هي مجموعة أسئلة قد لا تنتهي، ولكن علينا أن نعترف بالبداية أن جيلا من الشباب المتحمس للحدث وبأدواته البسيطة، استطاع أن يقدم خبرا من داخل الحدث في بلد من أسوأ بلدان العالم من حيث صناعة الإعلام قبل الثورة، وهؤلاء الشباب لم يتح لهم باب المعرفة سابقا لتطوير مهاراتهم أو استعمال أدواتهم بحرفية مقبولة، وبرغم ذلك نقلوا الحدث بشكل مباشر وبعضهم أصبحت حياته حدثاً ينقل، فكما ابتدأ شعبنا بكسر حاجز الخوف وإطلاق العنان لحناجره بالهتاف ضد الطاغية، بعد قمع مورس بقبضة حديدية لا تحتمل الخطأ حتى بنسبة واحد على ألف، كانت قد حولت حياة السوريين إلى كابوس، كذلك الشباب الذين عملوا بأدواتهم وشجاعتهم أيضا مروا بذات الخطوات لكسر حاجز الخوف، وهنا نستطيع أن نقول إن لهم فخرا أنهم جعلوا أول ثورة بالتاريخ تنقل تفاصيلها من أصغر الحارات والبلدات، وكذلك كان لهم سبق توثيق أول جرائم حرب ضد الإنسانية لحظة بلحظة وعلى الهواء مباشرة.
فهل استطاع إعلام الثورة البناء على ذلك وتطوير تلك المهارات السورية المبشرة بطريقة مدروسة وغير استهلاكية؟ في الحقيقة من يتابع مسار هذا الإعلام يجد أنه استغل بعض هؤلاء الشباب كوسائل لقطف خبر عبرهم، ولم يتعامل معهم كلحم ودم من جيل ثوري يمكن أن يكون بذرة نقية لتفجير ثورة إعلامية، توازي عظمة الثورة التي ساهموا بها، فالمنابر الإعلامية المحلية المتاحة المرئية منها أو المسموعة، والتي هي محطات إذاعية ظهرت لاحقا وأخذت تعمل بطريقة المغانم الشخصية، حيث استطاع البعض بحنكته وعلاقاته الحصول على تمويل مادي، وأيضاً منافذ الإعلام المقروء إلكترونيا كون الإعلام الورقي المعارض مازال يعمل بطريقة مناطقية بسبب الظروف القسرية والفقر المالي، هذه الوسائل جميعها لم تصل حتى اللحظة لمفهوم المؤسسات الإعلامية حتى ولو بصورة مصغرة، بعضها تأدلج مسبقاً لصالح تيارات وبذلك خرجت من هذه الحسابات الوطنية الجامعة، وهي بشكل أو بآخر تستسنخ أسوأ أدوات النظام الإعلامية من حيث طريقة إيصال الخبر والمعلومة، وأيضا من حيث التوجه للرأي العام السوري وغير السوري، بما يناسبها هي وليس الوطن كوطن، وبذلك لم تنهج مسلكاً واضحا بطريقة حداثية مرنة ترتقي بالذوق العام مستفيدة من الرقي الذي قدمته الثورة. أما بقية الإعلام غير المؤدلج فهو على درجات، ولكن لا يعني أن تلك الدرجات فيها سقف مرتفع، إن استثنينا تلفزيون أورينت في الإعلام المرئي كونه يظلم إن قارناه مع غيره من المحطات، حسب نسبة المتابعة والتفاعل بما فيها الموالين للنظام كما ظهر لاحقا أنهم يستندون عليه لمعرفة الأخبار، فتصبح الدرجات هنا أشبه بدرجات قبو تماما كالأقبية المخالفة التي انتشرت بالمدن السورية بلا أية مقاييس أو معايير عمرانية، هي أخذت من الثورة قشورها ولم تقدم لنا سوى الكثير من الاستعلاء والذاتية والقليل من المهنية، وبذلك بعضها قدم خدمات جليلة للنظام فبدت صورة المعارضة على أنها خالية من الكفاءات التي تستطيع استنباط الوسائل للولوج إلى قلوب الناس، وأيضا بعض هذه المحطات لم تتعامل مع سوريا كوطن ولا مع المواطنين كشرائح مختلفة الأعمار والذوق ككل المجتمعات.
لاشك أن توفر الموارد المادية لأي وسيلة إعلامية هو الدينامو الأساس الذي يغذي الطاقة في الجسد الإعلامي المحدد، ولكن بشرط توفر الكفاءات التي تسخر ذلك ضمن استراتيجية مدروسة تنفذها كوادر إدارية مرنة، بحيث تطمئن إليها الطاقات التي يمكن تحفيزها للسير قدما بفعالية تليق بثورة زاخرة بالإبداع، هنا يمكن القول إن الكوادر التي تحمل خبرات والتي كانت شبه مغيبة قبل الثورة، خرج العديد منها من سوريا بسبب التضييق عليها وهربا من التصفية الجسدية، كما أن النظام عمل جاهدا لتفريغ الشارع السوري من مثقفيه وأصحاب الفكر الذين يمكن لهم التأثير بالرأي العام، لكن الكثير من هذه الكوادر لم تستغل خبراته.
لا يمكن بدقة الإجابة عن هذا الموضوع لأنه يتبع النوايا، ولكن إذا اعتبرنا أن الثورة ضامنة لحقوق السوريين جميعا بالعمل السياسي والإعلامي وغيرهما كما بقية نواحي الإبداع والعطاء، فهذا يعني بالضرورة أن تكون نوايا القائمين على إمداد العمل الإعلامي وما تبعه ماديا ومعنويا ضامنة أخلاقيا لتكوين حالة وطنية في الإعلام بكافة أنواعه، وهذا يتبعه أيضا التزامات من كوادر هذه المؤسسات بأن تكون الحالة الوطنية هي الحالة الجامعة والراقية أيضا، كونها مسؤولة أمام التاريخ بأنها دخلت البيوت لتنعشها فكريا ووطنيا، لا لتهدمها كما فعل البعث فعلته المشينة طيلة عقود.
التعليقات (0)