لا أملك كثيراً من الأدب والاحترام أو الالتزام بمعايير المهنة وأخلاقياتها عندما يمر ذاك الاسم أو يأتي ذكره في أحد المجالس والنّقاشات السّياسية. نهرتني ذاكرتي عدة مرات عندما حاولت التناسي أو الصّفح من مبدأ "اللي فات مات"، أعترف أنني فشلت وكلما حاولت كلما استفزتني تصرفات أحد من أفراد عائلته، إما بتصريحات على الفضائيات أو مقال في إحدى الصّحف أو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي..
لست بصدد إعادة صياغة أو شرح ما ارتكبه ذاك الرّجل من جرائم ضد الإنسانية في مدينتي حماه، وليس من الضروري إعادة طرح الرّوايات بعد أن أدرك القاصي والداني تفاصيل المذبحة الرّهيبة، التي لازالت آثارها وتداعياتها موجودة على جدران المدينة التعيسة وبين أروقتها ومتاهات أهلها حتى يومنا هذا، لأن الأهم من وجهة نظري مواجهة عدونا الحالي الأوحد بشار الأسد وعصابات الشوارع التي يقودها مع زملاء القتل والإجرام للجنرال مصطفى ولسوء الحظ أن ابنه مناف كان في صفوف أولئك الجزارين على الأقل في العامين الأوليين للثورة ، قبل أن يفر هارباً خارج سوريا ويذوب في العواصم الغربية مدعياً الانشقاق عن النّظام ضمنياً أو بين اثنين من أصدقائه التابعين لأجزة استخبارات كبيرة حول العالم على الأرجح ، لأن الضابط مناف لم يكن مجرد ضابط عابر في كتيبة عسكرية أو مخفر شرطة، بل كان الصديق المقرب من عائلة الأسد وأكثر الرجال الأمنيين امتلاكاً للمعلومات، اختفى الرجل دون أن يترك خلفه أثراً أو موقفاً سياسياً واضحاً حيال القضية التي انشق لأجلها!!
دون أن يلجأ إلى المحاكم الأوروبية أو المنظمات المعنية بحقوق الإنسان للادلاء بشهادة واحدة ضد النّظام ومافعله بالشعب السوري خلال فترة وجوده معه أضعف الإيمان، بوصفه الصندوق الأسود لعائلة الأسد وأكثر الشهود على عمليات الإبادة الجماعية التي لحقت بسورييّ الثّورة، إلى أن كانت الصدمة أن أطرافاً سياسية عالمية ومحلية بدأت تطرح اسمه على طاولة المفاوضات كأحد الوجوه الثورية القادرة على قيادة عملية انتقال السّلطة في حال توصلت الأطراف لحل تطيح به بنظام الأسد، من مبدأ لامانع بإعادة بناء نظام جديد بحجارة النّظام القديم، على سبيل المثال تنصيب اللواء جميل الحسن وزير الثقافة والإعلام واللواء زهير الحمد وزير العدل ..
على كل حال ، لم يكن مناف أفضل حالاً من أخيه فراس بكثير ، الذي التحق "فيسبوكياً" بركب الثورة والحق يقال ، لست من يوزع أحقية الثورة على أحد ماعاذ الله ولا من الذين كشف الله على قلوبهم فكشفت عن قلب فراس ، لكن مايدعو للاستفزاز والاشمئزاز في آن شهادات حسن السلوك والوطنية القادمة منه بحق الطيف الأوسع من أبناء الثورة السورية وتياراتها المختلفة، إضافةً إلى السيناريوهات التي بات يطرحها الرّجل عن مستقبل سوريا وطريقة الحكم وشكل الحياة السياسية فيها وإلى ماهنالك من أمنيات فيسبوكية، كان أخرها منشور يقول "أنا ابن 18 أذار 2011"، ناسفاً بذلك تاريخاً لم يكن عادياً على الإطلاق بشراكة العائلة ككل مع عائلة الأسد ، ياسيد فراس إن كنت نسيت ح فكرك..
أنت ابن 2 شباط 1982 قبل أن تكون ابن 18 أذار 2011 وأنت ابن مصطفى طلاس قبل أن تكون في صفوف غياث مطر ومشعل التّمو وابراهيم قاشوش الذي قتل والدك والده رمياً بالرّصاص في ساحة الحاضر بحماه أمام عيون الأشهاد..
أتفهم تماماً أنه من غير المنطقي والعادل ملاحقتك قانونياً أو محاسبتك عن جرائم الإبادة الجماعية والمجازر ضد الإنسانية التي ارتكبها أبوك وأخوك مشتركين، وأتفهم أنك أصبحت في صفوف الثورة وللأسف أن الثورة جبّت الكثير عما قبلها، لكن من غير المفهموم لشخص مثلك منضم إلى أكبر ثورات العدالة والكرامة في العصر الحديث أن يتعامى ببساطة عن حقوق الأخرين البالغ عددهم ستين ألف إنسان على أقل تقدير، ساهم باعتقالهم والدك وغابوا عن الأنظار منذ ثلاثة وثلاثين عاماً دون أن تتدخل ولو باعتذار بسيط لأسر الضحايا والمغيبين قسراً، ناهيك عن الأربعين ألفاً الذي شارك بقتلهم بدم بارد، بل كنت أكثر "الثوريين" عنجهيةً في مهاجمة كل من طالب بذلك وأذكر تعليقاتك على إحدى المنشورات التي ذكرت فيها أن أسر ضحايا مدرسة المدفعية لهم على الحمويين حق أيضا!!
ليس هو سرد تاريخي بقدر ماهو تذكير بأنه "رحم الله امرئ عرف قدر نفسه"، مالك هو لك وحلال عليك.. وما للثورة هو لها وهي القادرة على تحديد أهدافها ومستقبلها، وما لحماه لن نسامحك أنت وعائلتك به. كان من الأفضل من إنشاء التيارات والأحزاب السياسية أن تسعى جاهداً للتّخلص من العار الذي خلفه أبيك "مجزرة حماه" إن لم يكن باعتذار خطي صريح وتعويض لأسر الشهداء والضحايا فبإعلانك الخلعة عن الأب الذي تلاحقه دعاء الأمهات إلى يومنا هذا، وفي كلتا الحالتين لن تفعل، لذلك اصمت... فقط اصمت يا أبا "مــصطــفى" .
التعليقات (12)