ثمة طرح، تم تداوله منذ الأيام الأولى للثورة همساً، مفاده، "إما أن نحكم أو ننفصل". لكن المُفارقة، بأن التصور حينذاك، كان بالانضمام إلى "تركيا"، لأسباب طائفية معروفة. حيث ملايين العلويين، من أصل سوري. يسكنون مناطق، على طرفي الحدود.
كانت غاية تلك "الثرثرة الأمنية" مزدوجة. أولها، توريط الطائفة بحمام الدم، على اعتبار أن حماية "قتلتها" من المُحاسبة مؤمن بالنهاية، في حال الفشل، بالاحتفاظ بالسلطة على كامل سوريا. وثانيها، إخافة بقية السوريين، المُتمسكين بوحدة البلاد، على أمل أن يُفضل هؤلاء "بسطار" بشار العسكري، على التقسيم.
إعلامياً، زادت جرعات تداول "الخيار"، مع تعديل على خطوط الدويلة الطائفية. يتمثل بتسمية دمشق عاصمة لها.الأمر الذي يتطلب إدخال تعديلات جوهرية على الخارطة. تقتضي ضم الشريط، الذي يفصل الجنوب عن الغرب، مع ما يتطلبه من تغييرات ديمغرافية، للتوزع السكاني في وسط البلاد "حمص – حماة".
هذا التعديل، هو مصلحة إيرانية خالصة، لا يدخل بشار الأسد، أو العلويين في حساباتها. بل يُشكل قتلاً "للكانتون" االعتيد بمهده. ذلك أن
تأمين التواصل بين العاصمة والساحل، و خطوط إمداد حزب الله. كان بمثابة اجراء تكتيكي وقائي، لحين إخماد الثورة، وإعادة تثبيت بشار الأسد. رغم ما تخللها من مجازر تطهير مذهبي ، مثل القصير والحولة. أو تهجير للسكان داخل أحياء مدينة حمص الثائرة.
الاجراء ذاته، لا يزال تكتيكياً مؤقتاً. إنما في سياق استراتيجية إيرانية عسكرية جديدة. اختلفت جذرياً مع انطلاق "الحزم"، وتشكيل التحالف العربي لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. كذلك، فرضتها انهيارات ميليشيا الأسد المُتتالية، في الجنوب، والشمال "إدلب – جسر الشغور".
لم يعد هدف إيران، فرض الأسد للأبد. بقدر ما أصبح تأجيل سقوط سلطتة ، إلى ما بعد اتمام اتفاق إذعانها النووي. على "نية" تحسين مواقعها ، في مهرجان تسويات ملفات المنطقة. الذي يُفترض افتتاحه، إثر التوقيع النهائي على "الاتفاق". دون اغفال احتمال فشل "بازار المُساومات" من أصله. استناداً إلى وجود قرار "عربي" مُحتمل، بالمضي في مواجهة المشروع الفارسي بالمنطقة. مع حرص طهران الشديد، على صورتها الجديدة " ما بعد النووي". صورة شرطي "الارهاب السني" بالمنطقة. أو الوكيل الحصري، لمحاربة التنظيمات المُتشددة. نيابة عن الولايات المتحدة، و العالم. هكذا تحاول تقديم نفسها على الأقل. بل هذا ما تحاول اثباته، والترويج له في العراق وسوريا، بالتناغم مع داعش وبمعيته
تُدرك طهران، عجزها عن مواجهة، التحالف العربي مالياً وعسكرياً، وجهاً لوجه. كما تعرف أن مشروعها أشبه بأحجار الدومينو، سقوطه في إحدى العواصم العربية "المُحتلة"، تحديداً دمشق. تعني تهاويه تباعاً. إذا لم تضرب تداعياته، طهران نفسها.
ما يحاول نظام الملالي فعله، هو القفز فوق "حزم" عربي مُحتمل، إلى اقتتال مذهبي سني – شيعي. لكن بأدوات عربية، مُطعمة بما تيسر من مرتزقة "شيعة" متعددي الجنسيات. بعيداً عن "إيران" حاضرة الامبرطورية الفارسية الجديدة.
هذا السيناريو، بدأ فعلياً، بإلغاء الحدود، بين العراق وسوريا، عبر "الاسقاط" الدراماتيكي المُتزامن للأنبار، وتدمر بيد "داعش". بهدف فتح، وتوحيد ساحات المجابهة بين مختلف الفصائل المسلحة المتواجدة على الأرض. من" لبنان، إلى القلمون، حمص، تدمر، العراق". فضلاً عن التهديد المُباشر للخواصر الحدودية، في السعودية، والأردن.
بالتزامن، كشف نصر الله عن وظيفته الجديدة، في صفوف "التحالف" ضد "الارهاب" السني. حين اعطى الاشارة للعشائر الشيعية، لتشكيل لواء القلعة، على غرار ميلشيا الحشد الشعبي الشيعي العراقي. فيما أعُلن في سوريا، عن تأسيس لواء الساحل. عدا ظهور جنرال التصوير الإيراني قاسم سليماني بجورين، على خط المواجهة الأول مع جبهة الساحل. وما رافقه من تسريبات، حول وصول 7 آلاف، من نحو 20 ألف مقاتل شيعي، للدفاع عن دمشق.
الغاية، هو الدفاع عن العاصمة، أي تأجيل سقوط بشار الأسد، اي اعلان هزيمة، لا يوازيه بالوضوح. إلا محاولة التهويل "بدويلة علوية"، ضمن خرائط جديدة للمنطقة. ترتسم على أسس مذهبية. آخرها خارطة، من ابتكار وكالة "رويترز"، بثتها أول أمس.
عموماً، لولا التغير باستراتيجية إيران، للهروب من مواجهة "التحالف العربي"، بإشعال حرب مذهبية وقودها العرب، وساحاتها أراضيهم. ما كنا سمعنا بدفعات المقاتلين الشيعة مؤخراً. أو شاهدنا الجنرال سليماني على الشاشات. بمعنى لما استأنفت طهران دعمها، المتوقف منذ الشهر العاشر 2014 "لفصيل الأسد" . وهو بكل الأحوال، لا يتعدى حالياً، التكفل بتجهيز وتسليح، وصرف المخصصات الشهرية، لهؤلاء المرتزقة.
لا تستطيع إيران، فرض، أو رعاية "كانتون علوي"، ولد ميتاً. إلا إذا كانت اللاعب الوحيد في الكون. ما من وجود لشعب سوري، أو قوى اقليمية، أو دولية.
لا يحتاج،حماية خط "دمشق – المنطقة الوسطى – الساحل"، إلى 50 ألف مقاتل إيراني شيعي. إنما إلى كامل عدد وعداد الحرس الثوري، لتأمينه عسكرياً من هجمات الشعب السوري، على مدار الساعة، ومدى الحياة. كما يتطلب منها، تنفيذ مجازر تطهير طائفي، بحق ما يزيد عن نصف سكان "الدويلة الموعودة"، من سنة، مسيحيين، وإسماعيليين. معهم نسبة كبيرة من العلويين، ترفض الانفصال لأسباب وطنية، واقتصادية. فوقها، الروابط المجتمعية النفعية، وتداخل المصالح، والمُصاهرات. بين مختلف مكونات الموازييك السوري.
باستثناء، روايات إعلام الأسد، بشأن كميات النفط والغاز "المهولة"، في المياه الاقليمية السورية. لا وجود لمقومات اقتصادية، تؤمن مُتطلبات "الكانتون". الذي يفتقد لبنية تحتية جيدة. حيث تعمد "الأسدان" إهمالها، دفعاً للشباب العلوي، نحو الخزان البشري للجيش والأمن. كونه الخيار شبه الوحيد المُتاح، بكل لحظة.
بالمقابل، لن تسمح، أو تتسامح، بقية الشعب السوري. إزاء حرمانها من موانئها التجارية، لتصدير المنتجات الزارعية والصناعية، والنفط. كما لن تقبل، بسلخ عاصمتها التاريخية دمشق.
ثم، لا يبدو أن دول الاقليم. مُستعدة للتهاون، بالتعاطي مع ظاهرة، تُهدد بقلب الجغرافيا السياسية، لجميع دول المنطقة، وما خلفها.
ما يُمكن تقسيمه في سوريا، وقع، وانتهى على أيدي "سايكس - بيكو". بدليل فشل الفرنسيين، بتقسيم "المُقسم" مرتين في عامي 1920، 1939. على وقع استحالة التنفيذ، واستمرار حياة أقاليم، مُنافية للمنطق والطبيعة.
لا يعني ذلك، أن تقسيم الأمر الواقع، لا يُمكن أن يقوم، أو يستمر لفترة. لكن العبرة في الخواتيم. ما عداه "خديعة". لعل كابوسها الدموي يطول، أو يقصر. لكن المفارقة، أن وأد الكابوس لحظة مولده. لا يتطلب، أكثر من تجاهل "تركي" جدي للفيتو الأمريكي الروسي المزدوج القاضي، بعدم تحريك جبهة الساحل.
التعليقات (9)