ربما يعتبر الكثيرون أن ذلك، ضرباً من الهراء. لكن أليس ما يحدث في المنطقة، هو الهراء بعينه. مثل ظهور "داعش" وتغوله على "السُنة" تحديداً. وتمدده في طول الرقعة العربية وعرضها. ثم هدم الحدود بين دولها. مابين "الرقة - الموصل"، "تدمر- الأنبار" مبدئياً. وتمركزه في الخواصر الأمنية، عند الحدود السعودية – الأردنية. بالتزامن مع تطاير إرهابه بكافة الاتجاهات. من ليبيا، إلى الكويت، إلى سيناء، حتى الجزائر. تمهيداً لظهور "المهدي المنتظر"، الذي لاحت طلائع "قواته المُخلصة" على ما يبدو، ممثلة بالحشد الشيعي الشعبي في العراق. إضافة إلى ميليشياته التي لا تُعد ولا تُحصى من المرتزقة، بتسمياتها المذهبية الخالصة في سوريا.
لم تكن مكة المكرمة يوماً، خارج الاستهداف السياسي. غزاها أبرهة الحبشي، على نية هدمها ما قبل الإسلام. في حين دكها الحجاج الثقفي بعد الإسلام، بالمنجنيق سنة 73 للهجرة، بهدف تطويعها تحت حكم عبد الملك بن مروان . ثم استباحها بوحشية "غُلاة الشيعة" من القرامطة سنة 317 للهجرة. ذبحوا أهلها وحجاجها، ونهبوها. ثم اقتلعوا "الحجر الأسود"، وحملوه معهم إلى "الإحساء"، من أعمال البحرين يومئذ. حيث غيبوه، عن أرضه المقدسة مدة 22 عاماً، بحسب الرواة.
ماهو مُثبت، أن محاولات الاستيلاء السياسي، على القبلة الأولى للمسلمين، لم تتوقف. إذ كررتها جماعة جهيمان العتيبي سنة 1979م، مُنتشية "بثورة الخميني"، عندما احتجزت المُصلين والمُعتمرين، داخل الحرم المكي. داعية إياهم إلى مبايعة "مهديهم المُنتظر" الحاضر بينهم. قبل أن تقتله قوات الأمن السعودية، وتوأد الفتنة آنذاك.
"الفتنة" نفسها، أطلت بأوامر مُباشرة من الخميني أيام الحج 1987. لما أقدم "إيرانيون" على نحر حجاج، وعسكر سعوديين بالسواطير، دون مراعاة لحرمة شهر، أو قداسة مكان.
تلك الحادثة، كانت من أولى "بشائر" تصدير الخميني لثورته الدموية. بيد أنها لن تكون الأخيرة. ذلك أن "الإمام" الذي تجرع كأس السم، في حربه مع العراق. أضطر إلى تغيير تكتيكه، على طريق إقامة امبرطوريته الفارسية، من المواجهة العسكرية المباشرة، إلى تفكيك الدول المحيطة، بتفخيخها من داخلها، بواسطة مواطنيها الشيعة، أو عبر نشر "التشيع السياسي" بامتياز.
لا يوجد، في أدبيات الفقه الشيعي أي أهمية، أوحتى إشارة للقدس وللأقصى من أصله. غير أن "تقية الملالي. أحالتهما، إلى جسر عبور للسيطرة على قلوب العرب والمسلمين. مدعية التطرف بمواجهة "إسرائيل"، في مواجهة اعتدال الأنظمة العربية السياسية، في التعامل مع قضية شعوبهم الأساسية، للأسف.
تُمثل ظاهرة حزب الله "اللبناني"، الخديعة الكبرى، التي عرتها الثورة السورية تماماً. لتكشف أن الحزب "المُقاوم"، ليس أكثر من أداة بيد "الولي الفقيه" الفارسي، فيما الطريق إلى القدس، يمر عبر القصير والقلمون والزبداني ودمشق. لتلاقيه الميلشيا العراقية "الشقيقة"، انطلاقاً من بغداد والأنبار والفلوجة. بالتناغم مع تحرك ميلشيا الحوثي، وبقايا جيش المخلوع صالح، لاحتلال صنعاء، وعدن، على الحدود الشرقية للسعودية. استعداداً للسيطرة في مرحلة لاحقة على النفط، وإغراق الرياض بالفوضى.
أخطر ما فعله "حزب الله" هو اعتماد معادلة الجيش والشعب و"المقاومة"، على غرار الحرس الثوري في إيرن، التي قدمها حسن نصر الله في خطابه الأخير علناً، كوصفة ذهبية، بمثابة الهدية لشعوب المنطقة، تكفل صنع "الانتصار".
ما تعنيه هذه المُعادلة، وتُكرسه. هو تصدير "الثورة"، بتحويل إيران إلى شريك مُضارب للدول. تُلغي سيادتها. ولا تتأثر بتغيير الأنظمة، أو سقوطها. ولا شك أن تنفيذها اكتمل بالعراق. وكاد أن يكتمل باليمن، لولا عاصفة الحزم. فيما ترسيخها بسوريا. جارٍ على قدم وساق.
لا توجد دولة عربية من المشرق إلى المغرب، مع أولوية لدول الخليج. بمنأى عن المشروع الفارسي. ولكل دولة "وصفة" مُلائمة. إما بتحويل مواطنيها الشيعة إلى رأس حربة لقلب نظام الحكم، كما بالبحرين. أو لخلق القلاقل كما بالكويت، أو لافتعال مواجهات مذهبية كما بالسعودية. عدا محاولات السيطرة الاقتصادية بدعم بعض العرب الشيعة مادياً، لإقامة المشاريع. والتملك بشراء العقارات، في جهد متواصل، لتغيير التوزع الديمغرافي للسكان.
كان المال "الإيرني" حاضر دائماً. ومالا يستطيع السلاح، أو التواجد "الشيعي" المتأصل بالمنطفة انجازه. يتكفل فيه "التشييع السياسي" الطارئ، والمُزدهر، على امتداد الخارطة العربية. وفي دول لا تخطر على بال، مثل الأردن والمغرب. ولعل أكثر الدول المُهددة هي مصر، نظراً لجذورها بمرحلة " الدولة الفاطمية" تاريخياً، التي تؤمن مستلزمات غزوها السهل شيعياُ، من بوابتي السياحة الدينية والفقر، لذا من العجائب فعلاً، أن يتجاهل الفريق عبد الفتاح السيسي، خطورة مشروع الملالي، على الأمن القومي المصري. إلى درجة التماهي مع وجهة نظر طهران، حيال ما يحدث في سوريا. و كذلك موقفه الملتبس إزاء اليمن، على مرمى حجر من مكة المكرمة، التي لن يكتمل مشروع الامبرطورية الفارسية، دون تدمير رمزيتها الإسلامية والعربية بآن معاً.
ما لم يُجاهر فيه "آيات الله"، تولاه الداعشي "أبو تراب المقدسي" بتغريدة على تويتر، لم ينفيها التنظيم. تُعلن فتوى"الخليفة البغدادي" بهدم الكعبة المُشرفة، كونها "عبادة للحجر"، بحال التمكن من "فتح" السعودية.
هذا هو المشروع الفارسي الأساسي، المطلوب استمرار تمويله كأولوية تفوق "النووي" بالأهمية. والذي لا تستطيع مافيا قيادة الحرس الثوري التخلي عنه. لأسباب تتعلق باستمرار النظام الحاكم في إيران، المُهدد بالانهيار الداخلي. إذا ما تراجع عن أكاذيبه، ووعوده "الإلهية".
كل البروباغندا الإعلامية، التي استبقت التوقيع النهائي المُذل على "اتفاق الإذعان النووي". استندت إلى الترويج، والتسويق الداخلي لنجاح "آلولي الفقيه" بإرساء أسس "امبرطورية باقية وتتمدد". وتشمل أربع عواصم عربية رئيسية " بيروت، دمشق، بغداد، صنعاء"، والحبل على الجرار.
الغريب، أن أوباما المُعجب برؤية إيران ومشروعها، والمُتحالف معها "بمكافحة الإرهاب". لا يرى دوراً تخريبياً لها بأي مكان. بل يستبق طمأنة الخليجيين، بمطالبة الملك سلمان، خلال أول اتصال هاتفي معه، إثر توقيع اتفاق النووي، بوقف الأعمال القتالية الدفاعية في اليمن.
الأكثر غرابة، أن العرب مستمرين بمُسايرة واشنطن ووعودها، إلى درجة مُذهلة. دفعتهم لإيقاف اندفاع ثوار سوريا، عقب "اتفاق الإطار الأولي" لإسقاط بشار الأسد في دمشق. على أوهام الأمل "بترحيل الوريث"، وإنهاء الاحتلال الفارسي الاستيطاني لها "سياسياً". لكن ما اتضح من زيارة دي ميستورا المُفاجئة لطهران قبل أيام. وما أعلنه وزير الخارجية محمد جواد ظريف. أن الحل إما أن يكون وفقاُ "للمبادرة" الإيرانية، أو لا يكون.
الواضح، أن الحل، لن يكون سياسياً في دمشق، طالما تعلو فوق جامعها الأموي أعلام إيران، ورايات حزب الله الصفراء المذهبية. حتى لو أرادت موسكو "بوتين" ذلك. لأنها ببساطة "لا تمون" على بشار الأسد، لو بمجرد حماية معارض علوي يساري، مثل الدكتور عبد العزيز الخير، مناوئ للمشروع الفارسي.
ذاك المشروع، تم تدشينه في دمشق، برعاية حافظ الأسد. وازدهر بعهد بشار. ونهاية كابوسه، لا تبدأ إلا من دمشق، بإسقاط العميل الفارسي عسكرياً.
هذا الإسقاط، لا يحتاج إلى تدخل عربي مُباشر، ولا إلى غطاء جوي، مُشابه لما يحدث في سماء اليمن. بقدر ما يحتاج إلى التمرد على الفيتو الأمريكي – "الإسرائيلي" لإسقاط بشار الأسد. وبالتالي عدم انتظار مباحثات "مُعمقة"، بحسب وصف جون كيري، لمناقشة الخطر الإيراني. إذ لم يعد وجود المنطقة العربية برمتها، يمتلك رفاهية الوقت.
التعليقات (12)