وإنَّ مَن بدأ "الطائف" يُنهيها!

وإنَّ مَن بدأ "الطائف" يُنهيها!
بعد مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تتناول حالات لتعذيب معتقلين داخل سجن رومية في بيروت؛ ذهب الغالبية إلى أنّ هؤلاء المعتقلين ينتمون إلى الطائفة السنّية في لبنان، ووجّهت الاتهامات للطرف الآخر من المعادلة، أو ما يدعى "محور المقاومة والممانعة"، متكئين على فكرة أنها جاءت رداً على الهزائم التي منيّ بها هذا المحور في جرود القلمون.

يعتقد أن تسريب هذا المقطع قد جرى –على الأغلب- عن طريق جهاز الهاتف المحمول لأحد المتواجدين داخل زنزانات التعذيب، وبالتالي لا يمكن اعتبار الهدف من هذا التسريب إلا واحداً من أمرين اثنين فقط: إما لترهيب المجتمع اللبناني واللاجئين السوريين المتواجدين، خاصة في منطقة عرسال، التي يصنّفها "محور المقاومة والممانعة"، على أنها الحاضنة الاساسية "للتكفيريين"، بحسب خطابات حسن نصر الله "الأمين العام لحزب الله"، ما سيؤدي إلى حكم لبنان بالبوط العسكري، المليشاوي، الطائفي، وتحويله إلى قاعدة ايرانية بشكل كامل وعلني، أو أنه تأجيج طائفي مقصود، الغرض منه العودة إلى الوراء، نحو أربعين عاماً، أي إلى حادثة حافلة عين الرمانة في 13 نيسان عام 1975، التي تعتبر الشرارة التي أشعلت الحرب الأهلية اللبنانية، حيث استمرت الحرب حتى عقد مؤتمر الطائف في آب عام 1989، برعاية سعودية، وعندها ستتحول القضية إلى حرب أهلية طائفية سنية – شيعية، وتنتهي بتدخّل حلفاء كل طرف من هذه الأطراف في هذه الحرب، التي ستدور رحاها من العراق إلى سورية، ولاحقاً لبنان..

على الرغم من مسارعة وزارة العدل، وقوى الأمن العام، لاتخاذ إجراءات عقابية بحق الفاعلين في عمليات التعذيب، وتحويلهم إلى المحاكمة، إلا أنه من الواضح تماماً ظهور الانقسام بشكل فعلي، مع اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق "رفيق الحريري"، لتكتمل مظاهره بشكل أكثر وضوحاً مع احتلال بيروت في يوم 7 آيار عام 2008، من قبل ميلشيات "حزب الله الشيعي"، والصراع مع "تيار المستقبل السنّي"، الذي يقوده "سعد الحريري"، حيث انتصر في نهاية المطاف "حزب الله" في صراع الشوارع، وأجبر الحكومة على التراجع عن القرارات المتعلقة بنزع شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب، وإقالة مدير مطار بيروت، خاصة وأن الحاضنة الشعبية (السورية – اللبنانية ) لحزب الله، كانت في قمة نضجها، بعد حرب تموز التي أعطته الوصاية بشكل شرعي، تحديداً من حليفه، النظام السوري،، للتحكم في القرار اللبناني حيث رفعت أعلام "حزب الله" في شوارع المدن السورية، ونّددت بتيار المستقبل "السنّي" على أنه صنيعة فرنسا وأمريكا!

أما في مدينة طرابلس المشتعلة بشكل دائم بفعل الاشتباكات بين جبل محسن "العلوي" وحي التبانة "السنّي"، وتدخّل الجيش اللبناني على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، التي اعتمدت أساساً في مؤتمر الطائف الذي أوقف الحرب الأهلية؛ هذه التدخلات التي لم تنهِ الصراع بين مكوّني المدينة التي شهدت تفجير أحد المساجد، واتّهم فيها بشكل مباشر "حزب الله"، ويعتقد أنّها جاءت رداً على دعم الشيخ الأسير لمقاتلي القصير، قبيل الهجوم الذي نفذته مليشيات الحزب آنذاك، بدعوى حماية "اللبنانيين الشيعة" في ريف القصير، والتأسيس على فكرة الطائفية، وربما العمل على إذكاء الحرب الطائفية..

يحاول (نصر الله) في كل خطاب أن يبرّر دخول مليشيات الحزب إلى سوريا، ولكن أهم مبرّراته كان حماية الحدود اللبنانية من دخول جبهة النصرة، أو تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" إلى لبنان، إلا أنه من الواضح أيضاً، محاولات الحزب المستمرّة لاستجرار هذين الفصيلين إلى داخل لبنان، بغية توريط الجيش اللبناني في هذه الحرب، خاصة مع اختطاف عدد من عناصره من قبل جبهة النصرة، وبالتالي الاستفادة من الهبة السعودية التي قدّمت للجيش اللبناني، بمساعٍ من "سعد الحريري"، والذي من المفترض أن يكون عدواً لـ"نصرالله"، بعد فشل الحوار والتقارب بين التيار والحزب في عدّة ملفات، يأتي على رأسها ملف اختيار رئيس للجمهورية، المنصب الذي مازال شاغراً منذ أكثر من سنة، على أمل أن يكون الحليف المسيحي الذي يحلم بالسلطة منذ عام ،1990 منذ هروبه إلى السفارة الفرنسية؛ "ميشيل عون" الذي عاد حليفاً لعدو الأمس الذي أجبره على الإقامة في المنفى!

ولعل نشر خبر تخلي روسية عن دعم الأسد مقابل أوكرانيا في جريدة إيرانية محسوبة على الإصلاحيين، الذين يتنمي إليهم الرئيس الإيراني "حسن روحاني" هو بمثابة تهيئة للرأي العام الإيراني لفكرة مفادها أن المجتمع الدولي يحيك مؤامرة ضد "محور المقاومة والممانعة"، وأنّ ما يحصل في العراق من قتال لتنظيم الدولة "داعش"، المحسوب بموجب التقديرات الدولية على الأكثرية السنية، ودعم الحشد الشعبي بالرجال والعتاد، يدفع بالمقابل إلى دعم أكبر للنظام السوري وقوات "حزب الله"، من أجل "الحرب المقدسة" لحماية آل البيت المزعومة، خاصة وأن التوقيع النهائي على اتفاق الملف النووي سيفرج عن مليارات الدولارات المجمدة لإيران، ما يمكّنها من خوض معارك أكبر، ولمدة أطول..

بالمقابل، تأتي زيارة ولي العهد السعودي لروسيا، ولقائه بالرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، والإعلان عن انشاء 16 مفاعلاً نووياً للأغراض السلمية، هذه الصفقة التي يفترض أن يكون لروسية الحصة الأكبر فيها، قد تنجح في استمالة روسية باتجاه السعودية. وقد عزا البعض هذا التقارب السعودي – الروسي إلى فشل قمة كامب ديفيد بين الرئيس أوباما ودول مجلس التعاون الخليجي، ما قد يمهد إلى إعادة رسم التحالفات التقليدية بحيث يصبح الشيطان الأكبر ولياً حميماً! وهو ما يحتمل أن يحوّل نظام الأسد إلى الحلقة الأضعف، وقد يدفع للاستغناء عنه في أول صفقة مربحة، وبالتالي سقوط "حزب الله" اللبناني، وانتهاؤه تماما كحزب "مقاوم لإسرائيل" بحسب تصريحات منسوبة لـ "حسن نصر الله" في صحيفة السفير الموالية له، خاصة وأن الولي الفقيه قد تحالف مع "الشيطان الأكبر"..

يعرف تماما "حسن نصرالله" ومن وراءه من قادة في "حزب الله" أنه هنالك حل واحد فقط لإنقاذ الحزب والنظام السوري، و"محور المقاومة والممانعة"، من بغداد إلى بيروت، مروراً بدمشق. هذا الحل يتلخّص في إشعال الحرب الأهلية في لبنان، ليأخذ شرعية القتال والحفاظ على مواقعه، خاصة وأن الترسانة العسكرية التي يتمتع بها كبيرة جداً، تجعله يتفوق على خصومه، إلا أنه يريدها حزب استنزاف لبنانية، لتبرير دعمه من إيران، وجعل الصراع شيعياً – سنّياً، بعد التمدد الكبير لمليشيات "داعش"، العدو الذي يمكّن "حزب الله" من تحقيق أهدافه، هذه الحرب التي ستكون بمثابة العلاج الأخير لمريض السرطان، فإما أن يشفى منها بجسد هزيل لا يقاوم الأمراض الأخرى، أو أنه الموت المحتوم، وبالتالي لابد من خوض مرحلة العلاج القاتل، على أمل النجاة بحياة، حتى ولو كانت هزيلة...

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات