المسنّون في زمن الحرب.. من الرعاية إلى الإهمال وقساوة الأبناء

المسنّون في زمن الحرب.. من الرعاية إلى الإهمال وقساوة الأبناء
فئة مهمشة من فئات المجتمع السوري عاشوا وأسسوا, زرعوا بذورا وحصدوا ثمارا، ملامحهم تروي ما خلفته عليهم السنوات من معاناة وكفاح وسعي, في الماضي مطالبهم هي التمتع بحياة حرة وكريمة، أما الآن فأقصى مايطلبون هو الاحترام وتأمين حاجاتهم المادية والروحية وحمايتهم من الأذى في النزاعات المسلحة.

قبل الحرب كان المسنون قادرين على رعاية أنفسهم بتواجدهم في منازلهم أو تحت اشراف ابنائهم، منذ زمن كان حال الحاجة أم عبدو السبعينية كحال جاراتها وصديقاتها اللواتي لم يأبهن بعمرهن يجتمعن في الأفراح والأتراح، يقضين ما تبقى من عمرهن في منازلهن رافضين حتى زيارة أبنائهم لأكثر من يوم، وفيما لو اضطرت إحداهن للجلوس من أجل معاينة طبيب أو إجراء عملية فإنها سرعان ماتتظاهر بالشفاء لتعود إلى منزلها خوفا من أن تموت خارجه.

لكن في ظل مانشهده الآن لم يعد كبار السن أو المسؤولين عنهم قادرين على تأمين الرعاية الصحية لهم واحتضانهم في منازلهم بل وأصبحوا جزءا قد يعيق مسيرة حاضنهم، مما قد يسهم في زيادة احتمالات تعرض كبار السن إلى سوء المعاملة.

الحاج أبو محمد والد لخمس أبناء فقد زوجته ومنزله منذ عام وبقى وحيدا متنقلا بين ما تبقى من ابناءه المتواجدين في سوريا يرى نفسه عبئا ثقيلا على اولاده الذين يفكرون بالسفر ويعجزون عنه بسببه، هو لايستطيع أن يتحمل رحلة اللجوء ولا يقدر العيش بدونهم.

يتعرض للإساءة المعنوية ويقول: "ما من شيء أقسى من أن تشعر أنه غير مرغوب بك ومابيدك وسيلة، أتمنى شيئا واحدا فقط هو الموت لعلي ارتاح ويرتاحون".

من وجهة نظر الباحثة الاجتماعية ميس محاميد فإنها ترى أن هذه الظاهرة لم تكن متواجدة بهذا الكم من قبل وإنها قد تعود لأسباب كالفقر والبطالة وعدم توفر المسكن الآمن والغذاء أو الدواء، وترى أن تخلي الأبناء عن أبائهم قد يعرضهم لسوء المعاملة البدنية أو النفسية (العاطفية) كما إنهم قد يكونوا عرضة للاستغلال المادي أوالاهمال، وأضافت قائلة إن ما نشهده الآن كثيرا من حالات هي تخلي الزوج عن زوجته المسنة الذي قد يسفر عنه سوء المعاملة البدنية والنفسية والاهمال في حياة مشتركة بدأت منذ عهد طويل.

وكشاهد في السياق نفسه الحاجة أم عصام التي أفنت حياتها لأولادها وزوجها الذي تخلى عنها وسافر بمفرده فما كان منها إلا الانهيار والصدمة والاكتئاب لتنتقل بين أولادها وتتعرض منهم للإساءة والإهانة قهر زوجها وتخليه عنها جعلها تفقد ذاكرتها وتصبح نصف عاجزة.

دار حديث مع ابن الحاجة أم عصام حول والدته وما آلت إليه فأجابني: "والدتي مسكينة قضت حياتها تساير بس المشكلة سفر أبوي خلاها تتمرد علينا وعلى واقعها، حاولت بكل الوسائل ترفض تعيش أو تتأقلم معنا حتى تورجيه أنو هي صفيت لحالها وماحدا معها، تعبت نفسيتها كثير حاولنا نقدر هالشي، نحنا مو سيئين بس الظرف سيء نفسيتنا محطمة، ولادنا مشردة عايشين على أعصابنا لامنشتغل ولا معنا ناكل وهي رجعت طفلة بدها أكل ودوا بدها رعاية... كلوا تعبان.. الله يعين أحسن شي".

العنف المسلح والصراعات السياسية تؤثر على كبار السن مباشرة وعن طريق التشريد القسري وقلما تتضمن خطط الإغاثة الإنسانية تلبية الاحتياجات الخاصة للمشردين من كبار السن وتهميشهم في مخيمات اللاجئين عند توزيع الأغذية والرعاية الصحية لهم.

في المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالمسنين تشدد على الالتزام بأتخاذ اجراءات نحو تنمية كبار السن وتعزيز الرعاية الصحية لهم.

ومع استمرار رحلة اللجوء والنزوح، فهل من برنامج يدعم كبار السن القادرين وغير القادرين على رعاية أنفسهم داخل وخارج سوريا، أم أن الشيخوخة فعلا هي إحدى الوسائل التي يحرم كبار السن بواسطتها من حقوق الإنسان أو تنتهك عن طريقها تلك الحقوق؟

التعليقات (1)

    Majed

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    الجهاد في الوالدين اهم من الجهاد عن البلد .. الجهاد وترك الوالدين يجب أن يكون ضمن موافقة الوالدين ... الجهاد أم علاج وعناية واهتمام بالوالدين الوالدين أهم
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات