أنصاف الحلول غير مطروحة في سورية!

أنصاف الحلول غير مطروحة في سورية!
يسيطر شعور بانعدام الواقعية وغياب الجدية على النهج الذي تتبعه الحكومة البريطانية في قصف «داعش» في سوريا، كردّ على مقتل مواطنيها في تونس أخيراً. وإذا أخذنا بعين الاعتبار التقليد البريطاني السياسي القائم على التسويف، فإننا نرى أنه لا يزال هناك نوع من التراخي العجيب في التمهيد للحظة التي نحاول عبرها قتل أعضاء التنظيم الأخطر في العالم.

وتجري محاولات تفسير التأخير في إضافة العراق وسوريا إلى لائحة أهداف سلاح الجو الملكي البريطاني على أنها محاولة لكسب تأييد الأحزاب لقرار القصف. أما عملياً فيعكس هذا التواني الطبيعة المتناقضة للسياسة البريطانية والأميركية حيال الحرب في سوريا.

كتف البندقية

وتحاول الحكومة البريطانية طبعاً أن توحي بتماهي رغبتها في قصف سوريا في العام 2015، عقب مجزرة سوسه، ونواياها المماثلة المفترضة في عام 2013، عقب استخدام النظام السوري الغاز السام في دمشق، الأمر الذي رفضه مجلس العموم. التفصيل الوحيد الذي تم إغفاله في الرواية هو أن بريطانيا في الحادثة الأولى كانت تنوي قصف الجيش السوري، أما في الثانية التي أتت بعد عامين، فهي ستهاجم «داعش»، عدو الجيش السوري الأول.

أراد كريسبين بلانت، رئيس لجنة التحقيق في الشؤون الخارجية التابعة لمجلس العموم البريطاني، أن يعرف ما إذا كان أي تدخل سيكون بمثابة «قرار ربح المعركة»، إلا أن ذلك لن يحصل لأنه على الرغم من الغارات الخمسة آلاف التي شنتها الولايات المتحدة على العراق وسوريا، حقق «داعش» انتصارين عسكريين في البلدين.

أثبتت عملية احتواء التنظيم من خلال استعمال القوة الجوية فشلها، ووجد بلانت النقاش المتعلق بتحرك عسكري في سوريا «محبطاً و لن يحدث فرقاً في النتيجة» يصح أن الغارات الجوية بقيادة أميركية قد أثبتت أنها ليست «عنصر تغيير في اللعبة» على أرض المعركة، كما كان يفترض.

قال رئيس لجنة الدفاع في البرلمان البريطاني فيما مضى: « أرادت الحكومة التخلص من الأسد من دون مساعدة القاعدة أو التنظيمات المماثلة. من الواضح اليوم أننا نريد التخلص من (داعش) من دون مساعدة الأسد. وهذان أمران غير متوافقين.»

تكمن المشكلة في الحرب الأهلية في سوريا في أنه لا يمكن دعم مختلف أطراف الصراع، لأن «داعش» والجماعات المتشددة ستكون أكبر المستفيدين من إضعاف الأسد وحكومته في سوريا.

قوات الأسد منهكة، لكنها ليست على وشك الانهيار، على الرغم من إحباط آمالها في استعادة حلب والتوغل في مناطق خاضعة للمعارضة. وقد ينتهي الأمر ببريطانيا وأميركا، في مرحلة ما، بقصف «داعش» عند محاربته لجيش سوري متفكك. وسيزداد الأمر صعوبةً بمرور الوقت وتغلغل التنظيم في دمشق وحلب وحمص وحماه.

عسكرة السياسة

لكن ربما يكون من الخطأ الاعتقاد بأن القصف البريطاني الأميركي لـ «داعش» أثناء مقاتلته الجيش السوري سيضمن بقاء الأسد في السلطة، حيث إن عسكرة السياسة في سوريا منذ العام 2011 قد صبت في صالح «داعش» والأسد معاً، وتركت السوريين معارضين للتنظيم والنصرة، لكن مرتعبين أكثر من قوات الأسد، ولم تترك لهم بديلاً إلا القتال والموت.

تتمثل إحدى المبادرات ممكنة النجاح في إقدام أميركا وبريطانيا على طرح استخدام القوة الجوية بالتعاون مع الجيش السوري ضد «داعش»، شرط أن يوقف النظام السوري قصف المناطق الخاضعة للمعارضة بالبراميل المتفجرة.

ومن شأن هذا الطرح أن يستقطب مؤيدي الرئيس السوري بشار الأسد اليائسين، ويجعل من الصعب عليه رفضه. وما إن يشهر هؤلاء المناصرون أنهم ما عادوا يقاتلون دفاعاً عن وجودهم على غرار ما يشعر به الناس الذين يعيشون في ظل المعارضة، حتى يمكن أن تصبح التسويات واتفاقيات وقف إطلاق النار قابلة للتنفيذ.

إذا بدأت قوات الأسد بالتضعضع، فمن المرجح أن ينتهي الأمر ببريطانيا إلى دعمها سرا لمنع «داعش» أو جبهة النصرة من الاستيلاء على كل سوريا، لذا يمكن أن تقوم بالخطوة علناً وفي مرحلة مبكرة أكثر، لتكسب التأثير الفعلي على حكومة دمشق.

ارتباك

لم يتم ذكر الهوية المتغيرة لعدو بريطانيا في بيان 10 داونينغ ستريت أخيراً، حيث قال متحدث حكومي:« لطالما اعتقد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن (داعش) يشكل تهديداً لبريطانيا ويجب تدميره في سوريا كما في العراق. وهذا تماماً ما قاله في نقاش مع مجلس العموم في سبتمبر الماضي، حيث جادل بقوة مدافعاً عن وجهة نظره القائلة بضرورة قيام بريطانيا بمزيد من الجهد في سوريا، إلا أنه طالب بإجماع المجلس.»

ويجدر بذلك المخطط أن يزعزع عناصر التنظيم في الرقة، لكن الحقيقة المؤسفة هي أن بريطانيا في العام الرابع من الحرب السورية لا تزال مرتبكة حيال الجهة التي تنحاز لصفها.

* ترجمة: فاتن صبح - صحيفة (البيان) الإماراتية 15/7/2015

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات