بعد إحراق المحاصيل: صناعة المبيدات الزراعية ضحية دول البريكس!

بعد إحراق المحاصيل: صناعة المبيدات الزراعية ضحية دول البريكس!
انتشر مؤخراً في كافة صحف النظام وتناقلته أيضاً بعض مواقع المعارضة يفيد بأن هيئة المنافسة ومنع الإحتكار التابعة للنظام، قد ردت طعن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي على قرار الهيئة، بضرورة إلغاء قرار وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي رقم 179/ت تاريخ 29/5/2012 الناظم لتسجيل وتجارة وتداول المبيدات الزراعية، والقيام بتعديل مضمونه خلال فترة أشهر بما يراعى إزالة الآثار الناجمة التي تحد من المنافسة!

مثل هذه الأخبار لم يعتد عليها الشعب السوري، ولهذا تم عرض الخبر بشكل يوحي للقارئ وكأن المحكمة الدستورية العليا - التي تفتقدها سوريا - قررت عدم دستورية قانون الإرهاب الذي حل محل قانون الطوارئ، أو أن وزارة العدل التابعة للنظام السوري قد احتجت بأشد العبارات على خرق حقوق الإنسان السوري من قبل أجهزة الأمن والشرطة.

إيحاء مضلل!

ومع أهمية موضوع تعديل أو إلغاء قرار وزارة الزراعة المذكور لما في ذلك من وسيلة لتطوير صناعة المبيدات الزراعية، إلا أن توقيته وطريقة نشر الخبر تهدف للإيحاء (وأؤكد للإيحاء) بأن عجلة الإصلاح ومكافحة الفساد سائرة، على الرغم من المؤامرة الكونية التي يتعرض لها النظام السوري ولكن بقليل من التمحيص في وقت وطريقة نشر الخبر يتبين خداع النظام السوري.

وقبل الخوض بتفاصيل الخبر نبين بأن قرار وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي رقم 179/ت تاريخ 29/5/2012 المشار إليه والذي طلبت المحكمة الإدارية تعديله أو إلغاؤه هو القرار الناظم لتجارة وتداول وإنتاج المستحضرات الكيماوية والحيوية. بحيث لا يمكن تداول هذه المركبات ضمن سوريا سواء بيعاً أو استيراداً أو تصنيعاً سوى بموجب أحكام هذا القرار.

وأما الفقرة التي أزعجت الهيئة العامة للمنافسة ومنع الإحتكار وطلبت إلغائها فهي الملحق رقم /1/ - الذي هو جزء لا يتجزأ من القرار- حيث نص هذا الملحق على حصر استيراد المبيدات الزراعية والمادة الفعالة اللازمة لتصنيع المبيدات من دول محددة هي دول: الإتحاد الأوروبي والدانمارك والسويد والنرويج وسويسرا بالإضافة إلى كل من الولايات المتحدة الأميركية وكندا واليابان.

مافيا المبيدات الزراعية!

حجة وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي للاستيراد من تلك الدول حصراً دون غيرها - مع العلم بأنه هناك العديد من الدول الأخرى التي تُنتج مبيدات زراعية ومواد فعالة غيرها- بأن الوزارة، حريصة على إدخال المبيدات الأكثر كفاءة والأكثر سلامة على البيئة وصحة المواطن.

ولكن هذا ليس سوى "حق يراد به باطل" الحق هو سلامة المواطن والبيئة كما رددت وزارة الزراعة، أما الباطل فهو تحديد دول معينة للاستيراد منها تحديداً بشكل غير منطقي.. فالذي يريد كفاءة عالية وسلامة المواطن والبيئة يضع شروطاً فنية للمواد المستوردة لا أن يحدد دول محددة للاستيراد منها، إذاً هناك شيء ما يراد من هذا التحديد!

بدون عناء التفكير فلا بد للمرء أن يدرك بأن هذا التحديد لدول معينة ما هو إلا نتيجةً لرضوخ وزارة الزراعة لرغبة كبار مستوردي المبيدات ووكلائها الحصريين حيث أن المبيدات الزراعية أيضاً تمتلك مافيا خاصة بها أسوةً بباقي السلع الأساسية في الأسواق السورية، وبمعنى آخر هناك فساد كبير من قبل وزارة الزراعة في هذا التحديد لأنه يُسهل عملية احتكار تجار ومستوردين محددين للسوق السورية دون أن يستطيع أحد أن يكسر احتكارهم لأنه احتكار محمي بموجب قرار وزارة الزراعة.

إعاقة صناعة المبيدات المحلية!

وواجه هذا القرار وهذا النص بالتحديد اعتراضات كبيرة من قبل تجار ومصنعي المبيدات حيث وجدوا فيه ترسيخاً لاحتكار بعض المستوردين لهذه المبيدات وإعاقة صناعتها، ولتأكيد تلك الإعتراضات نذكر على سبيل المثال ما نشرته صحيفة (تشرين) في عددها الصادر بتاريخ 1/7/2012 تحت عنوان "مصنّعو المبيدات الزراعية: الزراعة تضع العراقيل في طريق نمو صناعاتنا"، ولم يقصد المقال المذكور تجارة المبيدات بل قصد مصنعي المبيدات المحليين الذين تضرروا كثيراً من قرار وزارة الزراعة، بسبب تشميل المواد الفعالة اللازمة لصناعة المبيدات بقرار وزارة الزراعة مما يعني زيادة تكاليف تصنيعهم بسبب غلاء تلك المواد من تلك الدول، وعدم تمكن هؤلاء الصناعيين من الإستيراد من غير الدول المحددة والتي تتصف بسعرها الرخيص، مما يفقدهم القدرة على المنافسة من ناحية، ومن ناحية أخرى يفتح الباب على مصراعيه لدخول المبيدات المهربة سواء من لبنان أو من تركيا بسعر أرخص. وجاء رد وزارة الزراعة على مقال صحيفة تشرين في نفس الصحيفة وبالعدد الصادر بتاريخ 21/9/2012 ((أي بعد أكثر من شهرين ))وكان الجواب فضفاضاً غير مقنع ولا يخرج عن مقولة إدخال المبيدات الأكثر كفاءة والأكثر سلامة على البيئة وصحة المواطن.

وحتى هذا التحديد في قرار وزارة الزراعة قد أربك الوزارة نفسها عندما اجتاح مرض الصدأ الأصفر محصول القمح في شمال سوريا، عندها لم تستطع حتى الجهات الرسمية من تأمين المبيدات اللازمة لهذا المرض الخطير بسبب حصر الاستيراد من دول معينة، وبنفس الوقت قيام وزارة الإقتصاد والتجارة الخارجية بناء على اقتراح مكتب مقاطعة إسرائيل بإصدار قرار حظر التعامل مع الشركة الوحيدة التي تُنتج مبيدات متخصصة بهذا المرض وهي شركة "سينجينتا السويسرية" عندها اضطرت وزارة الزراعة لإجراء معاملات طويلة للحصول على موافقة الحكومة باستيراد /145/ طن من المبيدات المخصصة لهذا المرض الفطري من تركيا، وهي من غير الدول المسموح الاستيراد منها، وبعد الحصول على الموافقات اللازمة استوردت نقابة المهندسين الزراعيين التابعة للنظام السوري الكمية المطلوبة ولكن بعد فوات الأوان بسبب التأخر بتأمين المبيدات اللازمة مما أجبر المزارعين على اللجوء للمبيدات المهربة، وبذلك تكدست المبيدات في مخازن نقابة المهندسين وخسرت نقابة المهندسين الزراعيين ما يقارب /100/ مليون ليرة سورية.

مصالح المستوردين أم مصالح المزارعين؟!

ولكن يبقى السؤال المشروع لماذا وفي الوقت الراهن يهتم النظام السوري فجأة بمصالح المستوردين التي ستنعكس حتماً على مصالح المزارعين في وقت تم إحراق أغلب الأراضي الزراعية بما عليها من أرزاق الناس من قبل دبابات وقذائف النظام السوري.

وللجواب على هذا التساؤل لا بد من معرفة أن الدول المسموح منها استيراد المبيدات هي الدول الغربية التي فرضت عقوبات اقتصادية على النظام السوري بسبب قمعه الوحشي والعنيف للثورة التي انطلقت ضده في منتصف شهر آذار من عام 2011، ولنفهم أيضاً ملابسات الموضوع لا بد لنا بأن نعرف بأن الدول البديلة عن الدول الغربية والتي تمتلك صناعة مبيدات زراعية ومواد فعالة لصناعة المبيدات هي الصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا وطبعاً إيران وهي باختصار دول "البريكس" التي تقدم كل الدعم والتأييد للنظام السوري في قمعه للثورة، والتي من أجلها سيمحو وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم قارة أوربا من خارطة العالم.

قرار سياسي مخابراتي!

إذاً القرار سياسي بامتياز وربما جاء بإيعاز من أقبية المخابرات والأمن، وكان لا بد من طريقة لإخراجه بشكل مُشّرف، فابتدع النظام السوري هذه المسرحية الهزلية بأن "المحكمة الإدارية العليا" هي من أوقفت قرار وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لأنه يخترق المنافسة ويدعو لللإحتكار، والغريب بأن المحكمة الإدارية العليا وهي تدرس قرار وزارة الزراعة المذكور لم ترَ المبالغ المفروضة على مصنعي ومستوردي المبيدات لصالح نقابة المهندسين الزراعيين، لا لشيء فقط لأن هذه النقابة تُعتبر بحق ذراع تشبيحي مساند لأفرع الأمن في قمع الثورة السورية المباركة.

• مهندس زراعي سوري

التعليقات (2)

    معاوية الشامي

    ·منذ 8 سنوات 10 أشهر
    رضوخ وزارة الزراعة لرغبة كبار مستوردي المبيدات ووكلائها الحصريين حيث أن المبيدات الزراعية أيضاً تمتلك مافيا خاصة بها أسوةً بباقي السلع الأساسية في الأسواق السورية... وكانت هذه المافيا تكلف خزينة الدولة مليارات الدولارات لأستيراد المبيدات و البذور وتقاسم عمولاتها مع وزارة الزراعة و جيزة.

    معاوية الشامي

    ·منذ 8 سنوات 10 أشهر
    رضوخ وزارة الزراعة لرغبة كبار مستوردي المبيدات ووكلائها الحصريين حيث أن المبيدات الزراعية أيضاً تمتلك مافيا خاصة بها أسوةً بباقي السلع الأساسية في الأسواق السورية وكانت هذه المافيا تكلف خزينة الدولة ملايين الدولارات باستيراد مواد زائدة عن الحاجة أو فاسدة و تقاسم العمولات مع وزارة الزراعة و جيزة.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات