ساعتان من التهريج كانتا كفيلتين بإدخال البهجة والسرور على أولئك العالقين بين ركام المباني المتهدمة بفعل البراميل التي كثفها الأسد على أهالي حلب في أول يوم في رمضان وأوكل إلى الجراح مهمة تخفيف الآلام عبر جرعات مكثفة من براميل الضحك والقهقهة، لايهم من مات ولا من جرح ولا من أعيق فالمهم أن يكون النجم الكبير مصطفى الخاني وحرمه يارا الجعفري سعيدين ويرفلان بأثواب الصفاقة وبعدها ليمت من لم يمت بعد من أهالي حلب ببراميل الأسد، ليمت من فرط السعادة وبشظايا الضحكات المجلجلة التي يطلقها الجراح من السكنة العسكرية المسماة بقناة الدنيا ليتردد صداها في حواري حلب الجريحة والتي لا تجد متسعاً للأنين..
فيلسوف التشبيح وآلام العشق
عن قضايا الفن دارت حلقة الأمس متجاهلة كل تفاصيل الحدث كعادة قناة الدنيا التي تبنت منذ اليوم الأول نهج القائد الفذ الذي قرر منذ أربع سنوات أن سورية بخير، تصاعدت الأحداث، أريقت الدماء الكثيرة، وبقيت سورية بخير، دمر أكثر من نصف سورية وشرد نصف سكانها ونهشتها أسنان النظام وداعش وحالش والميليشيات المرتزقة، تقطعت أوصالها، وخيم البؤس على من تبقى من أهلها ولا تزال بخير، الرئيس يضحك، ،الجراح يضحك وفيلسوف التشبيح مصطفى الخاني ينظّر وقناة الدنيا متفردة في سخريتها على الدم السوري وانتهاك حرمة الجثث الملقاة على اتساع الأرض السورية بمن فيهم قتلى النظام نفسه.
كان موقف الجراح من الثورة السورية صاعقاً لمن لا يعرفه إلا من خلال المسلسلات، ذلك الفنان النقي الوديع ابن حلب الشهباء ووريث أهم نجومها عبد الوهاب الجراح الذي ترفع له القبعة، لكن من يعرف عمق الولد المعتدي على شخصية أبيه وسارق أسلوبه والناسخ لكل الشخصيات التي قدمها اأبوه، من يعرف الجراح الابن جيداً كان يمكن أن يصعق لو وجده إلى جانب الثورة.
منذ بداية الاحتجاجات انضم الجراح إلى فريق التشبيح ولم يترك قناة تلفزيونية تابعة للنظام ولا محطة إذاعة إلا وتجشأ فيها الرواية السافلة التي وضع النظام عناوينها وترك لذيوله حرية التصرف في الصياغة، ولهذا لم يكن مفاجئاً أن يتطوع أخيراً في صفوف اللجان الشعبية الإعلامية كمهرج يضعه المخرج في واجهة المسرح ليغطي على ما يحدث في الكواليس ويقلب الصورة رأساً على عقب عن طريق الضحك والضحك المضاد، ولا ينسى الجراح أن يوجه التحية إلى سيده الجعفري بمناسبة فتح الحديث عن يارا عشيقة الضيف الأول في اليوم الأول ولتكون قصة حب الخاني/الجعفري حدثاً رمضانياً أهم من كل ما يحدث على الأرض السورية.
ألك قلب وأذنان؟
هل يحب الشبيح؟ أله قلب ومشاعر مثل باقي البشر؟ أم مجرد أذنين طويلتين واسعتين ممتدتين على مدار التسلق؟؟ اسألوا العاشق مصطفى الخاني والمهرج محمد خير الجراح فهما أعلم بخفايا التشبيح وبواطن الارتزاق، وأدرى بدهاليز التكسب والانتفاع والمتاجرة العلنية بالدماء.
هكذا إذن كانت الحكاية، بعد أربع سنوات من التعارف تحركت مشاعر الحب عند الفنان مصطفى الجعفري، "مصطفى الخاني سابقاً" ليعيد التفكير في يارا ويحسبها جيداً، إنها فرصة العمر لصعود سلم العالمية والوصول إلى أعلى مراتب التشبيح فقرر التقرب من يارا واتخذ قرار الحب في زمن الكوليرا، في زمن الثورة، وبينما كان الشعب السوري يرتضي القتل والتهجير للخلاص من نظام مافيوي كان مصطفى الخاني يتلمس الطريق لتقديم طلب انتساب لتلك المافيا ليصبح واحداً من قتلتها وإن على هيئة القاتل الناعم.
صفقة العشق المسموح
ولم تكن يارا الجعفري تلك الرومانسية الحالمة تعاني آلام الحب فالطريق ممهدة أمامها لقلب أي شاب، كيف لا وهي الناطقة الرسمية باسم حريم السلطان، ترفع من تريد وتخفض من تريد، وقد وافقت على إتمام الصفقة، صفقة العشق المسموح في زمن الدجل، وقدر للخاني أن يدخل عرش السلطة ويناسب الحكومة، ويتقدم بالمرتبة عن كل زملائه من الشبيحة بمن فيهم دريد لحام ويفقأ عين زهير رمضان وزهير عبد الكريم ووائل رمضان وغيرهم الكثير ممن انخفض سقف حلمهم في منصب هنا وعضمة هناك ويريهم كيف يكون اللعب مع الكبار.
كان يمكن أن نعول على محاولة إيقاظ ضمير محمد خير الجراح ليعيد التفكير ويبتعد عن قناة الدنيا بالحد الأدنى لمتطلبات الضمير لولا أنه سبقنا إلى فتح هذا الملف بالفقرة التي حملت عنوان "صوت الضمير" في البرنامج الذي يقدمه تطوعاً، وحسناً فعلت القناة حينما كتبت عنوان الفقرة بنوع خط اختلطت فيه الصاد بالميم مما جعلها تقرأ :موت الضمير"، وهو العنوان الأبرز الذي يلخص شخصية الجراح والخاني وأمثالهما الكثير ممن ماتت ضمائرهم مبكراً ولم يجدوا عنتاً في الالتفاف على الحقيقة التي يعرفونها جيداً في قرارة أنفسهم.
التعليقات (10)