خبأت الدواء في ألعابها: تركيا تكرّم أصغر ناشطات الثورة السورية

خبأت الدواء في ألعابها: تركيا تكرّم أصغر ناشطات الثورة السورية
لم تكن "أية" الفتاة البالغة من العمر ستة سنوات بمنأى عن انخراط عائلتها بالحراك السلمي للثورة، فهي التي دائما ما كانت تطالب والدتها بإيجاد عمل لها كباقي افراد العائلة ضمن حراك الثورة، ولم تفلح كل محاولات العائلة بإبعاد طفولة "أية" عن معترك الثورة، ولم تقتنع "أية" بأداء دور صغير ضمن المظاهرات السليمة التي كانت تخرج بالحي كترديد شعارات الثورة التي كانت تصدح بها حنجرة أخاها الكبير منشد الثورة بالحي.

"خديني معك والله فيني ساعدك"

تقول شقيقة (آية) الاكبر وهي مسعفة تعمل كناشطة في المجال الطبي.

" لم ندرك للحظة أن "آية" تملك من الجرأة والشجاعة ما يعجز الكثير منا عن امتلاكه، لم أنسَ المرة الاولى التي تجاوز دور (آية) ترديد الهتافات في المظاهرات. يومها رفضت (آية) الوقوف على شباك المنزل ومشاركة المتظاهرين هتافاتهم بل كانت تحاول مساعدتي بتوضيب المعدات الطبية بانتظار ما تحمله الدقائق القادمة حال وصول الامن والشبيحة، وهي مرددة جملة "خديني معك والله فيني ساعدك". تلاشت أصوات المتظاهرين بين الصراخ والاستغاثة ولم يتبقَّ سوى أصوات عناصر الأمن وشتائمهم ممتزجة بأزيز الرصاص. ادركت وقتها أن هنالك جرحى لم يستطيعوا الوصول إلى منزلي لانتشار الامن والشبيحة في الحي، رن هاتفي ليخبرني أحدهم أن جريح بحالة حرجة موجود بأحد منازل الحي المجاور ويتوجب علي الوصل اليه بأسرع وقت، لحظات كانت تمر وكأنها سنين وانا محتجزة داخل منزلي لا يمكننني الخروج.. خشيت تفتيشي وفضح أمري ومن ثم اعتقالي، رنين الهاتف لأكثر من مرة زاد توتري وشل تفكيري.. وقتها اتاني صوت "أية" "ليش خايفة؟ طيب نحنا مو ع طول منقول ليش خايفين الله معنا.. انا رايحة .. انتي ضلي هون لا تساعدي حدا حتى لو كان حدا من اخواتك.. ماشي .. خليكي هون ولا تساعدي حدا"

"ليش خايفين الله معنا"!

بدأت (آية) بتوضيب بعض معداتي الطبية البسيطة بحقيبة ظهرها الصغيرة وهي باكية ومرددة " ليش خايفين الله معنا"، فترة من الصمت والذهول انتابتني قبل أن يكسرها رنين هاتفي من جديد، امنت بما امنت به "أية" وهممت اضع ما يلزم بحقيبتها الصغيرة، قرأت بضع أيات من القرأن، فتحت باب الشقة وهممت بالخروج، ما ادهشني أكثر من كلام "أية" هو تصرفها وردة فعلها لحظة خروجنا من المنزل، ركضت "أية" باتجاه عناصر الامن وهي مدعية البكاء لتحتضن أحدهم وتقول بصوت خائف.. "عمو منشان الله لا تتركنا.. لا تتركنا منشان ما يقتلونا المسلحين.. عمو وصلنا ع بيتنا منشان الله.. الله يخليك يا عمو منشان الله خدني على بيتنا" فما كان من عنصر الامن الا حمل (آية) بين يديه وتوجه نحوي ليسألني عن مكان اقامتي ومن ثم اصطحابي الى منزلي المزعوم تحت حمايته المصطنعة وبراءة مذهلة من (آية)"..

هي احدى قصص "أية" ومشاركتها بثورة الكرامة حيث أن تلك الحقيبة " الدب" استطاعت بمجهود "أية" ادخال عشرات وربما المئات من ابر " الأوكمانتين والروس والكزاز وغيرها من المستلزمات الطبية" إلى منطقة "المزة بساتين" رغم الحصار الخانق التي كان قد فرضه عناصر النظام وشبيحته..

"أمي كتير تعبانة"!

(آية) الصغيرة، تعيش الآن مع عائلتها... ومنذ سنتين في بلدة صغيرة على سفوح جبال انطاكيا، تتذكر حقيبتها "الدب" ووجوه جرحى ساهمت بإنقاذهم، وتحلم بعودة الى ذاك المنزل الذي لم ترَه بعد أن تهدم دافنا تحت ركامه ذكريات وجني عمر العائلة.. (آية) التي ساعدت الكثيرين تحاول مساعدة امها التي كسر الدهر ظهرها وغير ملامح وجهها وجسدها..

تقول (آية) التي بلغت منذ فترة الثامنة من العمر: " أمي كتير تعبانة.. شوف اديها كيف عم يرجفوا وكمان رجليها بيضلوا يوجعوها.. كل الليل ما بتنام من الوجع.. دائما بقلها لاعاد تشتغلي باراضي الناس ولا بالبيت انا واخواتي بنشتغل.. بس هي ما بترد علينا وبتضل تروح عالشغل وبتضل تتوجع بالليل.. وبتضل تقلي انتي بس ضلي شاطرة بالمدرسة وانا منيحة... صحي انا بحب المدرسة ومعلمتي ورفقاتي بس بحب امي اكتر.. انا ما بحب المدرسة بس لانو المعلمة بتعطيني كل يوم ليرة تركية قال لاني شاطر والاولى ع صفي. انا بحب المدرسة لاني بدي صير دكتورة وعالج جرحى المظاهرات.. انت مفكر المظاهرات خلصت؟.. لا المظاهرات ما بتخلص.. بتعرف ليه ما بتخلص؟.. ما بتتذكر اديش كنا نقول "عالجنة رايحين شهداء بالملايين" اي لسا ما صار ملايين.. الملايين كتار كتير.. الثوار كان يقولو هيك والثوار ما بيكذبوا. بعدين اذا خلصت المظاهرات بيزعلو منا خوالي.. خالو سامر استشهد بحلب.. وخالو مجدي وخالو بسام استشهدو بالسجن"..

"خلص (آية) بيكفي.. روحي حبيبتي جيبي شهادة التكريم تبعك فرجيها لعمو.. يللا روحي".. قالتها "ام الضو" بصوت مثقل بالهموم والمأسي.

حفل تكريم وغناء بالتركي!

نظرت الي بعينين متعبتين مهزوزتين وقالت: "عرفت ليش الثورة ما بتموت؟" وقبل أن اجيب اردفت "أم الضو" قائلة:

"اذا في شي مصبرني على مصايبي وغربتي بتكون (آية).. بتعرف انو اجى وفد تركي على مدرسة (آية) بس ليكرموها.. قالولنا بحفل التكريم " ما كنا مصدقين انو هالبنت سورية.. لو ما غنت بالعربي ما كنا صدقنا انها عربية".. صارت بتحكي تركي متل البلبل ما فيك تأفرها عن الاتراك .. وطلعت الاولى على مدرستها وبتكتب شعر بالتركي وبتغني بالتركي.. عملولها فقرة خاصة فيها بعيد الطلاب وطلعت عالمسرح وقالت شعر من تأليفها وغنت ورقصت.. ما كنت مصدقة يلي عم شوفو.. ع قد ما انبسطت كانت حرقة قلبي اكبر.. وفد تركي اجى ما بعرف من وين لانو بنت سورية تفوقت بمدرستها عالاتراك وبلغتهن.. ونحنا يلي ضحينا بكل شي عم نشحد رغيف الخبز لحتى نقدر نعيش.. اخواتي التلاتة راحوا بدون ما يودعوني.. ولادي التنين اعتقلو مع ابوهن مرتين.. تهدم بيتي .. هربنا وتشردنا وانزلينا.. دفعنا تمن اكبر من يلي بنقدر نتحملو.. ع كتر الوجع ما عاد اعرف شو بيوجعني.. وما قادرة روح عالمشفى لانو ما معي اجار الطريق واذا كان معي الاجار، ما بيكون معي حق الادوية.. انا يلي جبت ادوية لنص الشام ما عم لاقي دوا لحالي.. انا يلي بعت صيغتي لجيب دوا لولاد الثورة.. ممثلين الثورة بدوهن ياني بيع كرامتي لداوي حالتي.. يلي ضحى بكل شي لازم يشحد ويلي ركب الثورة وما معروف قرعة ابوه منين راتبو بالشهر بيعيش عليتنا لاربع سنين.. الثورة لسى ما خلصت.. الثورة بتمرض بس ما بتموت.. الثورة راجعة لولادها.. ل "أية" وامثالها.. للي ضحى كرمالها.. بس بعد ما تاكل كل يلي خانها".

التعليقات (2)

    أبو عبد الله

    ·منذ 8 سنوات 10 أشهر
    هي من بطن حر....لأب حر....تعجز الكلمات عن التعبير...اللم بارك و ازجل العطاء لهم يا رب العالمين..

    مراقب ١

    ·منذ 8 سنوات 10 أشهر
    هناك رب يرى و يعرف و يجازي كل شخص حسب ما يستحقه. لا اظن ان صنيعك يا اختاه سيذهب سدى لا في الدنيا و لا في الاخرة. بارك الله بك و باولادك
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات