في حديثه اليوم في «السفير» أعلن معارضته الثورات العربية لانها تفتقد الى... مشروع. ولأن غايتها السلطة. وادونيس طبعا يريد لها ان تكون ثورات اجتماعية وثقافية. وهو عادة ما يعني بذلك ضرورة ان يكون تغيير المجتمع وتحويل الافكار والقيم سبّاقين على التغيير السياسي.
أي ثورة تشكل مرجعية ادونيس؟ هل هي «ثورة النهضة» المسلّحة التي اعلنها وقادها مُلهم ديوانه الاول «قالت الارض» - الزعيم انطون سعادة – عام ١٩٤٩ ضد السلطة اللبنانية وغايته المعلنة... السلطة السياسية؟ ام ان مرجعيته هي الثورة الاسلامية الايرانية (التي حياها ادونيس بنص أعلن فيه موت الغرب)؟ أم أن مرجعه الثورات الفرنسية (الاربع ١٧٨٩، ١٨٣٠، ١٨٤٨، ١٨٧١) ام الروسية (١٩١٧، صاحبة شعار «كل السلطة لمجالس السوفيات»!) وهل يعرف صاحب «مهيار» ثورة لم تبدأ بإسقاط النطام السياسي القائم طريقا إلى بناء نظام سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وقيمي بديل؟ وهل ان ماوتسي تونغ - الذي يستعين به ادونيس في مقابلته للاستخفاف بمنجزات جمال عبدالناصر (والعداء لعبد الناصر ثابت من ثوابت المتحوّل) - صاحب شعار «السلطة تنبع من فوهة البندقية»؟ هذا قبل ان نسأل الرجل هل ان عشرات الملايين من الشباب العرب والاكراد والامازيغ والمنتمين الى كافة المكونات الاثنية والدينية والمذهبية لمجتمعاتنا، هؤلاء الذين نزلوا الى الشوارع بطالبون بالعمل والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، هل كانوا يحملون «مشروعا» لتغيير السلطة السياسية فقط ام كانوا يحملون «مشاريع» تغيير اقتصادي واجتماعي وثقافي وقيمي شاملة؟
أدونيس لا يحب البدايات. يحكم على الثورات بالنتائج.
هذا حتى لا يزعج احد خاطرَه لتفسير لماذا كانت بدايات الثورة السورية سلمية، كيف تعسكرت بعد ان اغرقها النظام السوري بالقتل تحت شعار «الاسد او نحرق البلد». والافدح ان ادونيس المفكر لا يستطيع ان يتصوّر ان مجتمعات – بعد نصف قرن من الدكتاتوريات وحكم السلالات النفطية الاستبدادية والافقار والفساد والنهب والاملاءات النيوليبرالية – يمكنها ان تحبل بحركات متناقضة ضد الاوضاع القائمة فتتمخص عن الثورة ونقيضها، اي عن الردّات المضادة للثورات وقد اتخذت هذه ابشع اشكالها: الاستبداد، التدخل الاجنبي، الاحتراب الاهلي المذهبي والاثني وفوق ذلك كله الجهادية التكفيرية الإسلامية.
وأدونيس ضد تدخلات القوى الأجنبية – مع انه لا يسمّيها - وكاتب هذه السطور كذلك. ولكن هل ان التدخلات الخارجية «الرجعية» مقتصرة على تلك التي دعمت الثورات؟ ام تراها كانت اصلا تدخلات لاحتواء الثورات واجهاضها؟ وهل ان التدخلات الاجنبية التي دافعت عن الانظمة الاستبدادية والدكتاتوريات هي تدخلات «تقدمية» تمت تحت رايات فيلق القدس وعصائب أهل الحق والميليشيات الشيعية الافغانية ومخابرات فلاديمير بوتين والمستشارين العسكريين الاميركيين وطيرانهم الحربي؟
لأدونيس اجتهادات متعددة بالنسبة للإسلام.
لن نذكّره بها الآن حرصا على صحته. نكتفي بقوله هنا إن الإسلام هو مصدر العلّة لأنه سلطة وسلطة عنفية. وان لا إصلاح في الدين على اعتبار أن الدين لا يمكن إصلاحه. إما أن تؤمن به أو لا تؤمن.
إذا كان الامر كذلك، فليفسّر لنا أدونيس فحوى كتاب الّفه وخالدة السعيد، عن كبير فقهاء الجهاديين والتكفيريين العرب، محمد بن عبد الوهاب، حيث قدّم فيه مؤسسَ الوهابية على أنه «مفكر نهضوي كبير»!
وبعد، لنا سؤال: هل يجب البحث عن عنف الاسلام الجهادي التكفيري في الإسلام فقط أم علينا أن نبحث في ظروف اجتماعية وسياسية تدفع بشرا - مفقرين ومهمشين اجتماعيا وسياسيا وجغرافيا وشبانا وجماعات ذوات مظلوميات شتى وجموع من العاطلين عن العمل، وغيرهم – إلى اختيار هذا المنوّع العنفي الاقتصاصي من الإسلام.
وكم هو غريب ان علي احمد سعيد. ابن الريف السوري، لا يتعرّف في انتفاضة الأرياف والاطراف والضواحي والعشوائيات السورية الا على ما يستحق الازدراء بإسم المدن والمدنية، يدين الثورة السورية لانها لم تكن مدينية إذ لم تخرج تظاهرات في دمشق وحلب على مثال ثورات تونس ومصر التي يريدها مدينية ومدنية حتى لا نقول متمدنة! ثم اي خيال مسخّر للزعبرة هو هذا الذي يعجب كيف يمكن لشعب هاجر ثلثه ان يظل يستحق ان نسميه بأنه شعب ثوري! والكلام كله لصاحب ترنيمة «الرأي والرآي الآخر».
ولنفترض مع ادونيس بأن أفضل مركّب للديمقراطية هو العلمانية، لماذا لا يكمل المعادلة فيقول ان افضل مركّب للعلمانية هي الديمقراطية؟ هل هو مع العلمانية عندما تكون دكتاتورية، علماً ان الدكتاتورية التي يتستّر عليها ببلاغة باتت تقارب البلاهة، ليست من العلمانية بشيء!
التعليقات (6)