أورينت نت | ترجمة: نور مارتيني
القاهرة- عندما أصبح الملك سلمان حاكماً للملكة العربية السعودية في العام الحالي، قلة هم الناس الذين توقعوا حدوث أي تغيير. كان يشاع عنه أنه يعاني من أزمة صحية، إلا أن الملك الذي شغل منصب حاكم ولاية الرياض لفترة طويلة من الزمن، عرف عنه أنه كان يتمتع بقدرات كبيرة في مجالي الإدارة والتفاوض، ولكنه ليس من أولئك الذين يدخلون في مواجهات عقيمة.
إلا أنه ومنذ وصوله إلى العرش في شهر كانون الثاني، نجح في تحريك الركود الذي كانت تعاني منه سياسة المملكة العربية السعودية الخارجية، والخطط المتعاقبة للأسرة الملكية.
حيث بدأ سلسلة من الغارات المكثفة على مناطق تمركز المتمردين الشيعة في اليمن، وفي الوقت ذاته، زاد من حجم الدعم للثوار في سوريا، مبرزاً الدور الحاسم للمملكة الغنية بالنفط، والذي لطالما اعتادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تلتجئ إليه، لحماية أمنها. وبحسب المحللين، فإن هدف الملك سلمان هو حماية المسلمين، من أتباع الطائفة السنية، مما يرى أنه تزايد لنفوذ إيران ذات الأغلبية الشيعية في المنطقة.
يقول نواف العبيد، وهو مستشار سابق للبلاط الملكي، وأحد الباحثين في مركز بلفر للعلوم السياسية والقضايا الدولية، التابع لجامعة هارفرد: "السعودية تكتب تاريخ المنطقة"
يقول العبيد أن الحلفاء العرب، فيما يبدو، يرون في المملكة العربية السعودية الدولة الأكثر استقراراً ومقدرة على تولي دفة القيادة في المنطقة، فيما تغرق مصر، والتي ينظر إليها عادة على أنها القوة الكبرى في المنطقة، في مشاكلها الداخلية. فحين التقى العبيد بسلمان قبل وصوله إلى العرش بسنوات، قال له مساعده السابق: " لقد قال لي بكل بساطة: (إذا لم ندافع نحن عن حقوقنا، فسيأتي شخص ما ليدافع عنها من أجلنا، بكل تأكيد)".
مضيفاً: "من وجهة نظر الملك سلمان، فإنّك يجب أن تؤثر في الأوضاع من حولك، بدلاً من أن تتأثر بها"
لطالما رأى حكام المملكة العربية السعودية في أنفسهم، حماة لشؤون الطائفة السنية في المنطقة، خاصة في ظلّ تحكّمهم بمقدّسات المسلمين (مكة والمدينة). ولعل ما يقود سلوكهم الهجومي هذا، هو القلق من تنامي قوة الخصم إيران، من خلال دعم الميليشيات المدعومة من قبلها في العراق، وتزويد نظام الأسد الآيل للسقوط بالدعم المالي والمساعدات العسكرية.
لقد بدأت العملية العسكرية في اليمن، المجاور للسعودية، خلال شهر آذار بعد أن قام المتمردون الحوثيون الشيعة في اليمن، بالسيطرة على مساحات واسعة في اليمن؛ ويتهم المسؤولون في المملكة العربية السعودية إيران بدعم هذه الميليشيات. غير أن الضربات الجوية، والتي مضت أسابيع على بدايتها، والتي بدأت بشنها المملكة العربية السعودية والتحالف الذي يشكل العرب معظم أفراده، قد فشلت جميعها في إرغام الحوثيين على التراجع. حيث قتل قرابة 2000شخص، خلال الاقتتال، معظمهم من المدنيين، بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، وقد أثار مأزق اليمن تساؤلات عدة حول قدرات المملكة العربية السعودية، وقدرتها على استئناف الحملة العسكرية، التي تمت بدعم لوجستي واستخباراتي أمريكي.
عادة ما يعتمد النظام السعودي على الولايات المتحدة الأمريكية في الحفاظ على أمن بلاده، وتصرّ إدارة أوباما على أن دعمها للمملكة لم يتغير. غير أن كبار مسؤولي المملكة العربية السعودية يخشون من أن الولايات المتحدة الأمريكية، قد تخفض من ارتباطها بشركائها الخليجيين، لصالح التقارب مع إيران، كما يرى بعض المحللين. فقد قامت إدارة أوباما بالمصادقة على صفقة مع إيران، كإجراء تمهيدي، بغية فرض قيود على برنامجها النووي.
في تعليق له، يقول "فهد نزار" وهو محلل سياسي سابق لدى سفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن: "لدى إيران فرصة كبيرة في الاستفادة من الفوضى العارمة التي تضرب المنطقة، لبسط نفوذها في العالم العربي، الأمر الذي أجبر المملكة العربية السعودية على فرض إجراءات أكثر صرامة"، ويعمل نزار حالياً كمحلل سياسي في المؤسسة الاستخباراتية JTG))ولاية فيرجينيا الأمريكية.
يضيف نزار: "كما أن هنالك بعض الشكوك حول التقارب الإيراني- الأمريكي، ما زاد إحساس المملكة بضرورة التدخل العاجل" حرصاً على الاستقرار في المنطقة.
على اعتباره واحداً من الأبناء الكثيرين لمؤسس المملكة العربية السعودية، عبد العزيز آل سعود، فقد جرى تعيين سلمان حاكماً لمنطقة الرياض، عام 1963، يومها كان عمره 19 عاماً فقط، وقد خدم في هذا المواقع قرابة 50 عاماً، حيث تطورت العاصمة "الرياض"، وتحولت من بلدة تقع على واحة صحراوية، إلى حاضرة مزدهرة يقطنها حوالي 7 ملايين شخصاً.
كشخصية إدارية، يقال بأن سلمان قد تمكن من إنشاء مدينة ذات سجل نظيف من الفساد، متعاملاً مع جميع القضايا، ابتداء من النزاعات القبلية، وحتى مشاريع البنى التحتية، ضمن عملية التنافس بين أفراد الأسرة الحاكمة.
وبحسب نزار، فقد كان وقته الذي يقضيه في المكتب "مكرساً لتلبية احتياجات الشعب، والتي كانت غالباً ما تتم عن طريق المقابلات الشخصية، وجهاً لوجه".
ما إن ارتقى سلمان كرسي العرش، عقب رحيل الملك عبد الله، حتى قامت وسائل الإعلام المحلية بتقديم قصص مصورة حول فترة وجوده حاكماً لمنطقة الرياض، مصورة إياه على أنه رجل الإدارة المتواضع، الذي حافظ على حكمه من خلال علاقته بالمواطنين العاديين، فضلاً عن ملكاته الفكرية. كما استخدم وسائل الإعلام المحلية، التي تقبض الأسرة الحاكمة على مفاصلها بقوة، للترويج على أنه رجل حرب أيضاً.
ويظهر الملك في لائحة الإعلانات الملكية، وهو يقف إلى جانب الجنود السعوديين والطائرات النفاثة. ففي المراحل الأولى للحملة السعودية على اليمن، صادق رجال الدين السعوديون على الحرب، مادحين الملك سلمان، واصفين إياه بأنه المدافع عن حقوق الأمة وجيرانها.
كما أوضح نزار: "حصلت العملية على شعبية كبيرة في صفوف السعوديين"، حيث عمل على "تجييش المشاعر الوطنية، على امتداد رقعة المملكة".
ومع تمكنه من كسب ثقة الشعب، قام سليمان بإجراء تغييرات مفاجئة، على المواقع القيادية في المملكة، أعلن عنها في مطلع شهر نيسان المنصرم، فقد قام بتعيين ولي عهد لولي عهده، كما أدخل جيلاً من الوزراء الأصغر سناً في تشكيلة حكومته الجديدة.
حيث عين وزير الداخلية محمد بن نايف /55 عاماً/ ولياً لعهده، مبعداً الأمير مقرن، البالغ من العمر 71 عاماً، عن الساحة. لقد أسهمت هذه الخطوة في إحداث تغيير جذري في سياسة المملكة، فالأمير محمد بن نايف هو أول أحفاد الملك عبد العزيز آل سعود، الذي يصل لى العرش، بعد عقود من الزمن، كان فيها أبناء الملك هم من يصلون للحكم، كما رقى ولده محمد بن سلمان، البالغ من العمر 30 عاماً ليصبح وزيراً للدفاع، ونائباً لولي عهده.
لقد كان لهذه الترقية دور في إشراك ابن الملك سلمان في الحملة على اليمن، إلا أن المسألة الأكثر أهمية هي أنها وضعته في مقام إضافي يؤهله لأن يصبح الملك؛ حضر القمة التي عقدها أوباما في واشنطن لقادة الخليج العربي، خلال الشهر الحالي، بدلاً عن أبيه- الخطوة التي فسّرت على أنها إشارة استهجان لمواقف وسياسات الولايات المتحدة تجاه إيران، وهو المفهوم الذي أنكر المسؤولون في المملكة أنهم سعوا لإيصاله .
يضيف "نزار": "لقد جرى تحريف وصية الملك سلمان بشكل أو بآخر، ذلك أنه كانت هنالك تنبؤات واسعة بأن صراعات متلاحقة قد تنشب في حال وفاة الجيل الأكبر سناً من القادة السعوديين" فيما قال "نزار": " ولكن يبدو أنه أجرى التغيير الذي طال انتظاره، في وصول الجيل الثالث من القادة السعوديين إلى سدة الحكم".
يرى بعض الخبراء السعوديين أن وصول جيل ثالث من القادة إلى الحكم، لا يعني بالضرورة تطبيق سياسات أكثر انفتاحاً، حيث وطّد الملك سلمان صلاته بالمتدينين المحافظين، من خلال استبدال رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الإصلاحي، بمسؤول آخر يعرف عنه تشدّده في التعاطي مع اللباس وفق الطراز الغربي، كما قامت المملكة العربية السعودية مؤخراً بإعدام 90 شخصاً خلال هذا العام، لإدانتهم بجرائم قتل ومخدرات، وهو رقم يفوق كل الأحكام التي طبقت خلال عام 2014.
بالمقارنة مع الملك عبد الله، الذي وضع برنامجاً تشاورياً لعودة الجهاديين من سوريا والعراق، فمن المتوقع بأن يقوم القادة الجدد باتخاذ خطوات أكثر تشدداً تجاه المسلحين، بحسب بعض المحللين.
وقد عرف عن ولي العهد "نايف" أنه اتخذ إجراءات صارمة بحق المسلحين المنتمين إلى تنظيم القاعدة، وأنه نجا من أربعة محاولات اغتيال.
لقد أتى الجيل الأصغر من القادة، في وقت كانت فيه علاقات المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية تتنامى، فبالنسبة للجيل السابق ، يعتبر تحرير القوات الأمريكية للكويت من قبضة الجيش العراقي عام 1991 نقطة واضحة المعالم، وإشارة تدلّ على عمق التزام الولايات المتحدة الأمريكية، تجاه حلفائها العرب، ولكن الهلع أصاب السعوديين حين قطعت إدارة أوباما صلاتها برجل مصر القوي حسني مبارك، خلال ثورة عام 2011، الداعية لتطبيق الديمقراطية، ما أسهم في سقوط الرجل الذي كان حليفاً لفترة طويلة، سريعاً..
على عكس العديد من أبناء الأسرة الحاكمة، الأكبر سناً، فابن الملك سلمان لم يدرس في الولايات المتحدة الأمريكية، أو أوروبا.
وفيما يرسم سلمان ملامح سياسته الخارجية، ليس بمقدوره أن يحدث تغييرات جوهرية في علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب بعض المحللين.
فالدور الذي تلعبه الطائرات الأمريكية التي كانت وما تزال تشن حملة جوية ضد مسلّحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، برفقة سلاح الجو السعودي هو دور ذو دلالة رمزية، على ضآلة تأثيره. إذ يشكّل هذا التنظيم المتطرف قضية هامة بالنسبة للمواطنين في المملكة العربية السعودية، حيث هوجمت معسكراتهم الحدودية مع العراق مراراً، من قبل فصائل التنظيم المتواجدة في مدينة الأنبار. كما تبنى التنظيم القيام بعمليتين استهدفا مسجدين للشيعة على أراضي المملكة العربية السعودية، شرق البلاد، حيث أودى التفجيران –اللذان حصلا منذ قرابة الأسبوع، بحياة 22 شخصاً، على الأقل.
يقول المحللون السياسيون بأن النظام في المملكة العربية السعودية ليس مهدّداً بإسقاطه من قبل فصائل جهادية، ولكن جهاز الأمن السعودي يحتاج تعاون أجهزة الاستخبارات الأمريكية، لمعرفة كيفية التعامل مع المتطرّفين، والذين قاموا بتجنيد قرابة 2500 مقاتل من أبناء المملكة العربية السعودية.
يقول "عبيد": "مسألة واحدة يجب إبقاءها في البال جيداً، هي أن سلمان يرغب في إعادة رسم ملامح سياسة المملكة العربية السعودية الخارجية" موضحاً أن "هذا لن يتم وفق قرارات متهورة، التي قد تؤدي إلى شرخ كبير في العلاقات المصيرية، كتلك التي مع واشنطن على سبيل المثال".
ويضيف: "قد تكون هنالك بعض الأصوات التي تدعو الملك سلمان إلى المضي قدماً في خطواته، بشكل أسرع، ولكن هنالك بعض الخطورة في التحرك بسرعة كبيرة" معقباً "أعتقد أن الملك سلمان يدرك ذلك جيداً، فهذه مسألة حساسة للغاية، ولكنه يعلم جيداً المواطن التي لا تكون فيها الشجاعة بمصلحة البلد".
التعليقات (15)