أورينت نت | ترجمة: نور مارتيني
تنوه صحيفة (أورينت نت) أنها لا تتبنى كل ما جاء في هذا التحقيق، لكنها تلتزم – كعادتها – بالترجمة الحرفية الكاملة على سبيل الأمانة الصحفية في عرض وجهات النظر كما هي! (أورينت نت)
درجت العادة أن ينظر الناس للعلويين على أنهم داعمون لنظام الأسد، وشديدو التحمس له، إلا أنّ بعض المخاوف بدأت تساورهم، ولم يعودوا موالين للنظام بشكل كلي، كما في السابق.
كي تعثر على الناس المؤيدين لنظام الأسد، المحصّن بشكل منيع، ما عليك إلا أن تبحث في الجبال، الوديان، والمدن الساحلية التي تقع غرب البلاد؛ إنها معقل الطائفة العلوية، الموطن التقليدي لهذه الأقلية الدينية، التي ينتمي إليها بشار الأسد، وبعض من أهم الشخصيات التي تنتمي إلى الدائرة المقرّبة منه.
طائفة راديكالية غامضة!
يشكّل العلويون نسبة لا تتجاوز 10 إلى 15% من تعداد الشعب السوري، ويجري دائماً تقديمهم على أنهم أشدّ الداعمين لنظامه؛ ويخشى غالبية العلويين بالفعل، من أن يجري الانتقام منهم من قبل الغالبية السنية، في حال سقوط نظام الأسد، والذين قادوا الثورة ضد النظام منذ شهر آذار عام 2011، حيث يرى غالبية السنة في العلويين شركاء حقيقيين، بملء إرادتهم، في دعم النظام الوحشي، الذي ارتكب أفظع الجرائم بحقهم، منذ تأسيسه قبل اكثر من أربعة عقود خلت، من قبل والد الرئيس الحالي "حافظ الأسد".
قبل أن تقوم حكومة الأسد بطردي من سوريا، خلال الصيف الماضي، عملت كمراسل لهذه الصحيفة في سوريا، لمدة عامين، قضيت منهما أسابيع عدة بين العلويين، وتوصّلت إلى حقائق معقدة، وقصص مؤلمة أيضاً.
فالغالبية السنية، منذ زمن طويل، تعتبر أن العلويين يتبعون طائفة دينية غامضة، وراديكالية، حيث أنهم يؤمنون بأن الإمام علي، وهو ابن عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والذي يحظى بمكانة خاصة لدى الشيعة أيضاً، هو تجسيد لله على الأرض، كما يعتبرون أنه تجلّى للناس ستة مرات قبل الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب، الذي كان خليفة خلال القرن السابع الميلادي.
في السنوات القليلة المنصرمة، جرى التأكيد بشكل مستمر على مواطن التشابه بين الديانة العلوية وعبادات الطائفة الشيعية الإسلامية، بسبب تحالف نظام الأسد مع إيران الشيعية، وحزب الله، الحزب الشيعي اللبناني، المدعوم إيرانياً، والذي كان له دور كبير في الصراع في سوريا. إلا أن العلويين على الأغلب، يتجاهلون الطقوس الدينية المتعلّقة بالإسلام، ويحافظون على سرية طقوسهم الخاصة.
الأسد أوصلهم إلى نقطة اللاعودة!
بحسب ما توصلت إليه خلال رحلاتي المتعددة، فإنه لا يصعب عليك نهائياً تمييز رأيهم السياسي، إذ أنّ الكثيرين منهم يتحدثون عن مظلوميتهم، وكيف أنّ الأسد ونظامه قد دفعوهم إلى الهاوية، وأوصلوهم إلى نقطة اللاعودة، في مواجهاتهم مع الطائفة السنية.
يخشى غالبية العلويين من أن مجتمعاتهم قد تجاوزت نقطة اللاعودة منذ زمن طويل، وأنّ سبيلهم الوحيد إلى البقاء، هو تقسيم سوريا إلى كانتونات صغيرة، أحدها خاص بالعلويين. لقد تأكّدت هذه المخاوف، خلال الأسابيع القليلة المصرمة، بعد قيام الثوار الإسلاميين بالسيطرة على عدة بلدات، وقواعد عسكرية في إدلب، شمال غرب سوريا، المنطقة التي يرى العلويين أنها الخط الدفاعي الأول عنهم.
قلة منهم يجرؤون على الكلام!
لقد قال لي أحد الموظفين الحكوميين العلويين، البالغ من العمر ستة وخمسين عاماً، أثناء زيارتي الأخيرة للاذقية خلال الصيف الماضي، وهي المدينة الرئيسية على الساحل، غرب البلاد: "نحن شهود عيان على آلية حلحلة كل العقد في البلد؛ لقد وصل العديد من العلويين ممن أعرفهم– خاصة أولئك الذين فقدوا أحبة لهم- إلى حد الإشباع، لدرجة أنهم لم يعودوا قادرين على الاحتمال، ولكن قلة منهم من يجرؤون على الكلام، لأنّ هذا سيعكس نوعاً من التناقض في مواقفهم، أمام المعارضة".
إن أي نقاش حول سياسات الأسد، في المناطق العلوية، يعتبر خيانة عظمى، وينظر البعض إلى أن هذه المسألة صحيحة تماماً، خاصة حين يتعلق الأمر باستمرار فصائل المعارضة المتطرفة، بما فيها تنظيم الدولة الإسلامية، وفصيل جبهة النصرة التابع للقاعدة، في احتجاز الجنود العلويين، ونشر مقاطع فيديو تظهر عمليات إعدامهم.
فجوة تتسع!
لقد توسعت الفجوة في الجيش السوري بشكل كبير، منذ بداية الصراع، تحديداً فيما يتعلق بالمنشقين وكبار الموظفين المقرّبين من إيران. حيث يقول ضباط الجيش العلويين أنّه تمّت تنحيتهم من مواقعهم السابقة، واستبدلوا بوحدات أنشئت خصيصاً من قبل الميليشيات الموالية، وأعضاء في أجهزة أمنية واستخباراتية، غالباً تحت إشراف حزب الله.
فيما حشد عشرات الآلاف من العلويين في ميليشيات تدعى "جيش الدفاع الوطني"، أو أولئك المرتبطين برجال أعمال داعمين للنظام؛ الحوافز عادة ما تكون مالية، حيث أخبرني العديد من الناس، أن رواتب أفراد هذه الميليشيات، تعادل ضعفي أو ثلاثة أضعاف رواتب ضباط الجيش؛ ذات مرّة، قال لي أحد المحامين الصغار في السن، والذي ينتمي إلى إحدى القرى الجبلية: "الناس في منطقتنا مساكين وتحكمهم العاطفة، من المؤسف حقاً أن يموت كلّ هؤلاء الناس من أجل لا شيء.".
مصياف على خط الزلازل!
في بلدات كـ (مصياف) على سبيل المثال، والتي تقف محايدة على خط الزلازل، بين الأقلية العلوية في الجبال، والسهول التي يقطنها السنة في الشرق، كانت جميع النساء اللواتي تحدّثت إليهن يبكين حزناً على قريب راحل أو زوج مفقود. كثيرون كانوا يشعرون بالمرارة، فقد كان لديهم شعور بأن النظام قد تخلى عنهم.
أم علي /39 عاماً/ ،فقدت التواصل مع زوجها، بعد أن تمّ إرساله مع إحدى القطع العسكرية، إلى مدينة دير الزور، شرقي سوريا، منذ شهر شباط 2012، ولا تدري فيما إذا كان قد قتل أو اتخذ كرهينة من قبل فصائل المعارضة، حول هذا الموضوع قالت لي: "لا أحد يكترث فيما لو كان زوجي قد توفي، أو أنه ما زال على قيد الحياة".
كما التقيت سيدة تدعى "ربا فاضل"، والتي تؤكّد قصتها عمق الشرخ بين السوريين اليوم، فالسيدة "فاضل" /33 عاماً/ هي ابنة مدينة مصياف، وتنتمي إلى الطائفة العلوية، فيما ينتمي زوجها "وائل بكور" إلى ريف الحولة، وهو من الطائفة السنية. التقى الزوجان في حافلة نقل عامة، في مدينة دمشق، وتزوجا عام 2008، على الرغم من اعتراض أسرتيهما.
جبالهم سوق تحميهم!
في شهر أيار من عام 2012، ارتكبت مجزرة أودت بحياة أكثر من 100شخص- غالبيتهم من النساء والأطفال، والذين ذبحوا في الحولة على يد أفراد الميليشيات العلوية، المتواجدة في الجوار، والذين اجتاحتهم حالة من الهياج، إثر اشتباكات بين قوات المعارضة وجيش النظام،بحسب ما ذكره أبناء المنطقة وتقرير لجنة تقصي جرائم النظام، التابعة للأمم المتحدة. في ذلك الوقت حمّل نظام الأسد قوات المعارضة، مسؤولية المجزرة.
بعد المجزرة بشهر، وفيما كان "وائل بكور"، وهو ضابط ذو رتبة منخفضة في الجيش السوري (والذي ما زال غالبية أفراده من السنة)، في طريقه إلى مصياف لزيارة عائلته، تم اختطافه قرب الحولة. تقول السيدة "فاضل" أن أبناء عمومة زوجها جميعهم من المنشقين عن النظام، قد اتصلوا بها وأخبروها بأنهم قاموا باختطافه، ومن بعدها بتصفيته، لأنهم يعتقدون أنّه عميل للنظام.
ولكن القائمين على الجيش السوري، رفضوا تصديقها، فزوجها من أبناء الطائفة السنية، وعزوا الموضوع إلى أنه قد انشقّ عن الجيش، والتحق بأبناء عمومته في فصائل المعارضة المسلحة، فأنكرت عليها التعويضات التي ينبغي أن تعطى لها، بالإضافة إلى كونها منبوذة من قبل مجتمعها العلوي، تقول فاضل: "أنا بالنسبة لهم زوجة إرهابي".
العديد من العلويين حاقدون على نظام الأسد، ولكن يقول آخرون، بأنهم قد استسلموا لقدرهم. فيما يرى بعضهم أن عقيدتهم – وجبالهم- سوف تحميهم.
سوف نصبح على أحسن ما يرام قريباً!
إنّ فكرة أصحاب الكرامات المزعومة، تشكّل قضية محورية بالنسبة لمعتقدات العلويين، كما أنّ الأضرحة المقببة لرموزهم المقدّسة، متوزّعة على امتداد الساحل السوري.
ذات مرة شاهدت في إحدى القرى عائلات تتنزه – تشوي اللحم وتشرب العرق- عند واحد من هذه المقامات. في الداخل، كان هنالك قبر، مكسو بثوب من الساتان الأخضر، يحوي على رفات واحد ممن يعتقدون أنهم من أصحاب الكرامات، ويدعى الشيخ محمد، وحول الضريح كانت هنالك صورة كبيرة للرئيس الأسد، ووالده الميت، بالإضافة إلى مجموعات تحوي صوراً شخصية بحجم جواز السفر، لشباب علويين قتلوا منذ بداية الثورة.
عند أسفل التلة التي يقع عليها الضريح، جلس رجل سبعيني تحت شجرة تفاح، أخبرني أن أرواح أصحاب الكرامات هؤلاء قد حمت العلويين مراراً، وسوف تستمر في حمايتهم، ثم قال: "سوف نصبح على أحسن ما يرام، في القريب العاجل"...
التعليقات (5)