ليس مستغرباً عدم الاكتراث بلقاءات جنيف، التي أجراها المبعوث الدولي مع عدد من المعارضين السوريين، الذين هم على الغالب غير معروفين لدى الشعب السوري، الذي يتحدث الجميع باسمه، دون الوصول إلى حل أبسط من كل هذه المباحثات والتعقيدات، التي لا تعني السوريين كثيراً، خاصة وأن دي ميستورا فشل خلال مرات سابقة في إقناع المعارضة والنظام بوقف القتال في مدينة حلب، وهي المبادرة التي سميت آنذاك بـ"تجميد الصراع"، حيث تهدف هذه اللقاءات - بحسب تسريبات إعلامية – إلى التمهيد لعقد جنيف3، على أرضية جنيف1، وما توصلوا له طرفا المفاوضات في جنيف2. غير أنه توجد معادلات على الأرض، قد تؤدي إلى تغيير مسار المفاوضات، في المؤتمر الذي يسعى المبعوث الدولي للوصول إليه .
من ناحية أخرى، يحاول معارضون سوريون العمل على عقد مؤتمر الرياض، للوصول إلى صيغة نهائية للحل السوري، وربما على ضوء نتائج قمة كامب ديفيد -غير المعلنة - التي قد تفرض حلاً عسكرياً وشيكاً، كما أعلن الإعلامي جمال خاشقجي، المقرّب من دائرة القرار السعودي، والذي أعلن في وقت سابق عن عاصفة للحزم في سورية، إلا أنها بقيت في حكم التسريبات الإعلامية وغير الدقيقة.
أياً تكن مصداقية تصريحات الخاشقجي، فمن الواضح أنه هنالك سباق على عقد مؤتمر للمعارضة السورية في الرياض، قبل الوصول إلى اتفاق رسمي لعقد جنيف3، بغاية فرض قرارات حاسمة، بالاعتماد على الدعم السعودي، الذي يقود التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن، وبالتالي فهو يقف ضد إيران بالمطلق؛ ما يمهد إلى تسوية غير معروفة النتائج في الوقت الحالي. أما مؤتمر القاهرة الذي سيعقد بحسب الخارجية المصرية في الثلث الأول من شهر حزيران، استكمالاً للمؤتمر الذي عقد في بداية العام الحالي، فقد يلقى رفضاً من قبل جماعة الأخوان المسلمين في سورية، خاصة بعد صدور أحكام كبيرة بحق الرئيس السابق، ومكتب الإرشاد لجماعة مصر، ما يعني أن المؤتمر لن يحقق هدفه بالوصول إلى صيغة توافقية بين كل أطياف المعارضة..
تحاول إيران استخدام تنظيم "الدولة الإسلامية" لخلط الأوراق في المنطقة، من سقوط مدينة الرمادي، وتحول الصراع في العراق بين تنظيمين إرهابيين هما "داعش" و "الحشد الشعبي"، واتخاذ الصراع شكلاً مليشاوياً، على هيئة صراع طائفي "شيعي – سنّي" وهو ما تخطط له إيران، من أجل استجرار الدعم العالمي بهدف محاربة الإرهاب. أما في سورية، فدخول التنظيم إلى مدينة تدمر، وعبوره البادية السورية، دون تدخل من الطيران النظامي، الذي ينفذ كل يوم عدة مجازر بحق المدنيين، أو قصف قوات التحالف الدولي للرتل الذي احتل تدمر، واستيلاء التنظيم على ثالث أكبر مخزن ذخيرة للجيش النظامي قرب سجن تدمر سيئ الصيت، وترك طريق تدمر - ريف دمشق مفتوحاً أمام جحافل داعش للاقتراب من العاصمة، خاصة وأن التنظيم متواجد في مخيم اليرموك، ما سيجعل هذا النظام مدافعاً شرعياً عن العاصمة، وبالتالي يتوجّب على التحالف الدولي حماية العاصمة من كل من يريد أن يدخلها، خاصة وأن جيش الفتح الذي حقق انتصارات كبيرة في محافظة إدلب، تتواجد ضمن غرفة عملياته العسكرية فصائل تعتبر إرهابية في تقييمات الولايات المتحدة والأمم المتحدة، مثل النصرة وأحرار الشام، وهو ما يريده النظام تماما لحماية نفسه.
أما على الصعيد السياسي، وعلى الرغم من المراوحة في المكان بالنسبة لمحادثات جنيف، وهو ما يعتبره بعض المعارضين شراء وقت إضافي للنظام، لتنفيذ مخططاتٍ، الهدف منها قلب الطاولة على كل من يتحدث عن بنود جنيف1، الذي وافقت عليه الدول الكبرى، إلا أن تعديلاً مهمّاً يجب ان يطال البنود في ترتيبها، ألا وهو تقديم محاربة الإرهاب على بند هيئة الحكم الانتقالية، وهنا ندخل في دوامة "كيف نحارب الإرهاب؟"،"من هو الشريك؟" و"ما هو الزمن المتوقع؟"
لعل الانتصارات التي حققتها المعارضة المسلحة في الآونة الأخيرة، سببت القلق لحلفاء النظام وحلفاء المعارضة، على حد سواء، على اعتبار أن سقوط النظام بشكل مفاجئ، قد يجعل من اليوم التالي يوماً مرعباً، كما جاء في تسريبات صحفية، وبالتالي فإنّ هذا الانفلات يجب أن يضبط بانتقال للسلطة، بعد الانتهاء من محاربة الإرهاب المزعومة..
إن التشتت الذي يقال أن المعارضة تعاني منه بطبيعة الحال، هو أمرٌ واقع بالتأكيد، خاصة وأن المعارضة التي يجتمع بها المبعوث الدولي، ذات غالبية متحيّزة للنظام، بحكم أنه هو من يقدّم هذه الأسماء كمعارضين له، ولكنهم "وطنيين"! ويبقى العدد الأقل من المعارضين الفعليين، الذين يضعون الحلول الأقرب إلى الواقع الموجود، دون الأخذ بها، ومهما كانت نتائج محادثات جنيف، أو مؤتمر الرياض، على مستوى المعارضة بكل أطيافها، تبقى قيادة الدفة الحقيقية للفصائل المقاتلة على الأرض، التي تصنع الانتصارات.
أياً يكن رأينا بهذه الفصائل، سواء على المستوى الأيدلوجي، أو طريقة تطبيق الإدارة المدنية التي تكلموا عنها في مناطق سيطرتهم، فالحقيقة الثابتة أنهم هم أصحاب القرار، أو لنكن أكثر دقة هم الداعمون الأساسيون لأية تسوية أو قرار يمكن أن يحدّد ملامح مستقبل سورية، وبالتالي فإنّ كل المعارضين السياسيين - غير المدعومين من تلك الفصائل بشكل أو بآخر- هم في حقيقة الأمر بلا وزن حقيقي، من الائتلاف الوطني، إلى هيئة التنسيق، وكل التيارات السياسية وصولاً حتى آخر معارض مستقل، بما فيهم نظام الأسد، كطرف في المعادلة السياسية؛ الكل أصبح فاقداً للوزن السياسي، أو التأثير في أي قرار، ودخلنا مرحلة فقدان الوزن وفقدان التوازن، ما يشي بوجود تموضعات جديدة، أو إعادة انتشار للمعارضين، ضمن تيارات وتحالفات جديدة، قد تنهي التيارات القديمة، غير أن الوجوه ستبقى ذاتها ولن تغيّر شيئاً في معادلة فقدان الوزن الفعلي على الأرض، إلا إذا تغيّر الموقف الإقليمي والدولي تجاه الوضع السوري، عندئذ يمكن أن تنتقل عدوى وهم التوازن إلى بعض السياسيين، فيتوّهمون أنهم أصحاب قرار في عملية التسوية وتوازن القوى، التي ستنهي الوضع السوري، ضمن الرؤية الإقليمية أو الدولية، دون الالتفات إلى رأي السياسيين فاقدي الوزن.
التعليقات (1)