هل كان الكاتب الروسي (تولستوي) مسلماً؟

هل كان الكاتب الروسي (تولستوي) مسلماً؟
نشرت تقارير إعلامية روسية مؤخراً، رواية تقول إن الكاتب الروسي العظيم ليو نيكولايفيتش تولستوي اعتنق الإسلام في آخر حياته. والجدل بهذا الخصوص لا يزال مستمراً، فأين تكمن الأفكار الإنسانية لليف نيكولايفيتش تولستوي؟ وإلى أي مدى تعتبر هذه الأفكار حيوية وفعالة في أيامنا هذه، وكيف يمكنها أن تكون مسموعة بالنسبة لإنسان القرن الواحد والعشرين. ماذا كانت معتقدات تولستوي الدينية؟ وكيف كانت نظرته للإسلام؟ فمعتقدات ليف نيكولايفيتش تولستوي الاجتماعية والفلسفية والأخلاقية والدينية، ونزعته الروحية لا تزال تحظى باهتمام كبير، وتدور حولها نقاشات عاصفة، وضارية أحيانا، ويلاحظ اهتمام كبير بتراث تولستوي الروائي والأدبي خلال السنوات الأخيرة في العالم الإسلامي أيضاً.

قيم إنسانية

المعروف لدى الباحثين والدارسين للأدب الروسي أن من أسباب انتشار هذا الأدب على النطاق العالمي، والموقع الذي يشغله في التراث الفني العالمي، أن نتاجات الكتاب الروس العظام تنطوي على أفكار أخلاقية وفلسفية عميقة. وينطبق ذلك بالقدر الكامل على نتاج تولستوي الحائز على شهرة عالمية منقطعة النظير.

ولد تولستوي عام 1828م في مدينة تولا جنوب موسكو وكان في سن الثالثة والعشرين من عمره عندما جاء الى الشيشان فكتب أول كتاب له عام 1851م وكان حول ذكريات طفولته تحت عنوان «الطفولة» وانعكس تأثره بطراز وأسلوب حياة الشعب القفقاسي في روايتيه «الحاج مراد» و«الكازاك»، انغمس على الفور في صميم حياة الشيشانيين وكان لديه أصدقاء بينهم. لقد كتب تولستوي في دفتر مذكراته بعد أسبوعين من وصوله إلى الشيشان هذه العبارات «لقد رعتني يد الله عز و جل، وأنا أشكره جدا على ذلك. إنني على يقين جدا، بأنه لن يحدث لي هنا مكروه، وكل شيء لي سيكون بخير، لأن ذلك هو نصيبي وتلك هي إرادة الله».

تحليل مذكرات ورسائل تلك الفترة تثبت، بأن تولستوي قد سعى بشكل دائم لفهم البناء الروحي لحياة الشعوب المحلية، وعاداتها وتقاليدها، وتكوين انطباعاته الشخصية عنها. لقد أولى تولستوي خلال خدمته في القفقاس اهتماما كبيرا لجمع الفن الشعبي الشفهي والترويج له ونشر فولكلوره. وكتب في عام 1852 أغنيتين شعبيتين شيشانيتين من كلمات أصدقائه المسلمين الشيشان. واستخدم هذه التسجيلات وغيرها في مؤلفاته.

دراسة الأديان

ولما شارف تولستوي على الخمسين من عمره حدث تغيّر كبير في حياته، وحدث له انقلاب روحي هائل لم يستطع النقاد تفسيره لأن تلك الفترة من حياته كانت زاخرة بالنجاحات المتلاحقة. ووصل فيها إلى ذروة المكانة الأدبية، وكان رب أسرة تعيش في سعادة وهناء. ورغم هذا حدثت له أزمة نفسية عميقة الجذور، فقد كان يسعى جاهدا للوصول إلى جواب شافٍ لمعاني الحياة ومقاصدها ضمن عقيدة دينية، وقد وصف هذه المعاناة الروحية بقوله: «كان يحدث معي شيء ما غريب جدا، فقد أخذت في البداية تنتابني مشاعر الضياع واستغرقتني الكآبة، ثم بعد زوال هذا الشعور كنت أستمر في العيش كما مضى. لكن أوقات الحيرة هذه كانت تتكرر بشكل أكثر وأكثر وبنفس الطريقة، وهذه الحالة كانت تنعكس في نفس الأسئلة: لماذا؟ وكيف بعد ذلك؟».

وشملت قراءاته الكثير من العقائد الدينية، وكان على يقين تام بأن أهم أعمال حياته هو محاولة تركيب حكمتي الشرق والغرب في جملة واحدة، وأدّت دراسته الشرقية هذه لاسيما مبادئ الزهد في الإسلام إلى زيادة مقته للمادية القاتلة.

فكر شرقي

وإذا تتبعنا بداية اتصاله بالفكر الشرقي فسنجد أن اهتمامه بالشرق يعود إلى سنوات شبابه المبكر حين اختار اللغتين العربية والتركية تخصصا للمستقبل ودرسهما لمدة عامين على أيدي أساتذة متخصصين، وحصل على الدرجات النهائية، وسجل طالبا للغتين العربية والتركية. وقد أيقن منذ بداية طريقه الأدبي الأهمية الفريدة التي يحتلها التراث الروحي للشرق.

فأقبل في نهم على دراسة فكره وفلسفاته التي كان يبحث فيها بشكل خاص عن مفهوم المفكرين لمغزى الحياة، غير أن اهتمام تولستوي بالشرق يرتبط بالدرجة الأولى بالأديان، فقد آمن بأصالة الفكر الديني النابع من الشرق، وهو الفكر الذي كان يرى فيه حصيلة جامعة للقيم الأخلاقية التي اختبرت لقرون، والتي يجب أن تظل الحقيقة الراسخة الوحيدة في مسيرة الشعوب.

تبحر في الدين

إن أبرز مسألة في نتاج تولستوي الإبداعي هي مغزى الحياة، ورسالة الإنسان ودور المعايير الخلقية في نشاطه، حيث كانت له مراسلات مع عدد من الشخصيات العربية، مثل الشيخ محمد عبده، كما كانت له مراسلات حميمة بصفة خاصة مع بسطاء الناس من العالم العربي. كان الكاتب يكنُ أعمق مشاعر الاحترام للإسلام ولمفكري المسلمين في عصره. كما تراسل تولستوي شخصيا مع العديد من الشخصيات الإسلامية التاتارستانية في روسيا.

الإسلام تبوأ مكانة مرموقة بين العقائد التي أقبل تولستوي على دراستها، وقد أشار بنفسه إلى ذلك: «كنت أدرس البوذية، ورسالة محمد من خلال الكتب، أما المسيحية فمن خلال الكتب والناس الأحياء المحيطين بي». وقد احتوت مكتبته الشخصية على العديد من المراجع التي تتناول الإسلام بالشرح والتفسير. واستحوذت معاني القرآن الكريم على اهتمامه، كما استأثرت أحاديث الرسول «صلى الله عليه وسلم» بحبه وعنايته، لأنه وجد فيها الكثير من أفكاره التي كان يؤمن بها ويدعو إليها، ومن ثمّ وجد لزاماً عليه التعريف بالإسلام.

ويتصدر كتاباته في هذا المجال كتيب بعنوان «حكم النبي محمد» «صلى الله عليه وسلم» وهو كتاب جمع فيه أحاديث للرسول انتقاها بنفسه وأشرف على ترجمتها إلى الروسية، ومراجعتها والتقديم لها. ويشير في مقدمة الكتاب إلى عقيدة التوحيد في الإسلام وإلى الثواب والعقاب والدعوة إلى صلة الرحم فيقول: «وجوهر هذه الديانة يتلخص في أن لا إله إلا الله وهو واحد أحد، ولا يجوز عبادة أرباب كثيرة، وأن الله رحيم عادل، ومصير الإنسان النهائي يتوقف على الإنسان وحده، فإذا سار على تعاليم الله فسيحصل على الجزاء، أما إذا خالف شريعة الله فسينال العقاب». وقد بلغ إعجابه بخاتم النبيين وبسيرته، ما جعله يفكر في إعداد طبعات شعبية لكتاب يتناول حياة الرسول، كذلك فكر في إعداد كتيب مختصر عن سيرة الرسول الكريم وأعماله للأطفال الروس.

إضاءة

في العشرين من نوفمبر عام 1910، توفي ليو تولستوي حين هرب من بيته وحياة الترف، حيث أصيب بالالتهاب الرئوي في الطريق، وكان قد بلغ من العمر 82 عاماً ودفن في حديقة ضيعة (ياسنايا باليانا) بعد ان رفض الكهنة دفنه وفق الطقوس الأرثوذكسية الدينية، وبعض الباحثين الروس يقولون إن هناك احتمالاً قوياً بأنه اعتنق الإسلام، وذلك حسب رأي مترجمة القرآن إلى الروسية الأديبة الروسية فاليريا بروخافا، حيث تقول بروخافا إن تولستوي قد أسلم في أواخر حياته بعد قيامه بدراسة الإسلام، وأوصى أن يدفن كمسلم، وتستدل على ذلك بعدم وجود إشارة الصليب على شاهد قبره. بل تردد بعض الأوساط الأدبية أنه أسلم فعلا، وهذه الحقيقة غير معروفة في العالم العربي والإسلامي، حيث إنه في السنوات الأخيرة من حياته كان دائم التفكير والتأمل في معنى الحياة، يبحث عن الطرق الموصلة إلى الله.

التعليقات (18)

    أبو الشمقمق

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    هذه مسألة قديمة تثار بين الفينة والفينة ...درسناها منذ الخمسينيات وهي جديرة بالاهتمام حقاً .. وقد طمس النظام الشيوعي المتعفن الاهتمام بالمسائل الفكرية وخاصة آثار تولستوي ودوستوفسكي وتشيخوف من خلال حربه على الأديان جميعها استجابة لفكر اليهودي كارل ماركس ..ارجع إلى ماكتبه طه حسين والعقاد حول هذا الموضوع الجليل ...ولا أشك أن تولستوي مسلم وإن لم يظهره أو يعلن عنه ..

    نعم وستالين وهرقل وجورج واشطن!

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    نعم ولد توليستوي مسلماً في مقاديشو لاب صومالي وام سودانيه وكان اسمه حسب الله الزول ولكن قرر في سن السابعه تغيير اسمه و لون بشرته وتسبيل شعره وسافر بالقطار السريع من مقاديشو الى موسكو وتوقف لبضعه دقائق في محطه قطارات سوتشي حيث غير لون عيونه! وقال قولته الشهيره موسكو قد اتيناك فاتحين!.بعض اصدقائه المقربين المطلعين على اسراره أكدوا انه أول من ذهب الى المريخ!.يا ناس كفى ارحموا عقولنا من هكذا استهبال.مره اول من اخترع الكمبيوتر مسلمين ومره اول من اخترع الطائره كائن خرافي سموه عباس بن فرناس لان هذا الاخوث فكر حاله ديك ولزق كم ريشه وقفز عالسريع الى قعر الوادي!

    كان يامكان

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    التعليق خالف قواعد النشر

    سوري حر

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    العالم وصلت عالقمر واختراعات ومدري شو واهتمام الدول بمواطنيها ونحنا لسانا لاحقين هالعالم مسيحي ولا مسلم ولا بطيخ مبسمر

    غير اسمك لو سمحت

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    الحقيقة ياسوري حر انت عار عكل الاحرار لانو لما الواحد بيشوف اللي كاتبة بيعتبر كل الاحرار متل حمير متل سيادتك الموضوع بحث عن كاتب من اهم الكتاب ليش عبتسفه من المقالة تاني شي الاسلام ما اسمه "بطيخ مبسمر" نحنا كل مصايبنا لبعدنا عن الاسلام

    محمد المسالمه

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    انما يغشى الله من عباده العلماء. اما الاغبياء فلتمت غيضا

    سوري شريف

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    ان قصة تولوستوي الرائعة ( حاجة الانسان الى الارض ) تحمل في اعماقها نظرة انسان مسلم الى هذه الحياة وتنم عن تفكير رجل مسلم حاجة الانسان الى الارض من اروع ماكنب تولوستوي.

    صحافي سوري

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    كل واحد بيكتب هل فلان مسلم او غير مسلم او اطلع على الاسلام؟ اهتموا بنتِاج الرجل مو بدينوا ع اساس المسلمين بيرفعوا يعني؟!!!!

    مسلم بائس

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    مافي كلام

    أبو محمد

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    بصراحة لم أقرأ المقال بالكامل لكني أستغرب أولئك الذين يتهكّمون بموضوعه. يا رجل إن لم تكن مسلماً مؤمناً فهذا شأنك أنت. أما المسلمون المؤمنون فيسرّون بقراءة هذا الموضوع لأنهم يرون فيه دعاية لدينهم الذين يحبّون أن يدعون إليه البشرية جمعاء، وهذا ليس من قبيل التعصّب للدين بل من قبيل محبّة الخير للآخرين فنحن نؤمن بقول الله تعالى {إن الدين عند الله الإسلام} وقوله تعالى {ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}. اصعد أنت إلى القمر وطوّبه باسمك ودع غيرك يذهب إلى الجنة.

    أبو محمد

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    إن كان تولستوي قد تأثّر بالإسلام أو أسلم سراً، فهو لم يكن أول أديب أوروبي بارز يفعل ذلك. إذ يكفي المرء أن يجري بحثاً سريعاً على شبكة الإنترنت عن "غوته"، أشهر أديب ألماني، ليعرف أن الرجل كان شديد التأثّر بالإسلام ولا يستبعد أن يكون قد أسلم بالفعل.

    معلق

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    الى الأخ محمد المسالمه تصحيحا للايه الكريمه ( انما يخشى الله من عباده العلماء ) نقول لمن يتهكمون .... نحن قوم اعزنا الله بالإسلام ... فلا عزة لنا الا بالإسلام ....

    أبو القاسم مصياف

    ·منذ 9 سنوات 3 أشهر
    يوجد في النقاشات الدينية / اللادينية خدعة اسمها: خدعة الشهرة! بمعنى فلان شخصية مهمة وصاحب اتجاه ديني أو لاديني وبالتالي هذا الاتجاه صحيح! كان تولستوي حزينا حائراً قلقا من الموت .. ويمكن الاطلاع على موضوع تولستوي والموت هنا

    محمد شعيب محمد عبدالكريم

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    المفكر والعلامة الروسي ليو تولستوي عليه رحمة الله من أفقه العلماء في عصره وإلى الآن أثره واضح ومقولته التاريخية تعد من أكثر المقولات الأدبية تأثيرا حيث توقع هذا العلامة أن تسود شريعة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم العالم وهذا ما سيكون بإذن الله

    حسين

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    ياريت تقرأ وتوسع م ثقافتك الاول وبعدين انقد زي متحب

    نصيرة

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    في حياة أي إنسان كان كاتبا،أدبيا ،فنانا ، بحارا او أي كان يحدث له أن يشغله تفكير ما بحثا عن حقيقة ما و عن مغزى الحياة، مغزى وجوده و ماذا بعد هذه الحياة، فيمر بمرحلة من الحزن والأسى الى ان يصل إلى الحقيقة و الحقيقة أو الهداية هي أنه وجد في هذا العالم بفضل ربه ليعود لربه، ليعبد ربه { و ما خلقناكم الا لتعبدوا} فلنحسن العودة الى الله و لنعود لديننا الاسلامي الحق و الأخذ به و العيش به للنجاة و تفادي الضياع لأننا فعلا نعيش الضياع. أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو، الحي القيوم و أتوب إليه

    بشير عباس ... من فلسطين

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    بدون تعمق كبير بما كتبه الاديب الروسي كافي للاهتمام بما كان يفكر به وانا احترم ماكان يبحث عنه ويفكر به وسوف اتطلع على كل المراجع بما يخص هذا الاديب فكتباته وما قيل عنه جدير بالاهتمام.............

    وحيد فهمي . مصر

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    من المعلوم أن اصحاب العقول هم دائما ما يتفكرون في خلق السماوات والأرض ، وانهما لم يوجداً عبثاً وإنما لحكمة يعلمها الخالق ، و من نتيجة هذا التفكير المتواصل يصلوا الي الحقيقة المؤكدة بان هذا الكون له رب بيده مقاليد كل شيء ومن الواجب ان نخصة وحده بالعبادة والشكر والأمتنان ، ولم يصل الي هذه النتيجة أحد إلا وجد نفسه وقد اظله الأسلام بالسكينة والهدوء والرضي ، فالحمد لله علي نعمة الأسلام وكفي بها نعمة ، ولا يزيد اسلام تولستوي الإسلام عزة وإنما ازداد هو عزة باعتناقه الإسلام .
18

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات