في الحقيقة لم يكن هذا السلوك جديدا في السويداء، بل ابتدأت نشاطاته مع جمعية المرتضى التي عمل عليها جميل الأسد في الثمانينات وسرعان ما فشل، لكن الثورة السورية استلزمت أدوات جديدة، فاستعان الفرس بوئام وهاب تحت رعاية حالش لكنه أيضا فشل في التمدد والثبات، فاستخدموا ورقة المقاومة التي يتاجرون بها وجندوا ذلك المدعي المرتزق سمير القنطار والذي للأسف، بعدما سمي عميد الأسرى في السجون الإسرائيلية، يخرج ليشبح على نسيجه العربي لصالح مشروع لا يمت للعروبة بصلة ويحرق تاريخه بمواقف صبيانية، ومع كل الدعم الذي لقيه لكنه فشل في الثبات والتمدد، فتدخل تنظيم حالش الإرهابي مباشرة، وبدأ يظهر للعلن ويحاول تطويع الشباب بإغرائهم بالمال، واستغلال الأزمة المعيشية التي رافقت سنوات الثورة وانهيار اقتصاد النظام، لكن الأعداد لم تكن مشجعة وبعضها انسحب بعد التدريب كي لا يلتحق بجبهات القتال في سوريا.
فجاء دعم جانبي للحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي لم يكن له وجود في تلك المحافظة وعلى غفلة أصبح له مكاتب ترفع أعلامه وسيارات تتجول باسمه، ولكن الأعداد لم تتجاوز المئة شاب في أحسن الأحوال، فعمدت على إنشاء ميليشيا محلية بصفة درزية لكنها هي الأخرى لم يتجاوز عددها المئة شاب، وهكذا بقيت كل المحاولات تراوح بالمكان، فغطى النظام ذلك الفشل بالضخ الإعلامي لتضخيم دور تلك الميليشيات.
كان واضحاً للمتابعين ومنذ أعوام قبل الثورة، أن الفرس يريدون تحويل مدينة ما في الجنوب لمركز طائفي يتبع لهم ويتمدد أثره، فكان الدعم لجزء من سكان مدينة بصرى الشام، وهم أسر شيعية نزحت في بدايات القرن الماضي من لبنان بسبب المجاعة واستقبلتهم بيوت بصرى واستوطنوا هناك، ومع الزمن أصبحوا كتلة سكانية، وللأسف عوضا عن انتمائهم للمدينة التي حوتهم، أعلنوا ولاءهم لإيران في تلك المنطقة الواقعة بين السويداء ودرعا وقرب الحدود الأردنية، وهذا اللعب بالتركيبة السكانية واستخدام المال الطائفي، كان لولا الثورة السورية المباركة سيؤثر على كامل المنطقة الجنوبية وصولا إلى الأردن.
لم يكترث أحد تاريخياً إن سكن حمصي في حلب أو ديري في حماة أو درعاوي في السويداء، كذلك لم يكن أحد يتساءل أو يندهش لوجود مسيحي أو درزي أو علوي أو اسماعيلي أو شيعي في حارة أو مدينة سنية، والعكس صحيح.
ففي مدينة السويداء ومنذ سنوات ابتدأ بعض التجار السنة من دمشق وريفها، ومن درعا بشراء أراض زراعية ومحلات تجارية واستثمارها، وقد نجحت عدة مشاريع وساهمت في نشاط تجاري واقتصادي ملحوظ، ولم تكن تلك الشخصيات السنية أو الأموال تغطي خلفها فتحاً سنياً لتلك المحافظة، ولم تخبئ نوايا مبيتة سوى أنها ابنة بلد اسمه سوريا ومن حق السوري الاستثمار والسكن في أية جغرافيا وطنية يرتاح بها.
بالمقابل أيضا وقبل الثورة، لوحظ نشاط من نوع آخر لشبكة غير واضحة الهوية تعمد في السويداء على شراء الأراضي الزراعية وغيرها لصالح شخصيات لم يكن أحد يعرفها أو يعرف أسرارها بسبب تركيبة النظام، ولم يظهر خلف ذلك أي نشاط اقتصادي طبيعي إن كان تجاريا أو زراعيا ، ودارت الأحاديث الهامسة بأن خلف ذلك يقف شخصيات ومؤسسات شيعية، توازى هذا مع التمدد الشيعي في درعا ووضوح معالمه وطقوسه في أكثر من مدينة ومنطقة، وكان واضحاً للمتابع أن أموالا طائلة تدفع من خلف الكواليس لدعم النمو والتمدد البشري الشيعي، لم يكن أحد من أبناء السويداء ومتلهم في درعا تأخذه الشكوك كثيراً ما عدا الذين كانوا على دراية بالمشروع الفارسي، الذي أخذ يلعب بالغرائز ويأخذها بعيداً عن حسابات أمتها لحسابات عنصرية، تؤدي دورها كحصان طروادة في خدمة ذلك المشروع الذي تضمره إيران.
بعد أن فضحت الثورة كل تلك النوايا وظهرت الميليشيات الشيعية القادمة من دول مختلفة وفي ظل صمت عربي رسمي وشعبي مريع، وفي غياب إرادة سياسية تدرك خطر ما كانت تقوم به إيران، أصبح واجبا على السوريين التكاتف بتنوع تركيبتهم السكانية، لدحر هذا المشروع الفارسي إلى الأبد، فالتلاعب الأخير في محافظة السويداء ليس منعزلا عما يدور في بقية المدن السورية، ولكن ما جرى أخيرا بعد فشل مساعي التشيّع بالاعتماد على دعم تنظيمات محلية في المحافظة ذات صفة طائفية بحجة الدفاع عن النفس مقابل التطرف السني، هو بحقيقة الأمر تقوم به إيران وتضخ الأموال لأجله، ليس محبة بالدروز بل انتقاما لفشل مشروعها الطائفي، فسلكت طريقا مختلفا لتفتيت النسيج الدرزي الدرزي أولا والدرزي السني ثانيا، وبالتالي خطف الدروز من مشروعهم العربي الذي ينتمون إليه، ما زالت هذه الميليشيات محدودة الفعل والنجاح والعدد، وما زالت الحاضنة الشعبية العامة في السويداء بعيدة عن التجييش، لكنها أيضا أصبحت مراقبة للمشروع الفارسي ومتحفزة دائما للقضاء على أية فكرة تبعد المحافظة عن محيطها، وقد نجحت حتى الآن بذلك، وهذا ليس له علاقة بانتماء أو عدم انتماء الكتلة السكانية بالمحافظة إلى الثورة السورية ضد عصابة الأسد وتوابعها، بل هو نسيج اجتماعي يريد الحفاظ على الخصوصية التي تتمتع بها تلك المحافظة، وبجميع الأحوال وأيا كان الدافع، هو بالمحصلة يعادي المشروع ذاته الذي تعاديه الثورة وهذا الأهم والمطمئن وإن اختلفت التسميات، فالمشروع الفارسي الطائفي يمر من وجود الأسد ونظامه، وإن إسقاطه من التاريخ السوري، سيعيد للنسيج الاجتماعي السوري فرصته في التلاقي والبناء على تاريخ أعمق من سنواته العجاف التي حكمت بها سوريا.
التعليقات (1)