هل تتذكرون (طبوا رؤوسكم) في المدرسة؟..هكذا يتم علاج حالتكم الآن!

هل تتذكرون (طبوا رؤوسكم) في المدرسة؟..هكذا يتم علاج حالتكم الآن!
في أول تجربة مواجهة مع العالم الحقيقي دون حماية الأم والأب، لم ينس سلمان معلمته القاسية حين كان خائفا في يومه الأول في المدرسة، في سوريا، كانت المدرّسة قد قامت بالاستعانة بطالبة ضخمة القوام من طلاب الصف السادس لتحكم سيطرتها على طلاب الصف الأول الصغار المرتبكين، وكانت تمر بين التلاميذ وتقوم بالضغط على رؤوسهم للأسفل، فهذه هي إحدى الوسائل المتبعة للسيطرة على الأطفال في المدارس، قاعدة (طبوا رؤوسكم)، والتي تعني أن على الطفل أن يخفض رأسه إلى الأسفل، ويحيطه بذراعيه، ويمنع عليه أن يتحرك أو يتكلم، وإلا فالعصا الغليظة بانتظاره، أو الزحف على الركب في ساحة المدرسة، وغير ذلك من أشكال العقوبة المؤلمة.

الطفل الصغير سلمان لم ينس أبدا تلك الذكريات السيئة التي حملها من سني طفولته المبكرة، والتي حملها كثيرون غيره من السوريين في ذاكراتهم، ربما تحولت بمرور الزمن إلى ذكريات دفينة في اللاشعور، ولكن تتحكم بلا شك في كثير من ردود الأفعال اليوم، وإن بطريقة لا شعورية، ففي دورة العنف يتحول المعنَّف إلى معنِّف بعد أن يكبر أو يشتد عوده أو يتسلم أي منصب أو سلطة، أو يتملك أيا من أسباب القوة، ففي المجتمعات التسلطية إما ان تكون ضحية أو جلادا ولا خيار بينهما ، فإن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب.

هذه الثقافة التي أنشأها النظام وعززها و التي تحمل في طواياها بذور العنف الذي كان موجودا قبل أن يتفجر بوجه الثورة السورية، وإن لم يكن بهذا الوضوح والشمول اليوم الذي غطى وجه سوريا والمنطقة كلها أيضا، ثقافة العنف دفعت سلمان العباس الذي أصبح اليوم مدربا تربويا وتعليميا في المدارس السورية، والمنظمات في غازي عنتاب التركية، إلى البحث عن جذور هذه الثقافة التسلطية العنفية ومواجهتها بوعي والبحث عن وسائل تربوية بديلة لتوجيه سلوك الأطفال واليافعين دون استخدم العنف.

يعترف الأستاذ سلمان بصعوبة المهمة، ففي مجتمع عومل بالقمع والعنف لأكثر من أربعين عاما، ومازالت دائرة التسلط تدور فيه من الأقوى تجاه الأضعف، فيما تتدفق أخبار القتل والتدمير والتهجير والقصف طيلة الأربـع والعشـرين سـاعة، يصـبح اقتلاع ثقافة العنف من جـذورهـا فـي المدرسـة والأسـرة أمـرا بالـغ الصـعوبة.

يتابع المربي سليم حديثه: ما الذي يمكن أن يفكر به المظلوم، والمشرد، والمهجر، والجائع، واليتيم، سوى الانتقام ؟ إنه يمتلئ بالغضب والسخط والأسى، على واقع فاق قدرته البشرية المحدودة على الاحتمال، الأب والأم والمدرس والهيكل التعليمي كله يعيشون ظروفا غير طبيعية، والغالبية العظمى منهم تعيش في أحياء فقيرة، أو في استوديوهات وهذا يشكل ضغطا نفسيا كبيرا عليهم، فكيف يمكن أن نطالبهم بردود أفعال طبيعية؟. فالنظام يقمع الإنسان، والمدير يقمع الموظف، والمدرس يقمع الطالب، والرجل يتسلط على المرأة في المنزل، والأم تتسلط على طفلها، الذي يكبر ويقوى ليعيد دائرة العنف إلى دورتها الجديدة.

دائرة العنف وتركته الثقيلة حملهما السوريون معهم وللأسف إلى بلاد اللجوء، ففي المدارس السورية في غازي عنتاب التركية ظهرت ظواهر عنفية من قبل بعض الطلاب تجاه بعضهم، وصلت في بعض الأحيان إلى حد استخدام الأسلحة البيضاء على خلفية شجارات بين المراهقين، كذلك بعض المدارس الموجودة في مخيمات اللجوء في تركيا شهدت حوادث عدة لضرب تلاميذ من قبل مدرسيهم، ولكن تم التكتم عليها، كإحدى تلك الحوادث قام المدرس بضرب الأطفال بخرطوم المياه، وفي واقعة أخرى قامت مدرسة بمعاقبة إحدى الطالبات بحبسها في الحمام لساعات، وفي حالة أخرى قامت إحدى المعلمات بالضغط على أصبع طفل صغير ما بين قلمين لتسبب له الألم، وهي تحتج بالقول هذا ليس ضربا، وإنما هو شكل من أشكال الضبط فقط.

يتابع الأستاذ سليم فيقول: «حتى الأطفال الأيتام في بعض المدارس في الأحياء الفقيرة من غازي عنتاب تعرض الكثير منهم للضرب على أيدي مدرسيهم، وحتى صغار الطلاب في الصفوف الأولى، وبالإضافة للعنف البدني الذي ما زال موجودا بشكل واضح في بعض المدارس، فإن العنف اللفظي ـ والذي يشتمل الإهانة والسخرية والتوبيخ والتهديد ـ ما زال موجودا أيضا، وهو لا يقل أذى نفسيا وتدميرا عقليا لإمكانات الطفل التي وهبه الله إياها، والذي تستمر آثاره المدمرة على دماغ الإنسان حتى آخر لحظة من حياته.

يخبر المعلم والمدرب التربوي سلمان العباس «القدس العربي» عن المعالم الأساسية التي يتبعها في أسلوبه التربوي القائم على نبذ العنف، فيقول: التعليم والضبط والتوجيه بلا عنف ولا صراخ، هو ثقافة جديدة على الطفل والإنسان السوري، كما هي جديدة على المعلمين الذين تعودوا على الأساليب القديمة، ولكنني قررت أن أكسر هذه الحلقة من دائرة العنف، فأن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام، لا بد في البداية أن يكون الطلاب على اطلاع بخطة الانضباط والثواب والعقاب، ويشاركوا بصياغتها، فيقترحوا الممنوعات والمسموحات ويقترحوا الجوائز والعقوبات، ولزيادة التوضيح رسمنا لهم شجرة السلوكيات المرغوبة على شكل ألوان في مدخل المدرسة، يتم استخدام البطاقات الايجابية والسلبية مع شرح متى ينال الطالب هذه البطاقات، فمن نال ثلاث بطاقات ايجابية وما فوق يحق له الاشتراك في بازار الجمعة، والذي تكون العملة المتداولة لشراء الهدايا هي البطاقات الايجابية، ولزيادة تشويق الطلاب تكون هدايا البازار (السوق) معروضة في بهو المدرسة طيلة الأسـبوع، اما البطـاقـات السـلبية فتبقى لدى المعلم وحين يـزيد عـددها قد يفصـل الطـالب ليـوم واحـد.

وبالطبع لا بد من مزج الجد بالطرافة بين المعلم والطالب لخلق أجواء ودية تسهل عملية التربية والتعليم، كما أنه في عصر وسائل الاتصال فإن استخدام أساليبها في التعزيز يسهم بشكل كبير، فتصوير الطلاب وهم يعملون، ووضع لهم (لايك) في الهواء كعلامة إعجاب على سلوكياتهم الإيجابية يشجعهم كثيرا، أما من يقوم بعمل إيجابي كمبادرة منه فكنت اتصل بأهله وأقدم لهم الشكر، وهذا ما كان يعزز من مكانتهم عند أهلهم كثيرا، لكن المضحك في الأمر أن بعض الأهل كان يخاف عندما اتصل به و يسألني: «خير؟ ماذا فعل ابني؟».

ففي مجتمع يعاني من العنف ليل نهار يصبح التعزيز الإيجابي شيئا غريبا، ولكن التفاعل الإيجابي من الطلاب يحمل في طواياه أملا واعدا بالمستقبل.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات