الألبسة والأحذية المستعملة في أسواق (الحسكة): كيف تصل؟ ولمن؟!

الألبسة والأحذية المستعملة في أسواق (الحسكة): كيف تصل؟ ولمن؟!
انتشرت في محافظة الحسكة تجارة الألبسة والأحذية والحقائب المستعملة المستوردة من الخارج والتي كانت بداية انطلاقتها من المنازل وبنسبة خجولة وذلك في أواخر عام 2013 قبل أن تلاقي رواجاً وتظهر للبيع علناً مع حلول عام 2014 على بسطات وفي محال تجارية، لتصل ذروتها مع مطلع العام الحالي حيث لاقت إقبالاً كبيراً من كافة طبقات المجتمع لجودتها، ورخص ثمنها بما يتناسب مع الظروف المادية السيئة التي يمر بها السوريون.

البالة.. غير البالية!

يطلق في سوريا على تجارة الملابس المستعملة اسم "البالة" أي البالية، وفي الحسكة كثيراً ماباتت تسمى البضائع المستعملة المستوردة باسم "البالة الأوروبية" رغم أنها ليست كلها بمظهر بالي ولا من صناعة أوروبية حصراً، ومن ناحية أخرى فإن هذا النوع من التجارة -أي الألبسة المستعملة المستوردة- لم يكن موجودا في الحسكة من قبل بسبب وجود قانون يمنع استيرادها حفاظاً على الصناعة المحلية، لكن الظروف التي تمر بها البلاد كسرت الكثير من القوانين، بينما كانت توجد في الماضي تجارة البالة المحلية وبنسبة ضئيلة وتباع في منازل ومحال أغلبها في الأحياء ولاتزال موجودة لليوم.

وفي حديث مع عدد من تجار البالة الأجنبية في مدينة (الحسكة) عن مصدرها وكيفية وصولها قالوا أنها قادمة من أوروبا عبر بواخر للشحن تعبر البحر نحو تركيا ومنها تدخل إلى الأراضي السورية عبر المعابر الحدودية الشمالية المفتوحة وتمر الشواحن بريف حلب وبمحافظة (الرقة) قبل وصول قسم من الحمولة إلى محافظة (الحسكة)، وأحياناً تدخل من الشرق عن طريق إقليم كردستان العراق.. وهي جميعها بضائع ألبسة مستعملة مستوردة، وتأتي موضوعة بأكياس مربوطة بإحكام، وغالباً تنزل الحمولة في حي (مشيرفة) الواقع بالمدخل الشمالي لمدينة الحسكة.

عباءات خليجية!

وفي جولة إطلاعية على هذه المستوردات في السوق لوحظ تنوعها مابين ألبسة الأطفال وبين ألبسة الكبار كالكنزات والبناطيل والقمصان والفساتين والبيجامات والداخليات، والمصنعة جميعها في بلدان مختلفة من العالم كأوروبا وأمريكا وتركيا ودول شرق آسيا كالصين والهند والنيبال، والقرن الإفريقي كتونس، كما ولوحظ بيع ثياب وعباءات نسائية مستعملة خليجية التصميم والصنع قادمة من بلدان الخليج العربي، تباع في السوق وبمنازل في الأحياء إلا أنها أغلى سعراً، بالإضافة لكل ذلك فأيضاً توجد نسب متواضعة من الأحذية والحقائب والألعاب. وإن كانت أغلبية الملابس يبدو عليها القدم إلا أنه هناك نسبة لابأس بها من الألبسة تبدو أقرب للجديدة ويقول التجار عنها أنها كانت بقايا ألبسة في المتاجر قبل أن يتم تصريفها إلى سوق البالة وتصديرها.

وتباع الألبسة الأجنبية المستعملة على البسطات حيث تتكدس قطع كثيرة لا تعد من الملابس على البسطة الواحدة مما يدفع بالزبائن إلى قضاء وقتاً طويلاً في البحث، عما يعجبهم ويناسبهم، كما وتباع بمحال مستأجرة، غالبا ما يحرص أصحابها على أن تكون بواجهات زجاجية للفت الزبائن أكثر وتوفر غرفة صغيرة للقياس، حيث تكون القطع معلقة بترتيب والزائد عندهم يوضع بداخل صناديق حديدية واسعة مفتوحة من الأعلى.. ولولا وجود لافتة "بالة أوروبية" ملصقة على بعض الواجهات أو وجود بسطات خارج المحل على الرصيف وأسفله لما ميز البعض بأن هذا المتجر للبالة وليس للألبسة الجديدة، إلا أنه تبقى البسطات الأكثر جذباً للزبائن لرخص ثمن الملابس فيها.

تأمين أولويات أخرى!

تقول إحدى النساء وهي تبحث بين الملابس المستعملة المتراكمة فوق بعضها على إحدى البسطات أنه: "لا غنى عن الثياب الجديدة إلا أنها غالية الثمن بهذه الظروف وكل شيئ أصبح غالٍ.. وبشرائي من البالة الرخيصة أوفّر المال لشراء الطعام وغيره من الأولويات الأخرى، طالما أني أجد ملابس مناسبة لي ولأطفالي فيها"، بينما تقول أخرى ساخرة وهي تقلب بين الملابس المعلقة داخل إحدى محالات البالة ما يشير في طياته إلى أن ماه و نعمة ممكن أن يتحول لنقمة بشكل غير مباشر من جهة الإسراف أو الهوس: "أصبحنا نشتري البالة بكثرة دون أن نشعر وهذا بسبب رخص ثمنها وكثرة القطع التي تعجبنا لدرجة أن مافي بيوتنا من بالة يفتح محلاً لبيعها!".

هذا وتنتشر محال وبسطات البالة الأجنبية بشوارع معينة من مركز المدينة كما وينتشر بيعها في الأسواق الشعبية الأسبوعية المتنقلة بين الأحياء، بالإضافة إلى وجود من يبيعها في منزله وبمحال داخل الأحياء؛ عدا عن أنه لوحظ بيع البالة على ظهر سيارات مكشوفة محملة بالألبسة أو الأحذية تقف أحياناً في الشوارع التي ينتشر فيها بسطات ومحال البالة، وطبعا" لاتقتصر مظاهر هذه التجارة على مدينة (الحسكة) بل تشمل مدينة (القامشلي) والبلدات المحيطة بها.

الكيس بكل ما فيه!

وفي سؤال عن ما إذا كانت مربحة باعتبار أنها ازدهرت في الآونة الأخيرة أم أنها تتسبب بخسارة أحياناً، فيجيب أحد التجار:

إنها مربحة في حال كانت القطع جيدة نوعاً ما، ولو لم تكن مربحة ولقيت رواجاً بين الناس، لما أقبل كثيرون على المتاجرة بها، أما بالنسبة للخسارة فإنها تكمن في عدم السماح للتجار بمعاينة القطع قبل شرائها.. إذ أنهم ملزمون بشراء أكياس البضاعة بما فيها من جيد وسيئ ولا يمكن إعادتها بعد شرائها ولهذا تبقى لديهم قطع، لا تعجب أحداً من الزبائن.. كأن تكون المقاسات واسعة جداً أو تكون القطع مهترئة أو فيها عيوب أخرى وهذا ماقد يتسبب بالخسارة أحيانا".

ويقول شاب يعمل في بيع البالة المستوردة أنه خريج هندسة زراعية ولكنه عاطل عن العمل فلجأ لتجارة البالة المستوردة واستأجر محلاً لبيعها إلا أنه لم يوفق بأغلب محتوى بضاعته ويعتبر نفسه خاسر للآن بين مادفعه ثمنا" للبضاعة التي قلما يبيع منها وبين مادفعه ولايزال يدفعه من أجرة للمحل وأنه يعتزم التوقف وعدم العودة لهذه التجارة إذا حالفه الحظ يوما" وباع كل بضاعته المتبقية. من ناحية أخرى لوحظ أنه توجد نسبة كبيرة من الألبسة النسائية تليها ألبسة الأطفال مقارنة" بالرجالية ولهذا فإن معظم زبائن البالة من الإناث، ويقول أحد الباعة معلقا" على هذه الملاحظة أن: "الآنسات والسيدات يهتمن بمظهرهن أكثر من الرجال ويحبن التغيير الدائم عدا أن الأطفال كلما كبروا كلما احتاجوا لملابس جديدة، أما أنا كرجل فليس لدي مشكلة أن أشتري قميص واحد وأرتديه العام كله".

البالة الخليجية بآلاف الليرات!

وبالنسبة لأسعار بيع تلك الملابس المستعملة فلكل قطعة سعرها وتبدأ بشكل عام من 100 وقلما تصل إلى 1300 ليرة للأجنبية أما الخليجية فأسعارها كثيراً ماتكون بآلاف الليرات، بينما أرخص قطعة ملابس أجنبية تساوي أقل من نصف دولار. ويمكن الحصول مثلاً على كنزة بدولار واحد لدى بعض الباعة.. كما ويقوم الزبائن بالبازار على السعر مع البائع لتخفيض ثمن القطع التي يريدون شرائها ويقوم بعض أصحاب البسطات، بعمل عروض تصفية على القطع المتبقية لديهم حيث ينادي البائع في الشارع معلناً عن عرضه المشجع 100 ليرة لكل قطعة وينقص تدريجياً لاحقاً ليصبح 25 ليرة للقطعة الواحدة أي أقل حتى من خُمس دولار مما يدفع بالناس المارة وأغلبهم من الإناث للتجمهر حول البسطات من أجل الشراء.

سد نقص!

تمتاز الملابس الأجنبية المستعملة المستوردة في أسواق الحسكة بأنها أولاً أرخص من البالة المحلية والبالة القادمة من بلاد الخليج، حيث الأخيرة تعادل بسعرها أسعار مثيلاتها الجديدة، وثانياً أرخص بكثير من الملابس المستعملة المستوردة سواء الأجنبية أو العربية أو المحلية في أسواق محافظات الداخل والساحل الخاضعة لسيطرة النظام والتي غالباً ماتصلها المستوردة عن طريق التهريب بعكس الوضع في المحافظات الحدودية. ولابد في النهاية من الإشارة إلى أبرز محاسن هذه التجارة إذ أثرت إيجاباً بعض الشيء على الوضع الاقتصادي المزري الذي يقاسيه المواطنون من حيث التخفيف قليلاً من عبء شراء الحاجيات المرتفعة السعر وتحول هذه التجارة لمصدر رزق ودفعها بالبائعين لاستئجار عدد من المحال المغلقة، كما وسدت النقص الذي خلفته قلة البضائع السورية الصنع في أسواق الحسكة، والتي ارتفعت أسعارها خلال العامين الماضيين لتوازي بذلك أسعار الألبسة التركية الجديدة المستوردة والمنتشرة بكثرة في أسواق محافظة الحسكة.

التعليقات (2)

    شمري

    ·منذ 8 سنوات 11 شهر
    هي البسه اخوتكم العرب بعد تهجيرهم ونهب كل محتويات منازلهم في اليعربية وجزعه وتل حميس وتل براك وربيعة في العراق وبعاج وسنجار, وليست اوربية ولا شيئ . هذا نداء لجبهة النصرة واحرار الشام انقذونا من الاحزاب الصهيونية الكردية وعملائهم قبل ان تصبح الحسكة وراس العين وتل ابيض والرقة فلسطين الثانية

    ياسين صالح

    ·منذ 8 سنوات 11 شهر
    التجاره دي مربحا تماما
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات