إحراق أوراق التبادل التجاري!
الرسالة التي أرسلها النظام السوري هي أنه أحرق أوراق التبادل التجاري الحر مع العالم هذا التبادل الذي لهث ورائه منذ 10/10/2001 عندما تقدم بطلب رسمي للانضمام لمنظمة التجارة العالمية (WTO). بعد أن وافقت القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم على هذا الإجراء، مبررة ذلك بعدم وجود مانع سياسي يمنع سوريا من الإنضمام لهذه المنظمة الدولية، على الرغم من انسحاب سوريا من الإتفاقية العامة حول التعرفة الجمركية والتجارة ((General Agreement on Tariffs and Trade والتي تعرف اختصاراً بمصطلح (GATT) وهي الإتفاقية التي انبثقت منها منظمة التجارة العالمية في عام 1951 بسبب انضمام إسرائيل لتلك الاتفاقية.
ومنظمة التجارة العالمية (World Trade Organization) والتي تعرف اختصاراً بمصطلح /WTO/ هي منظمة عالمية مقرها مدينة جنيف في سويسرا، مهمتها الأساسية ضمان انسياب التجارة بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية وهي المنظمة العالمية الوحيدة المختصة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة ما بين الدول. وتم الإعلان عن إنشاء هذه المنظمة بتاريخ 1/1/1995 بعد أن شهد العالم نمواً استثنائياً في التجارة العالمية. فقد زادت صادرات البضائع بمتوسط 6% سنوياً.
الانضمام إداريا فقط!
وعلى الرغم من كون سوريا من الدول الثلاث والعشرين التي أسست ووقعت على اتفاقية الــ (GATT) عام 1947، فقد قاوم النظام السوري كثيراً الانضمام لمنظمة التجارة العالمية بسبب الشعارات الاشتراكية التي رفعها عند انقلابه في الثامن من آذار عام 1963. إلا أن النظام وعند اتخاذ قراره بالانفتاح الاقتصادي خلال المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث، وبسبب بقاء النظام وحيداً خارج منظمة التجارة العالمية، فقد آثر غض البصر عن سبب انسحابه في عام 1951 وهو وجود إسرائيل وتقدمت حكومته بطلب انتساب للمنظمة الدولية.
بعد تقديم سوريا لطلب الانضمام للمنظمة، بدأت الحكومات السورية تهلل لهذه الخطوة، وبدأ العمل الحثيث لتنفيذ شروط المنظمة التي تهدف لملائمة الاقتصاد السوري بالاقتصاد العالمي مثل الشفافية وعدم الإحتكار، إلا أن الحكومات السورية وجهت جُّل اهتمامها نحو الناحية الإدارية والبيروقراطية لقيادة عملية الانضمام للمنظمة الدولية فتم في عام 2001 أي في عام تقديم الطلب، عبر تشكيل وحدة لمنظمة التجارة العالمية وتم إتباعها لوزارة الإقتصاد والتجارة.
أربع لجان لقيادة العملية!
في الفترة ما بين 2001 و2005 تم تشكيل أربعة لجان فنية وطنية لقيادة عملية الإعداد اللازمة للانضمام، إلا أنها لم تتفعّل بالقدر الكافي لعدم توفر الإطار الإداري المتفرغ لمتابعتها وتميزت هذه الفترة بالاستفادة من فرص التدريب التي قدمتها المنظمات الدولية إضافةً إلى عقد الورشات والندوات المحلية والمشاركة في مؤتمرات التنسيق الوزارية.
إحداث المديرية ومهامها!
في عام 2006 تم إيجاد مشروع بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بدمشق لدعم إصلاح السياسة التجارية والتحضير للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وتم إحداث مديرية منظمة التجارة العالمية التي تعتبر القلب المحرك لمتابعة اللجان الفنية وتحضير ما يلزم لعملية الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
مهام بروتوكولية وبيروقراطية!
وبموجب قرار إحداث مديرية منظمة التجارة العالمية رقم /2533/ تاريخ 30/10/2006 تم تحديد مهامها بما يلي:
1- نقطة اتصال مع سكرتارية منظمة التجارة العالمية
2- تولي أمانة اجتماعات اللجنة الوطنية العليا واللجان الفرعية للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وتنسق مع كافة الجهات الممثلة في اللجنة.
3- إدارة ملفات المفاوضات وتحضر الوثائق اللازمة للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وتقوم بإعداد مذكرة سياسة التجارة الخارجية السورية لتقديمها إلى منظمة التجارة العالمية ومراجعتها وتتابع ما يلزم بهذا الشأن وفي موضوع سياسة التجارة الخارجية
4- التنسيق مع الجهات السورية بما يلزم لتلائم سياساتها مع أحكام وقوانين منظمة التجارة العالمية، وتقدم المشورة اللازمة لذلك
5- متابعة عملية تطوير وتحديث التشريعات المحلية قبيل وأثناء وبعد الانضمام إلى المنظمة، وترفع الاقتراحات المناسبة بهذا الخصوص.
6- تعمل على نشر الوعي لدى القطاعين العام والخاص حول مواضيع منظمة التجارة العالمية.
7- الإشراف على تنظيم اجتماعات اللجان الفنية الخاصة بعملية الانضمام ولجان التتبع والتنفيذ لما بعد الانضمام وذلك بالتنسيق مع الوزارات والجهات المعنية وتشرف على تنفيذ توصيات هذه اللجان
8- متابعة المساعدات الفنية الخاصة بمواضيع منظمة التجارة العالمية المقدمة من المنظمة أو من الجهات والمنظمات الأخرى المانحة وتقوم بالمتابعة لضمان إفادة الوزارة والمؤسسات التابعة لها والجهات والوزارات المعنية واللجان المختصة بالانضمام من هذه المساعدات.
9- المساهمة في تطوير علاقات الجمهورية العربية السورية مع التجمعات التجارية الإقليمية المنضوية تحت إطار منظمة التجارة العالمية، وتقدم المقترحات لنفاذ أفضل للسلع والخدمات السورية إلى أسواقها.
10- دراسة الانضمام إلى المعاهدات والاتفاقات الجماعية والدولية التي تقع في مجال منظمة التجارة العالمية وتصب في المصلحة الوطنية لسورية وتبين أهمية وأسباب الانضمام إليها.
11- إبداء الرأي في مشاريع الاتفاقيات والبروتوكولات والعقود التي ستبرم بين سورية والدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية حول مدى انسجامها مع أحكام وقوانين منظمة التجارة العالمية
12- المشاركة في الجولات التفاوضية التجارية والاقتصادية متعددة الأطراف واللجان المنبثقة عنها في إطار منظمة التجارة العالمية وتتابع قراراتها وتساهم في اجتماعاتها وتقدم الدراسات والمقترحات حول المواضيع التي تبحثها.
13- تولي عملية المفاوضات بشأن تحرير تجارة الخدمات في إطار منظمة التجارة العالمية أو التي ترتبط موادها باتفاقيات المنظمة وتعتبر المنسق للسياسة السورية بشأنها وتولى ما تكلف به من مهام في هذا الشأن وتقدم التقارير والتوصيات اللازمة لذلك.
14- القيام بما تكلف به من دراسات ومهام ذات الصلة بمنظمة التجارة العالمية.
15- دراسة ما يحال إليها من الوزير أو من معاون الوزير المختص.
حكاية القبول في منظمة التجارة العلمية!
وبدأت الإجراءات الإقتصادية التي اتخذتها حكومة النظام السوري والهادفة لملائمة الاقتصاد السوري للتجارة العالمية تظهر بشكل جلّي في عجز الميزان التجاري والذي كان ظهر بقيمته الموجبة قبل البدء بإتخاذ خطوات تحرير التجارة، فقد سجل الميزان التجاري ظهور أول قيمة سالبة له في عام 2004 حيث وصل قيمة العجز /78 / مليار ليرة سورية، وفي عام 2007 سجل عجز الميزان التجاري إلى حوالي /131 / مليار ليرة سورية،
في أيار من عام 2010 بعد أن وصل العجز التجاري فيه لحوالي /243 / مليار ليرة سورية، تم قبول عضوية سوريا في منظمة التجارة العالمية ولكن بصفة مراقب وذلك بعد أن سحبت كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل اعتراضهما على انضمام سوريا، وعندها قال سفير النظام السوري في جنيف - مقر المنظمة – أمام مجلس المنظمة بأن مناسبة قبول سوريا في منظمة التجارة العالمية بصفة مراقب مناسبة تاريخية بالنسبة لسوريا.
أما عن سبب عدم منح سوريا لصفة العضوية الدائمة، فهذا يعود لعدم اقتناع المنظمة بالإقتصاد السوري ومدى شفافيته وعدم وجود المنافسة التي تتصف بها اقتصاديات الدول المنطوية تحت مظلة هذه المنظمة.
وبكل الأحوال لم تترافق الإجراءات الإقتصادية التي اتخذها النظام السوري لموائمة اقتصاده مع أهداف المنظمة الدولية أي تحسين على الإنتاج سواء الزراعي أو الصناعي، بل انصبت كافة الإجراءات على الإقتصاد الريعي مثل العقارات والبنوك والتأمين والتجارة، وبذلك يكون قد وقع بالحفرة مرة ثانية حيث الأولى كانت في عام 2005 عندما بدأ تطبيق اتفاقية التجارة العربية الحرة الكبرى (GAFTA) وبدء دخول السلع الصناعية العربية للأسواق السورية منافسة بذلك السلع الصناعية السورية الرديئة مقارنة بالسلع العربية وخاصة الخليجية (السعودية والإماراتية).
لماذا أزال النظام اسم "التجارة العالمية" من مديريته!
ولكن بعد اندلاع الثورة السورية العظيمة في منتصف الشهر الثالث من عام 2011 ونتيجة العنف الشديد الذي مارسه النظام السوري على المتظاهرين السلميين واستخدامه للذخيرة الحية، ما أدى لسقوط شهداء بشكل يومي، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي إضافة لبعض الدول العربية - عن خجل - قراراً بالعقوبات الاقتصادية على النظام وأزلامه، ممن شاركوا في قمع المظاهرات ومن أهم تلك العقوبات التجارية وقف التعامل مع البنك المركزي التابع للنظام السوري، ووقف التبادلات التجارية الحكومية مع حكومة نظام الأسد.
هذه العقوبات الدولية تسببت في منع انسياب السلع من وإلى سوريا - أو على الأقل صعوبة انسيابها - وبذلك يكون الهدف الرئيسي من وراء انضمام سوريا للمنظمة الدولية قد أُلغي حُكماً. وبهذا يتبين بأن إلغاء النظام السوري لمديرية منظمة التجارة العالمية كان ردة فعل من النظام أجبره عليها ليس القرارات الدولة فحسب بل صمود الشعب السوري وثورته لمدة أربع سنوات ونصف، مما دفع النظام للتراجع عن إجراءات كان يلهث وراءها بهدف الانخراط بالمجتمع الدولي، كنوع من الديكور أو التجميل، لإخفاء وجهه الحقيقي كنظام شمولي وديكتاتوري.
التعليقات (0)