظة لم ينسها في حياته:
"فتت انرعبت أول لحظة.. كان في شي عشرين معتقل بالممر بكلاسينهن عم ينضربوا من سجانين بالكبلات بلا رحمة.. وصوت صياحهن معبي الدنيا. طبعا أول ما فتت شالولي الطماشات من شان شوف هالشوفة.. لأعرف إني رح آكل هوا"
يذكر (صخر) كيف ألقوا به في المنفردة بعد تفتيشه وسرقة قميصه الداخلي:
فتشوني كان معي فاتورة بشراء مكبرات صوت... بس كونها انكليزي ما فهما. الفلاشة اللي عليها أغاني القاشوش خبيتا بالصوفاية بغرفة رئيس اتحاد الطلبة. شلحوني اواعيي.. أخذو بروتيلي وفوتوني عالمنفردة"
مفاجأة في الزنزانة
وهناك كانت المفاجأة، حيث التقى بأحد أصدقائه المعتقلين، فتعانقا بحرارة، الأمر الذي أثار دهشة حراس السجن".
يقول (صخر) وهو يستذكر تلك اللحظة: "لقاء ماهر أنساني العذاب كلّه .. وأول ما جلسنا أخبرته كيف اقتحم الأمن منزل عائلته فبدأ بالبكاء خوفاً على والده ووالدته، وهنا أدركت الخطأ الذي وقعت به، فحاولت تغيير الموضوع وذكرت له المواقف الشجاعة لأصدقائه في غيابه".
انضمّ صخر إلى ثمانية أشخاص في المنفردة، وعلى الرغم من أن ضيق المكان لا يسمح للجميع أن يناموا في الوقت نفسه، لكنّهم سمحوا للضيف "المعتقل" الجديد بالنوم طوال الليل، بينما يتناوب السجناء في الأيام العادية على النوم والجلوس والوقوف.
خبز وملح... وأشياء أخرى!
بعد أسبوعين من اعتقال صخر، تم الإفراج عن صديقه ماهر، فتأثر فرحاً لحرية صديقه وحزناً على فراقه، ليكتشف فيما بعد أن ماهر لم يطلق سراحه إنما تم نقله إلى فرع آخر. يصف تلك اللحظات بأنها كانت أصعب من لحظة اعتقاله، فتعاطف معه رفاقه في المعتقل وقالوا له "لا تتضايق فكلّنا ماهر.. لكن الحمود وليس الأسد".. محاولين بثّ جواً من المرح.. يقول صخر: "كانوا جميعاً أخوةً لي، يجمعنا رغيف الخبز والحلم بسوريا والسوط الضارب بجسدنا.. كانوا أكبر من تلك الزنزانة الصغيرة.. كانوا الثورة بكل تفاصيلها.. كانوا الأبطال الذين سمعنا عنهم كثيراً في القصص الخرافية".
كان يمنع على المعتقلين دخول الحمام أكثر من مرتين في اليوم، ويروي صخر يوم إصابة أحد رفاقهم بـ"حصر البول" وكادت مثانته أن تنفجر من شدّة الألم، ولم يسمح له السجانون بدخول الحمام، فاضطر أخيراً للتبوّل في "بدون ماء" كانوا يستخدمونه للشرب داخل الزنزانة، متابعاً: "وقتها قال أحدهم ليخفف وطئ الألم على ذلك الشاب (اليوم أصبح بيننا خبز وملح وبول)، فانفجر الجميع ضاحكاً رغم أجواء الموت المحيطة بالمكان".
وساطة الأمير السلفي
يضيف صخر: "كان معنا ثلاثة معتقلين من ريف دمشق وفي أجسادهم آثار طلقات نارية.. اثنين مصابين برصاص في الصدر، والآخر في رجله اليسرى.
قد لا يتصوّر المرء كيف تمضي تلك اللحظات على السجناء، مزيج من الألم والأمل.. عندما يشاهدون جروحهم الملتهبة وفي الوقت نفسه يتبادلون النكات ويضحكون.. يعود صخر بذاكرته إلى المواقف الطريف في الزنزانة وكيف قال له أحد المعتقلين أنه سيزوره في السويداء و"يتوسّط لدى الأمير السلفي كي لا يذبح الدروز".. ثم انفجر الجميع ضاحكين.. متندرّين على الاتهامات بالطائفية التي كانت تساق ضد الثورة والثوار!
"طائفيّة" المعتقلين السنّة!
لم تتوقف "طائفية" المعتقلين السنّة عند هذا الحد مع شريكهم الدرزي في الزنزانة، بل كانوا يتشوّقون لسماع حكايات الثورة في السويداء، يضيف صخر: "لن أنكر اهتمامهم الزائد بي لأني من السويداء.. في الزنزانة تقاسمنا جميعاً العذابات والأحلام، وفي إحدى المرات قالت لي أحدهم أن أغلب معتقلي السويداء من حملة الشهادات، بينما هو (معلّم عمار بيوت)، فقت له أنت معلم عمار وطن .. لهيك الشهادات والانتمائات خليناها على السقيفة ونزلنا على الشارع نتظاهر".
التعليقات (6)