بعد توقيع الاتفاق النووي في فيينا، بين إيران التي أجبرت على الانحناء للعاصفة، ومجموعة الـ (5+1)، والذي وصفته وسائل الإعلام الإيرانية ومن والاها، أنه "الانتصار الإلهي على قوى الاستكبار" وهي تدلّل على هذا النصر بضحكة وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف"، الذي حاول أن يضحك بفم مفتوح وقهقهات عالية، ربما ليخفي آثار كأس السمّ الذي تجرّعه مع مرشده الخامنئي، الذي وصف أمريكا بعد التوقيع بـ"الشيطان الأكبر"، بمرافقة الهتاف الشهير "الموت لأمريكا"، من أجل رفع معنويات مؤيديه، خاصة وأن التعتيم على بنود الاتفاق الحقيقي لن يطول كثيراً، وذلك لأن المعارضة الإيرانية، وأعداء إيران سيكشفون حقيقة الاتفاق..
ولهذا، فمن المتوقع أن يتدفق الدعم الإيراني للنظام السوري، بعد رفع العقوبات مع بداية عام 2016، على الأغلب، وذلك بعد إثبات حسن نوايا إيران، وإلا فإن العقوبات لن ترفع، فيما إذا حاولت إيران اللعب مع الكبار، في التذاكي والالتفاف على الاتفاق، فالملف النووي سيكون على مدى 10 سنوات تحت طائلة العقوبات والفصل السابع في مجلس الأمن، لذلك طالب الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" الكونغرس، بتمرير الاتفاق، وإلا سيستخدم حقه في الفيتو لتمرير الاتفاق الذي يدين إيران باعترافها، وموافقتها في حال أخلّت بالبنود.
من الواضح أنه مازالت لعبة العصا والجزرة متاحة في الملف السوري، على اعتبار أن إيران أصبحت صاحبة اليد الطولى في المنطقة، وهذا ما لا تريده كلّ من السعودية وتركيا، على الرغم من الخلاف بين الدولتين السنّيتين، غير أنه لا بديل عن الاتحاد في مواجهة المد الشيعي الإيراني، الذي قد يؤسس لمفهوم طائفي، بعد عرض صور لإغراق تمثال حجري في مياه الخليج، قيل أنه تمثال "قورش" أعظم ملوك فارس، وربما يأتي هذا الاستعراض لإيصال فكرة للمؤيدين والمعارضين، مفادها أن إيران الفارسية لم تعد موجودة، وأن ما هو موجود الآن هو إيران الشيعية، التي ستحكم المنطقة على أساس ديني، لا قومي، وهو ما تريده لتضع عملاءها العرب، من حزب الله، إلى النظام السوري مروراً بالمعارضة البحرينية، وأنصار الله الحوثي، بالإضافة إلى حكومة عُمان، ضمن الخارطة المذهبية، كي تجعلهم وقود المرحلة المقبلة، التي قد تحتاج إلى حطب كثير، لإضرام نيران الحروب الطائفية بين التيارين السنّي – الشيعي، الذي قد يستمرّ إلى عشرات السنين، وإبعاد من لا تثق بهم، من أبناء الجمهورية الإيرانية، التي يتوقّع أن تشهد إشكاليات كبيرة، على المستوى القومي.
لعلّ ما صرّح به قائد الحرس الثوري الإيراني، عن أن الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران لا معنى له، إن لم يتم الاعتراف بحق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية، ربما هو خارج السياق العام للرؤية الحكومية الإيرانية، ولا يمكن تصوّر أنه هنالك قرار على هذا الحجم الكبير، من الممكن أن يتخذ دون مباركة من مرشد الثورة، الذي يرونه على أنّه "معصوم عن الخطأ"، بحسب أدبيات ولاية الفقيه، الذي يبتّ في كل الأمور، غير أن هذه التصريحات تكشف عن مدى التخبط داخل كواليس القرار الإيراني، في محاولة لإقناع الجمهور أن أمريكا مازالت الشيطان الأكبر، ودول الغرب، مازالت قوى استكبار، وتقف ضدّ مصالح الدولة الممانعة والمقاومة لإسرائيل، خاصة بعد تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، المنزعجين من الاتفاق النووي، وهي الدولة التي تعاملت مع برنامج العراق بالقصف المباشر..
أما فرحة الشعب الايراني الذي يتوقع رفع العقوبات، والإفراج عن عشرات المليارات من الدولارات، ما سيجعل مستقبل الرفاهية في إيران بحالة أفضل، خاصة أن "السلام والخير الوفير سيعمّان البلد"، وهو ما لا تريده القيادة الإيرانية في الوقت الحالي، خاصة وأن معاركها المنتشرة على امتداد أربعة دول عربية، مازالت مستمرة، وخسائرها الكبيرة بالمقارنة مع ما يبذل من مال ورجال، هم حطب هذه المواجهات. والحقيقة أن المرشد الأعلى يضع عيناً على الحروب الخارجية، وهذا التمدد الأخطبوطي، فيما يضع العين الأخرى على الوضع الداخلي، الذي يوصف بشكل عام على أنه جمر تحت رماد ساخن جداً، حيث أن احتمال اشتعال الوضع في إيران، بسبب المعارضات المتعددة داخل هذا المجتمع الديكتاتوري، خاصة أن أحداث انتفاضة مهاباد مازالت ساخنة!
من المؤكد أن السعودية وتركيا ستتدخلان عبر وكلائهما في سورية، لفتح معارك كثيرة ضدّ المشروع الإيراني، للسيطرة على سورية بشكل فعلي، إذ تشكّل البلدات الأربعة في الشمال السوري (الفوعة – كفريا – نبل – الزهراء) وما بداخلهم من قوات لحزب الله، وربما خبراء إيرانيين، مقياساً لحدّة المعارك في الشمال السوري، حيث أنّ العنف المفرط في قصف المناطق المحيطة ببلدتي الفوعة وكفريا، وتسريبات حول ما يشبه الهدنة لوقف القتال على هاتين البلدتين، مقابل وقف العمليات العسكرية ضد الزبداني، إنما هو تمهيد لإفراغ البلدتين من القوات المتمركزة بها عبر الطائرات، ومنحهما فارغتين للقوات المعارضة، خاصة وأنهما لا تشكلان أي أهمية إستراتيجية حقيقية للقوات، ونقلهم إلى معركة الزبداني، لإشعالها مرة أخرى، بذات القوات المحاصرة الآن..
من المتوقع أن يكرّر الزمن نفسه من جديد، لإعادة بناء إيران أخرى، ففي عام 1977، بدأت الثورة الثقافية على الشاه، من خلال تلميع رجل الدين أسس لهذه الدولة الطائفية "روح الله الخميني"، وأتى منتصراً على متن طائرة، قادماً من دولة أوربية.
من المتوقع أن تكون المعارضة الإيرانية "مريم رجوي" هي الحصان الأسود بالنسبة للغرب، إن لم تستطع إيران إخضاع المنطقة لنفوذها، وإلا ستكون نهاية المرشد وإيران، عبر فرق تفتيش دولية للمنشآت النووية، وتشكيل رأي عام عالمي، وإنهاء ولاية الفقيه، وتنصيب "مريم رجوي" عوضاً عنه، كما تم إنهاء نظام صدام حسين، وتسليم البلاد للمالكي، عبر فرضية أسلحة الدمار الشامل. لعل الفرصة العشر سنوات الممنوحة لإيران ستكون هي من يحدد عمر هذه الثورة، التي أسست لإسلام طائفي في منطقة تعوم على بحر من الأزمات، لتزيدها أزمات أشد فتكاً من أزمات الهوية القومية..
التعليقات (3)