فالقضية التي بقيت تركيا ساكنة عن الحركة بسببها، أي (حزب العمال الكردستاني) الإرهابي، أثارت عاصفة من ردود الفعل الدولية الرافضة لاستفراد إيران في سوريا وتهديدها لمصالح الكل، وباتت مخاوف تركية تقنع الجميع، كذلك سيكون لأي ترتيبات أمنية يولدها التحالف الدولي- العربي ضد الإرهاب- والذي أنضمت له تركيا أخيراً- ىنتائج فعلية تؤثر تأثيراً حاسماً على مستقبل الصراع الذي يدور مع حزب العمال الكردستاني منذ سنوات طويلة. فالقضية الكردية التي يمكن إختزالها بفصيل كردي واحد، لأهمية النشاطات التي يمارسها الحزب داخل تركيا وعلى الحدود المجاورة مع سوريا، كما أن ما جرى ويجري على الصعيد السياسي لا يقل أهميةً عن المجالات الأخرى.
ولعل أهم ما جرى في هذا المجال جلوس حزب العمال الكردستاني على طاولة تنسيق مع النظام السوري منذ بداية الثورة الشعبية المندلعة ضد حكم الأسد، وكل هذا بمباركة إيرانية واضحة. وكان من نتائج هذه الاجتماعات، إعادة تشكيل مؤسسات الدولة السورية في الجزيرة لكي تتماشى مع فكرة الحكم الذاتي، وهذه الخطوة كان المراد منها تضييق الخناق على الثورة السورية، من خلال تنشيط الحزب وكسبه كقوة مؤيدة للنظام واستبعاد الصدام معه في مواقع سيطرته المفترضة، وهذا ما يدفع تركيا لأبدى قلق واضح حيال هذه التحالفات، ليس لأن النظام السوري وبمباركة إيرانية كان له الدور الأوحد فيها، بل لأنه أيضاً يعزز الروح الكيانية لدى حزب العمال الكردستاني ويشجع على إقامة كيانات إنفصالية كردية.
لذلك بقيت مشاركة تركيا في التحالف الدولي-العربي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، متوقفاً على إعادة النظر بعلاقات تلك الدول مع حزب العمال الكردستاني وإعادة التعامل معه على أساسها.
من جانب آخر-وهنا مربط فرس الديبلوماسية التركية-فقد أعلنت الصحافة التركية وصول الطرفين التركي والأمريكي على إنشاء منطقة عازلة بطول٩٠كم وعرض٤٥كم داخل الأراضي السورية، في الوقت ذاته، يمنح الأتراك الفرصة بالدفع بقوات برية في حال ممارسة أي نشاطات من قبل حزب العمال الكردستاني قد يهدد المصالح التركية وأمنها، وبذلك تستعيد المؤسسة العسكرية التركية، السيطرة على زمام حزب العمال الكردستاني وتحركاته من جهة، وإيجاد الوضع المناسب لها كلاعب رئيسي في المنطقة، والذي فقدت تركيا عقب انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكيك حلف وارسو وانتهاء الحرب الباردة.
فتركيا لم تعد مرفوضة أوروبياً كما السابق، كما أن الاهتمام الأمريكي بها أكثر من السابق. ولم تعد العلاقات التركية مع دول الجوار العربي والإسلامي تقتصر على التبادل التجاري المحدود كما هو الحال إبان حكم أتاتورك، وعلاقة التحالف الاستراتيجي مع اسرائيل والتي أختارتها المؤسسة العسكرية لزرع الريبة والشك داخل هوية تركيا الإسلامية لم تعد موجودة اليوم، لذلك لن تكون تركيا حيال الملف السوري سوى صارمة وصارمة جداً لمصالحها بالدرجة الأولى، لذلك تركيا لا تلعب دور رأس الحربة في الهجوم على التنظيم بلا ضمانات لهواجسها الداخلية والخارجية، لذلك بقيت ذروة التصادم العسكري مع التنظيم رهينةً بلحظة تبديد المخاوف التركية بضمانات أمنية وعسكرية حيال ملف حِزْب العمال الكردستاني الإرهابي، وبذلك فوتت على حزب العمال الكردستاني وحلفائه إيران ونظام الأسد، فرصة حصد ثمار المناورات على مدى خمس سنوات!
التعليقات (7)