بقدرات نصية وإخراجية وبشرية هزيلة، ظهر العمل ضعيفا في الكثير من حلقاته التي قسمت على ثلاثة أجزاء أعد أولها مخرج العمل هيثم حقي بعنوان "وقت مستقطع"، وكتب الجزء الثاني غسان زكريا بعنوان " مدينة الذهب" أما القصة الثالثة فجاءت بعنوان " القلعة " لخالد خليفة.
وعلى عكس المتوقع، لم يكن حضور نجوم الصف الأول ممن اختاروا الوقوف إلى جانب الشعب السوري مؤثرا، حيث بدت أدوارهم رتيبة، فلم توظف إمكانيات أحدهم بطريقة تمنح الروح للأدوار التي أسندت إليهم، لدرجة أن بعضهم بدا وكأنه يتعلم ألف باء التمثيل، في ضعف ربما يمكن أن يعزى إلى الكادر البشري المكمل لنجوم الصف الأول الذي كان جله من كومبارس وجدوا أنفسهم أمام أدوار تحتاج لقدرات فائقة للعبها.
(وقت مستقطع): بدائية درامية!
وإذا أردنا أن نتجاوز مسألة الأداء التي ربما يمكن أن تنسى في هذا المقام لصالح التركيز على النصوص التي هي أساس الرسالة لعمل يصنف " وريا"، فإننا سنجد أنفسنا أمام ثلاثة نصوص أصيب الأول منها بفقدان الذاكرة الثوري، فضاع في زحام الأحداث ليدخل الكثير من المغالطات التي لا يمكن أن نعيدها لإمكانية محاولة الكاتب أن يشكل إسقاطات لمجتمع الثورة.
فوقت مستقطع، وهو النص الأول من المسلسل، الذي يعود تأليفه لهيثم حقي، سقط في فخ رتابة الدراما، وضياع بوصلة الفكرة، عبر بداية باردة، أساسها علاقة غير متوقعة بين خبير الكمبيوتر " جمال سليمان" وابنة الضابط " سوسن أرشيد"، التي أوقعته في شراكها، لتمضي الحلقات الستة الأولى من السلسلة، دون أي حراك جديد، سوى لقاءات عابرة بين الإثنين، يتبعها تخبطات عاطفية، تمر في أثنائها نشرات أخبار تونس ببرود، لا يشي بأن ثورة قادمة سيكون ابن ذلك المهندس أحد المشتركين فيها، وغير ذلك من القفزات التي تلاحقت مع الحلقة السادسة، لنفاجئ بتغيرات سريعة، كان يمكن أن تمنح وغيرها من الأحداث التي تجاهلها الكاتب وقتا أكبر في إطار وقته المستقطع، الذي لخصه في نهاية الجزء الأول من المسلسل بكلمات تدل على بدائية درامية، حكت ما آلت إليه حياة كل فرد من أفراد عائلة المهندس بعد الهجرة التي بدت وكأنها مصير كل السوريين.
(مدينة الذهب): حيث يجتمع الشبيح والمنشق
لا تخرج الحكاية الثانية، عن كونها فنتازية أراد الكاتب غسان زكريا من خلالها تغير المنطق الثوري الذي لا يجهله أحد من معايش الثورة السورية.
تلك القرية الساحلية الفقيرة، التي تضم الشبيح ذو اللهجة المعروفة سوريا، وعائلة زوجته التي تعتاش على عمل الأبناء ببيع المشتريات للسياح، وعمل الأب في الأرض الصغيرة، تشاء الأقدار أن ينضم الابن الأكبر للجيش، ويكون ضمن الكتيبة المكلفة لقمع المظاهرة حيث يعمل زوج أخته الشبيح، الذي يأمره بإطلاق النار على المتظاهرين فيرفض ليكون مصيره القتل على يد عنصر الأمن، وهنا يكون مشروعا، التساؤل عن تلك القرية الساحلية التي ضمت أُسرها شبيحا ومنشقا عن النظام، فضلا عن أن كاتبي القصة الاولى والثانية كان لديهما إصرار واضح على إخراج الثورة من غير مكانها الذي خرجت منه حقيقة، فلم يظهر ولا اعتراف واقعي، يقول أن الثورة قد خرجت من المساجد شئنا أم أبينا، حيث لا يمكن لذلك الواقع أن يقلل من أهميتها كثورة حرية وكرامة لكل السوريين، على عكس ما تم في الحكايتين اللتين همشتا جزءا كبيرا وأساسيا من السوريين.
(القلعة) الأفضل كتابةً
لعل ما سبق أثر بشكل سلبي على تقبل جزء (القلعة) لكاتبه خالد خليفة، كنص يمكن اعتباره الأفضل بين نصوص (وجوه وأماكن)، حيث جاء متماسكا إلى حد بعيد في طرح إشكالية الدين والعلمانية، والتبعات التي أثرت عليها بعد قيام الثورة وطول مدتها الذي أدى لصعود المتطرفين الذين استغلوا ما ملكوا من قوة في عمليات انتقام الظالم من الواقعين تحت رحمته، التي تمثلت في النص من خلال قصة حب نشأت بين شاب وفتاة من مدينة دير الزور، إلا أنها لم تكتمل بسبب اختلاف الأفكار الدينية وتبني الشاب للعلمانية، مقابل انسياق أهل الفتاة وراء الطرف الديني الذي صعد بمتطرفيه بعد الثورة وكان زوج الفتاة أحدهم ليستغل ذلك في مضايقة الحبيب السابق لها، بحجة الكفر والإلحاد.
تراجع إخراجي مخيف!
لم يكن مسلسل (وجوه وأماكن) على القدر الذي طمح إليه المتشوقون لدراما ثورية تستفيد من النجوم المنضوين تحت الثورة، حيث عانى من مشاكل عدية بدأت بنصوص حاولت أن تستقي من لغة الشارع، فلم تجد أمامها سوى شعارات الثورة التي قيلت على ألسنة شخوص المسلسل، وكأنها نابعة منهم للتحول لغتهم إلى الخطابة التي كانت منفرة في أحيان كثيرة، فضلا عن تراجع مخيف عانته كاميرا وعين "شيخ المخرجين السوريين" كما يحلو للبعض وصف هيثم حقي... حيث أفلتت منه، ضروريات كان لابد منها في مشاهد المسلسل لاسيما في جزأيه الأول والثاني، تكون قادرة على تأسيس للحدث الذي يطرحه في المشاهد القادمة دون إشعار المتابع بنقلات اعتباطية تفتقد للتوجيه!
التعليقات (5)